أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


يا هاشم .. واللهِ إنَّ وطناً يعج برجولة أمثالك لهو بخير وعزة وأنفة وكبرياء

بقلم : د . موسى الرحامنة
26-10-2018 08:34 PM

رحم الله تلك البراعم البريئة الذين قَرِمت نفوسهم لرحلةٍ صوبَ أخفضِ نقطةٍ على وجه هذا الكوكب، وكأني بهم وهم يسابقونَ عجلاتِ الحافلات التي تقلُّهم صوبَ ذاك المكان، وما دَرَتْ تلك النفوسُ البريئة أنها تشحذ الهمةَ صوبَ مصرَعها في بطن ذلك الوادي المشؤوم، بعد أن ودّعوا آباءهم وأمهاتهم وحزموا حاجياتهم، وفي جيوبهم ما تيسَّر من مصروفٍ شخصي، رحم الله تلك الوجوه الملائكية التي تفيضُ بشراً ومحبةً وضياءً وتنشر في أفياء المكان عطراً ومسكاً وعنبرا .
ورحمَ الله كلَّ من قَضى نَحْبَه وهو يَمدُ ساعدَ العون والغوث، فسطَّر في سجل الخالدين سطراً مفاده : إذا لم يكنْ من الموتِ بُدًّ فَمنَ العجز أن تموتَ جباناً، فللِّه درُّكم أي جودٍ هذا، وأية مروءة تلك التي أَبَيْتُم الا أن تؤثروا بها وطناً هو عندكم بمنزلةِ الآباءِ والأمهات وليس بقرةً حلوباً .
اليومْ شيِّعت عيرا واحداً من هؤلاء الميامين الذين حزَّ في نفوسهم وعزَّ عليهم أن يرى البراءة تفجعُ أمام ناظريه فانتفضَ وجدانُه ليُعلَّمَنا درساً في أصول التضحية وعبقرية الفداء، فشتان بينك يا هاشم وأنت تتخذ من جسدك سُلَّمَاً لانقاذ الطفولة والبراءة، وبين تلك الزمرة الكابية التي اتخذت منا سُلَّمَاً لتصل الى شهواتها .
يا هاشم، لمثلك يصطفُّ حرسُ الشرف لأنك غادرتنا بكل شرف، فما طاوعتك نفسُك الأبية أن تقف كما يقف العاجز الجبان يناظر صبية يصارعون المؤت الزؤام .
يا هاشم، واللهِ إنَّ وطناً يعج برجولة أمثالك لهو بخير وعزة وأنفة وكبرياء، غير أن ما يبعث على القشعريرة والأسى، ويُترِعُ النفسَ حسرةً وألماً أنَّ الصادقين الكادحين أمثالك هم أربابُ التضحيات والمغارمْ الذين يًذُبُّون عن هذا الحِمى حين يستنجدُ بهم الوطن في ساعاتِ الرَّوع والمَلمًّات، فيما يتزاحم على المغانم أبناءُ العاهات الذين شكَّلوا اكبر عبءٍ على صدر هذا الوطن، وعند كل منعطف وأزمة لا نراهم الا على شاشات التلفاز يُحلِّلون ويشخِّصون .
يا هاشم، وإذْ نعزّي أنفسنا برحيلك، فأننا نعزّي وطناً بثُلَّة من المسؤولين الفاشلين الذين كشفت هذه الأزمة عن عوراتهم، حين ثبت بالوجه الشرعي أنهم عاجزون عن التفرقة بين وادي الازرق في البحر الميت وبين مدينة الازرق شرق الزرقاء، وكلٌ يجاهدُ للدفاع عن نفسه ويلقي باللائمة على الآخر.
يا هاشمُ، ندرك حين أصابتك النشْوَةُ وقد راعَكَ المنظر وجالَ في خاطرك صورةُ أطفالك يصارعون مثل هذا الموقف، فلم تتوان وكنتَ مِقداماً وفذَّاً فانقذت منهم من أنقذت، وتركت خلفك أطفالاً لهم الله هو نعم المولى ونعم النصير، ولسوف يكبرون و يشتدُ بهمْ العودُ غداً، وحين تحطُّ بهم أقدامُهم ذات المكان فسوف تطوِّق الكبرياءُ أعناقهم بأبٍ طاولَ السحابَ وهو يرسم لوحة في الوفاء والمجد والخلود .

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
26-10-2018 09:36 PM

أبدعت دكتور كشأنك دوما جزاك الله كل خير , الرحمة للشهم صاحب المروءة الحقة هاشم ودعاء إلى العلي القدير أن يجعل جنة الخلد مأواه والعزاء لأسرته وذويه , فلمثله تنحني الهامات , إنا لله وإنا إليه راجعون .

2) تعليق بواسطة :
27-10-2018 08:47 AM

نعتذر

3) تعليق بواسطة :
27-10-2018 09:21 AM

نطقت بلسان كل اردني حر. شكرا لك وحقا تنحني الهامات لهاشم و ارجو ان تتخلد تضحيتة وتكون مثالا للانسانية و الوطنية. رحمه الله و صبر اهله.

4) تعليق بواسطة :
27-10-2018 04:30 PM

أبدعت دكتور بالوصف فلهاشم نحني جباهنا تقديراُ وإكراما. هذا هو الأردن بنشاماه أصحاب االنخوة والحمية والمرؤة. لهاشم الرحمة جمعة الله تعالى مع النبيين والشهداء وتعازينا لأبنائه وزوجته واهله. مثل هاشم يجب ان يخلده التاريخ ويوضع له نصب في أهم المواقع بكافة مدن المملكة وانا لله وانا اليه راجعون

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012