أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


احذر..«الشعبويون» يملؤون المكان!

بقلم : علي سعادة
26-11-2018 06:06 AM

الشعبويون يملؤون المكان، تجدهم في كل زاوية، على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي المجالس النيابية، وفي الحكومات، وفي الأحزاب السياسية، وفي الصحافة وفي وسائل الإعلام، وحتى في ملاعب كرة القدم.
لو نظرت وتمعنت قليلا ربما تجدهم في درج مكتبك أو تحت سريرك في غرفة النوم، وربما في جيوبك ومحفظة نقودك.
لم يأتوا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أو مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا، أو مع ظهور جيرت فيلدرز رئيس «حزب الحرية» في هولندا، أو مع المتشدد فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر.
كانوا موجودين دائما بيننا، حتى في الحضارات القديمة.
يظهرون في الانتخابات والرياضة وفي المهرجانات وفي الأزمات السياسية والوطنية، يستخدمون لغة عاطفية فجة ورخيصة، يخاطبون القلوب والعواطف، ويقدمون للعامة معلومات خاطئة وغير دقيقة، يعتمدون على التخويف والتخوين للوصول إلى أهدافهم.
«الشعبوية» كأيدولوجية، أو فلسفة سياسية، هي نوع من الخطاب السياسي الذي يستخدم «الديماغوجية» وإثارة عواطف الجماهير لتحييد القوى العكسية والمنافسة لهم.
حيث يعتمد بعض المسؤولين على «الشعبوية» لكسب تأييد الناس والمجتمعات لما ينفذونه أو يعلنونه من سياسات، وللحفاظ على نسبة جماهيرية معينة تعطيهم مصداقية وشرعية. وعكس «الشعبوية» هو تقديم المعلومات، الأرقام والبيانات بمخاطبة عقل الناخب لا عواطفه، لذلك عادة ما يتم وصف «الشعبويين» بأنهم يتبعون معاداة الفكر أو يمارسون عبادة الجهل.
ومن أكبر النتائج الكارثية «للشعبوية» هو قدرتها على اقناع عدد كبير من الشعب وغالبا ما يشكلون الأكثرية للقبول بالسلطة المطلقة للفرد أو لمجموعة
من الزعماء.
وفي منطقة الشرق الأوسط أخذ «الشعب» دور «الرعية/ الموطن» وممارسة طقوس الطاعة والخضوع بإذعان مطلق للراعي/الحاكم/ ولي الأمر، الذي يسعى بدوره إلى تعزيز تسلط نظام الحكم عبر استغلال البنى التقليدية كالعشيرة والقبيلة، والإبقاء على الجهل في صفوف «الشعب».
واعتاد الكثير من المؤرخين على وصف «الشعب» بـ»الرعاع» أو» السوقة» أو «العوام» أو «الدون» وغيرها من نعوت الازدراء التي توضع في مقابل «النخب» من أهل الرياسة والسلطان والعلم والحل والعقد.
ومنذ أن استحكمت السياسات «الشعبوية» الجاذبة للجماهير في العالم العربي منذ أواخر الأربعينيات ومنتصف الخمسينيات مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بقي الإنسان العربي أسير «الشعبويين» الذين واصلوا تقديم خطاب وسياسيات «شعبوية» متفاوته حتى اليوم.
ولا يكاد يخلو أي نقاش سياسي أو عملية انتخابية مؤخرا من مصطلح «الشعبوية». إذ تم تداوله خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقبل ذلك تكرر في النقاشات التي رافقت عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
الخطاب «الشعبوي» الذي يتسم بالتبسيط الشديد لقضايا المجتمع المعقدة، يحمله عادة سياسيون يحظون بكاريزما عبر التغريد في موقع «تويتر» مثلا، ويبحثون عن دعم شعبي مباشر بتحديهم المؤسسات التقليدية الديمقراطية في بلدهم، فيتلاعبون بعواطف الناس وأفكارهم لغايات سياسية، ويعتبرون أنفسهم هم الصوت الوطني الأصيل وممثلي المواطنين العاديين أو من يسمونهم «الطبقات المنسية».
وهم بذلك يوصفون بأنهم ذوو نزعة في التفكير السياسي رافضة فكرة التنوع المجتمعي، وجانحة للغوغائية والفوضوية المتوسلة بدور «الشعب»، والقائمة على التوظيف السياسي لمشاعر الغضب عند عامة الناس، خاصة في أوقات الكوارث والأزمات الاقتصادية والاضطرابات السياسية.
ومع أن «الشعبوية» ارتبطت أصلا في نشأتها بأوساط التيارات اليسارية، فإنها أصبحت أيضا تغزو اليمين واليسار الليبرالي الذي صار يشكل أكبر كتلة سياسية بالغرب، وربما توجد في صفوفهما بصورة تفوق أحيانا وجودها في اليسار خاصة في أوروبا.
أي شخص يريد حاليا أن يظهر ليس عليه سوى تبني خطاب «شعبوي» حتى تحمله العامة على اكتافها وتوصله إلى سدة الحكم.السبيل

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012