أضف إلى المفضلة
الجمعة , 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
الجمعة , 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


ما الذي حدث للمطر..؟!

بقلم : علاء الدين أبو زينة
28-10-2018 04:03 AM

هل أصبح المطر عدوانياً؟ نحنُ ما نزال مجتمعات فلاحيّة، رغم مظاهر الحضرية. وللفلاحين مع المطر علاقَة عشق وجوديّة. المطر يعني الحصاد وملء الخوابي وتأمين العيش عاماً آخر. إنه، ببساطة، يعني الحياة. ولذلك، إذا تأخر المطر نكتئب ونستسقي. ربما فوَّت سكان المدن ملاحظة هذه العلاقة الوجودية التي لم تعد مباشرة بالمطر، لكنّهم بلا أمل إذا شحّ الماء في صنابيرهم وخزاناتهم وضربهم الجفاف.
الأردنُّ، أكثر من غيره، يواجه خطراً استراتيجياً أكبر من كل شيء ولا ينتبه إليه الكثيرون: تراجع حصته من المياه. وبعيداً عن الرومانسية والانطباعات الشتائية، نحنُ محتاجون بيأس إلى مطر متواصل وكثيف لو منَّ الله به علينا وجادت الطبيعة. وحتى مع المتعلقات الحضَرية التي شوّهت حضور المطر، فإن في لاوعينا الجمعيِّ انتظارا لأول المطر. وقد رأيتُ ذلك في يوم الخميس المأساويّ الأخير نفسه، عندما مرت من أمامي طفلتان عائدتان من المدرسة في الظهيرة، وهما تتقافزان وتحتفيان بالمطر الكثيف بالهتاف المبتهج وتغتسلان به.
ما الذي حدث يوم الخميس؟ هطلَ أول المطر المنتظر، فحسب. لم يكُن ذلك إعصاراً ولا عاصفة مجنونة، ولا طبيعة فقدت صوابها. كان مجرد مطر غزير نوعاً ما، هطل وجيزاً. ومع ذلكَ، خلّف ضحايا تجاوز عددهم كثيراً ضحايا إعصار اليابان الأخير الذي استمر يومين، وحمل البواخر من البحر ووضعها على اليابسة وكأنها ورق شجر، ولم يخلف سوى 10 ضحايا.
الذي حدَث الخميس هو استمرارية فقط في سياق تحوَّل فيه هطل الأمطار -بكميات أقل من عادية في الأماكن الأخرى- إلى مناسبة للخوف والتوقُّع. الشوارع تغرق، والأنفاق تتحول إلى مصائد. والناس يسقطون في العبارات، والمياه تغمر طوابق التسوية في العمارات وتجرف السيارات. ووصل الاحتراس والتحسُّب إلى حد الخوف من مجرد الخروج من المنزل إذا توقعت الأرصاد نزول المطر.
تغيّر مناخ الأرض لمختلف الأسباب. نعم. وأصبحت الأمطار تفاجئ الناس في أماكن غير معتادة، مثل الربع الخالي والخليج الصحراوي. لكننا أهل منطقة ليست غريبة عن الثلج والمطر والشتاءات. ولكن، إذا كان المناخ قد غيّر مطرنا إلى هذا الحدّ، فلماذا لا نتكيف بما ينبغي أن يفعله البشر مع الطبيعة: تهيئة البنيةِ المادية والسلوك الاجتماعي لاستيعاب التغيير؟
سمعنا خبراء يقولون إن هناك مناطق معروفة في منطقة الغور والبحر الميت، والتي تنطوي على خطر الانهيارات والانجرافات. لماذا لم يحددوها للناس بوضوح ويمنعوا اقتراب الناس منها إذا كان المطر الكثيف متوقعاً؟ وفي المدن أيضاً، ومنها عمّان حاضرة البلد، كيف لا تستوعب أنظمة التصريف نصف ساعة من المطر وتغرق هكذا سنة بعد أخرى؟ وكيف يحدُث أن تتحول حالة جوية لا تشبه أبداً ما نعرفه عن العواصف والأعاصير إلى 'كارثة طبيعية' و'مصيبة وطنية'؟
ليس من المعقول أن يخاف المرء على أبنائه إذا كانوا خارج البيت عندما يُحتمل هطل المطر. وقد رأينا ما حدث أمام الجامعة الأردنية يوم الخميس، وكيف أصبح مجرد عبور الشارع هناك تجربة موتِّرة. ليس من الطبيعي أن يفكّر المرء في مسار آمن إلى عمله أو مصلحته في يوم شتائي، ويحسب إذا كانت فيه أنفاق وكيف يتجنبها والأماكن التي تصبح بحيرات في الشوارع في دقائق. ليس من المعقول أن يكون الخيار في أي يوم مطير هو تجنب الخروج والتزام المنزل. ولا ينبغي أن تكون الطريق بين المدن الأردنية غير آمنة ومهيأة للسير في الغبار والمطر. إننا لا نعيش في القطب الشمالي أو مناطق العواصف والأعاصير. الناس يخرجون إلى عملهم يومياً في موسكو المثلجة، وفي أماكن تستقبل مطراً في يومين بمعدلات أكثر مما نتلقاه في فصل الشتاء كله. وهم يخرجون إلى المطاعم ودور الأوبرا والمناسبات، ولا يشعرون بوجوب التغيير ما لم يصبح ارتفاع الثلج مترين.
المطرُ لدينا ليس معادياً. وليت المطر يأتيناً غزيراً ومتواصلاً، رحمة بنا من تهديد الجفاف والعطش. العدو هو ضمور النظام، system، الذي يفشل أعواماً متعاقبة في تجديد البنية التحتية لتستوعب هطلات مطر عادية وثلوج معتدلة قصيرة الزيارة، بحيث أصبح فصل الشتاء حالة طوارئ وطنية، باحتمالات 'كوارث طبيعية' تدمِّر وتوقع ضحايا وتقطع الطرق. وقت أصبحت الوسيلة لحماية الناس هي إلزامهم المنازل في الشتاء -إن لم يكن المنزل منخفضاً أو في تسوية.الغد

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012