أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


القرار الحكيم

بقلم : د حسن البراري
27-10-2018 05:12 AM

انحياز جلالة الملك لفكرة سلامة وتكامل أراضي المملكة وحقه في السيادة على كل جزء من أراضيه لا يحتاج إلى براهين، والأردن مارس صبرا استراتيجياً مكنه من التعامل بنجاح مع تعقيدات العلاقة مع إسرائيل. فإخطار الحكومة الإسرائيلية بعدم نية الأردن العمل وفقا لملحقي اتفاقية السلام المتعلقين بأراضي الباقورة والغمر جاء ليقطع الشك باليقين وليعلن بأن الملك عبدالله يرفع من قيمة ممارسة السيادة الأردنية الكاملة وبخاصة في ظل مناخ من التشكيك بجدية الأردن في أراضي الغمر والباقورة.
والحق أن سلوك إسرائيل المعادي للسلام هو الذي أثار هواجس الأردنيين وهو من دفع الملك في نهاية الأمر لأن يشعر أن الرد الصحيح على التنمر الإسرائيلي يستلزم توظيف المعاهدة نفسها ونصوصها لاستعادة السيطرة على هذه الأراضي وليبعث برسالة واضحة لإسرائيل وغيرها بأن الأردن سيقف دوما مع حقه وحق الفلسطينيين.
اللافت أن إسرائيل أخفقت في فهم أنه من المستحيل فصل العلاقة الثنائية بين عمان وتل أبيب عن مسار عملية السلام، فالأردنيون يرون أن معاهدة السلام جزء من عملية سلام شامل ولا يرون أنفسهم بمعزل عن الشعب الفلسطيني وحقوقه في التحرر وتقرير المصير. لذلك يعبر الإسرائيليون أحيانا عن دهشتهم بمواقف الأردن الرسمي والأردنيين.
لا يمكن إلقاء اللوم على الأردن، فإسرائيل تغيرت، لنعترف بذلك! فالتغيرات البنيوية في المجتمع الإسرائيلي دفعت بمركز السياسة الإسرائيلي إلى أقصى اليمين بحيث بات يصعب في ظل ديناميكية القوة الحالية أن يتبلور تحالف للسلام في إسرائيل، وزاد من الطين بلة شعور إسرائيل بأن التغيرات في المنطقة وانكشاف الفلسطينيين الاستراتيجي تصب في مصلحتها. فمنذ اندلاع انتفاضة الأقصى في العام 2000 والمجتمع الإسرائيلي يزداد تطرفا عاما بعد عام. والتطرف ليس فقط في الخطاب الصهيوني الذي كشر عن أنيابه في السنوات الأخيرة وانما أصبح مؤسسيا، فيكفي مثلا التمعن بقانون قومية دولة إسرائيل أو قانون القدس لنصل إلى نتيجة واضحة حول المستوى الذي وصلت إليه إسرائيل مؤسسيا.
ومن الدخول في تفاصيل المشهد الأردني، يمكن القول بأن الأردنيين توصلوا إلى نتيجة مفادها أن تل أبيب عملت بشكل ممنهج ومخطط له لخلق الظروف التي تمنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وبهذا المعنى تحولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى ممثل لمصالح الاحتلال والاستيطان. والنتيجة العملية من وجهة نظر الأردنيين هي أن إسرائيل لم تعد شريكا قادرا ولا راغبا في التوصل إلى حل الدولتين الذي يلبي الحد الأدنى من مطالب الفلسطينيين.
في نفس السياق، بدأ الأردنيون التوجس من التسريبات حول صفقة القرن، فهناك فريق في الإدارة الأميركية يرى بأن فرصة تلوح لفرض حل على الفلسطينيين سيكون في نهاية الأمر على حساب الأردن وهويته، وشكل الثلاثي جاريد كوشنر وديفيد فريدمان وجيسن غرينبلات رأس الحربة في مشروع صفقة القرن التي ستورط الأردن – إن أجبر على القبول بها – بشكل يهدد مصالحه الحقيقية.
في خضم هذه التطورات وضرورة أن ينحاز الأردن إلى مصالحه، اتخذ جلالة الملك قرارا حاسما يقضي بإنهاء العمل في ملحقي أراضي الغمر والباقورة. بكل تأكيد سيكون للقرار ارتدادات داخل إسرائيل ومن الصعب التنبؤ بما تنوي إسرائيل القيام به لثني الأردن على مواصلة الموضوع. وعليه، فإن الأردن بأمس الحاجة لتشكيل خلية عمل تضم خبراء في القانون الدولي وكل من له علاقة لبلورة موقف أردني قانوني لأن القضية في نهاية الأمر هي قانونية بامتياز وإن كان للسياسة الأثر الحاسم في رمي هذا الحجر الكبير في مياه الباقورة الراكدة.
باختصار، سئم الأردن التسويف الإسرائيلي وسياسة فرض الأمر الواقع، فإسرائيل اعتقدت أن تحالفات الأردن في المنطقة ستدفعها في نهاية الأمر للامتثال لرغبة حفنة من المزارعين هنا أو مجموعة من المستوطنين هناك. وعليه فإن إسرائيل تثبت مرة أخرى سوء التقدير في العلاقة مع الأردن، لذلك استوجب الرد.
الغد

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012