أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


تقلبات المشهد الاستراتيجي في المنطقة: الصراع الاقليمي على تركة “الرجل العربي المريض”

بقلم : أ.د احمد القطامين
09-10-2018 06:24 AM

عُقدت في اسرائيل قبل اسبوعين ندوة لتقييم الوضع الاستراتيجي في المنطقة من وجهة النظر الاسرائيلية والقيت الكثير من الاوراق العلمية من مجموعة من كبار الخبراء والمختصين في السياقات الاستراتيجية فيها. وخلصت تلك الندوة الى ان ما يجري في المنطقة هو صراع بين اسرائيل من جهة وايران وتركيا من جهة اخرى على ملء الفراغ الهائل الناتج عن ضعف الدول العربية وتمزقها واختراقها الاستراتيجي من قبل ادارة الرئيس ترامب واسرائيل.
ما تقوم به اسرائيل الان هو محاولة منسقة ومدارة بشكل فعال لخلق حالة من التموضع الاستراتيجي في المنطقة العربية من خلال السيطرة على الانظمة العربية بمساعدة الرئيس الامريكي ترامب سيطرة تامة وذلك بخلق الارضية المناسبة لتعميق شعور هذه الانظمة بالخطر الداهم الذي تمثله ايران عليهم بصورة اساسية وتركيا بصورة ثانوية على الاقل الان. ان خلق فزاعة ايران وتركيا يسهل بصورة كبيرة عملية السيطرة الاسرائيلية على الانظمة التي حرصت دائما ان لا يكون للرأي العام في بلدانها اي دور وبالتالي اذا تمت السيطرة على هذه الانظمة تخضع دون اية مخاوف من ردود فعل الرأي العام لديها.
لذلك، ومن اجل التمهيد للسيطرة الاسرائيلية على المنطقة يقوم الرئيس ترامب بين وقت وآخر بتوجيه اقذع اشكال الاهانات العلنية في مؤتمرات صحفية او مهرجانات شعبية لما يسميه الدول العربية الغنية التي تارة يتهمها انها لا تمتلك شيئا الا الاموال فقط دون وجود اي شكل من اشكال البناء الحضاري او العلمي وتارة اخرى يصفها بانها كيانات متخمة بالمال وغير قادرة على استخدامه بالشكل المناسب وذلك لانها خارج نطاق مفهوم الدولة ومعطيات العصر. والهدف طبعا الضغط على معنويات هذه الانظمة واخضاعها بالقوة لمتطلبات الاستراتيجية الاسرائيلية مما يضعف قدرة المنافس الايراني والتركي في الصراع على تركة الرجل العربي المريض، ويجعل الغلبة للجانب الاسرائيلي.
ايران وتركيا دولتان كبيرتان في المنطقة ومعا تشكلان قوة عسكرية واقتصادية هائلة تهدد المشروع الاسرائيلي الترامبي للسيطرة على المنطقة تهديدا صريحا وواضحا وواعدا، وتشكلان معا تمثيلا متوازنا للمذاهب الاسلامية ، وهذا خطر آخر ترى فيه اسرائيل وترامب تهديدا حقيقيا لمشروع سيطرتهما على المنطقة خاصة ان جهودا اسرائيلية امريكية كبيرة ومضنية ومكلفة كانت قد استثمرت كثيرا في خلق الفتنة الشيعية السنية في المنطقة منذ سقوط بغداد امام الغزو الامريكي عام 2003 وحتى اليوم وادت التي تسميم عقول الاجيال الجديدة في العالم العربي والاسلامي.
على هذه الخلفية قام ترامب بسحب بلاده من الاتفاق الاممي مع ايران فيما يتعلق بمشروعها النووي وواصل عملية الضغط من خلال العقوبات القاسية جدا عليها لاخضاعها ومنعها من عرقلة مشروع السيطرة على تركة الرجل العربي المريض. كما قام ايضا بالطلب من الدول الخليجية ودولتين عربيتين اخريين ان ينضوو فورا تحت حلف عسكري بقيادة ظاهرية من امريكا وباطنية فعلية من اسرائيل هدفها اضعاف ايران او حتى تدميرها والتحرش بتركيا لاخافتها لتتراجع او حتى اضعافها لمنعها من المساهمة في عرقلة مشروع السيطرة الاسرائيلية الفعلية على المنطقة.
المعطيات المتفق على صحتها تشير الى ان امريكا ليست بوارد ان تخوض حربا ضد ايران وان اسرائيل ايضا ابعد ما تكون عن فكرة خوض تلك الحرب بسبب الكلفة الهائلة المتوقعة على مجتمعها المدني ومواردها التي قد تدمر على نطاق واسع اذا اندلعت الحرب مع ايران، لكنها لا تمانع بحرب بين ايران والعرب لمواصلة عمليات الانهاك الاستراتيجي المتبادل للطرفين لاضعافهما وتعميق العداء بينهما لينشغلا ببعضهما البعض لحقب طويلة قادمة بينما تواصل اسرائيل بدعم امريكي وغربي احكام السيطرة على المنطقة وتحقيق حلمها الاستراتيجي الكبير باستكمال انشاء اسرائيل الكبرى.
ولنا حديث مكمل مستقبلا حول الموضوع.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012