أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


صُرنا فرجة: الاحتلال يقمع وأمن السلطة يُنكّل

بقلم : زهير اندراوس
16-12-2018 03:47 AM

“إذا لم تكُن مُثقفًّا مُشتبِكًا، لا فيك ولا في ثقافتك”. (الشهيد البطل باسل الأعرج، الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين).
اعتداء ما يُسّمى بقوّات الأمن التابعة لما يُطلَق عليها لقب السلطة “الوطنيّة” الفلسطينيّة على إخوتنا وأهلنا في الضفّة الغربيّة المُحتلّة هو باختصارٍ شديدٍ اجتيازٌ لجميع الخطوط الحمراء في المُجتمع العربيّ-الفلسطينيّ، ولا فرق بينه وبين الاعتداءات التي تُنفذّها قوّات الأمن الإسرائيليّة ضدّ الفلسطينيين في مناطِق الـ48، أوْ الداخِل الفلسطينيّ، ففي الحالتين الضحية واحِدة، والجلّاد نفس الجلّاد، ولا ضير في هذه العُجالة من التذكير بأنّ “قوّات الأمن الفلسطينيّة” تمّ تدريبها من قبل قائدة الإرهاب العالميّ، الولايات المُتحدّة الأمريكيّة، وتحديدًا من قبل الجنرال دايتون، والهدف المفصليّ من ذلك، هو خلق الفلسطينيّ الجديد، الذي لا يرى إسرائيل عدوًّا، بل صديقًا، ومن هذا المُنطلق تعمل هذه الأجهزة كوكيلٍ عند الاحتلال، أوْ بالإنابة عنه، وفي الحالتين تدوس بفظاظةٍ على الكرامة الوطنيّة لشعبنا الباسِل والبطل.
***
على الرغم من اجتهاداتنا ومُحاولاتنا المُستمرّة والمُتكرّرّة نُقّر ونعترف بأننّا لم نتمكّن من فهم المُعادلة التاليّة: كيف لشعبٍ في حالة تحرّرٍ وطنيٍّ أنْ يكون متواطئًا مع المُحتّل الغاشِم، الذي يغتصب يوميًا فلسطين فرادي وجماعات،؟ كيف لمَنْ يزعم أنّه قائد الشعب الفلسطينيّ، السيّد محمود عبّاس، أنْ يتفاخر ويتباهى وعلى رؤوس الأشهاد، بأنّه يلتقي بصورةٍ مُنتظمةٍ مع رئيس جهاز الأمن العّام (الشاباك الإسرائيليّ) مرّةً كلّ شهرٍ؟ وأكثر من ذلك: كيف نُفسّر لأطفالنا وشبابنا ولأنفسنا أنّ “وزيرًا” في السلطة الهُلاميّة والوهميّة يطّل علينا من على شاشة التلفزيون ويقول هو يتمايل كالطاووس أنّه يجتمع مرّةً واحدّةً على الأقّل مع مندوبي جهاز الظلام الإسرائيليّ، المسؤول عن قتل آلاف الفلسطينيين وتعذيب عشرات ألآلاف منهم خلال التحقيق؟ أيّها السيّد الوزير، حسين الشيخ، بكلّ فخرٍ واعتزازٍ أُفصِح لكَ بالبُنط العريض بأننّي كنتُ من ضحايا تنكيل جهاز الشاباك، عندما اعتُقلت بتهمة الانضمام للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، كما ألفت انتباه حضرتك، إلى أننّي حتى اللحظة ما زلت أُعاني من تبعات وإسقاطات التعذيب النفسيّ والجسديّ الذي كان من نصيبي في القسم الأمنيّ من مُعتقل الجلمة، بالقرب من حيفا.
***
المؤسِف، المُريب، المُخزي والمُخجِل أنّ هذه الاعتداءات على المُواطنين الفلسطينيين من قبل أمن “السلطة” باتت تمُرّ مرّ الكرام، لتؤكّد للمرّة المليون أنّ شعبنا العربيّ-الفلسطينيّ يقع تحت نوعيْن من الاحتلال: الأوّل إسرائيليّ-صهيونيّ، والثاني فلسطينيّ “يُنسِّق أمنيًا” مع الاحتلال الإسرائيليّ، بربّكم، بدينكم: ما هو المعنى الحقيقيّ لمُصطلح التنسيق الأمنيّ؟ أين الشرفاء، وهم كثر، في حركة فتح، التي سيطرَت وهيمنَت واستحوذَت على جميع المؤسسات والسلطات في منظمّة التحرير الفلسطينيّة؟ أين أنتم؟ أنسيتم يا إخوتي، أنّكم أنتم، نعم أنتم، مَنْ أطلق الرصاصة الأولى في وجه المُحتّل في الليلة الواقعة بين الـ31 من شهر كانون الأول (ديمسبر) 1964 والفاتح من شهر كانون الثاني (يناير) من العام 1965؟ أين اختفيتم؟ هل بتنا نعيش في جمهورية موز أمْ في دويلة استبدادٍ وقمعٍ وسلبٍ للحريّات الفرديّة والجماعيّة؟ بكلّ ألمٍ وحسرةٍ، نقول لكم، إنّ بطولات الأمس لا تسمح لكائنٍ مَنْ كان أنْ يتغنّى بها لتبرير أفعاله في الحاضِر، وتحديدًا قضية التنسيق الأمنيّ مع الاحتلال الإسرائيليّ. استفيقوا من سُباتِكم فقضية فلسطين، أعدل قضية في التاريخ الإنسانيّ الحديث، تمُرّ في النفق الحالِك ولا نرى النور في أخره. وبالمُناسبة قضية شعبنا أكبر من جميع التنظيمات الفلسطينيّة مُجتمعةً، إنّها قضية شعب هُجّر من أرضه وبلاده واستوطن الشعب الآخر المُستجلَب من جميع أصقاع العالم مكانه، وأنتم تقومون بإجراء المفاوضات مع المُغتصِب، الذي دنّس الأرض والعرض، الحجر والإنسان، لكي يتنازل ويمنحنا الفُتات! ها قد مضى على اتفاق أوسلو المشؤوم أكثر من 25 عامًا، وما زلتم تتمسّكون به، كارثة تلحقها مأساة بسبب هذا الاتفاق، وأنتم للأسف، أوهن وأعجز عن إعلان دفنه، وليس فقط من مُنطلق إكرام الميّت دفنه.
***
لستُ من مؤيّدي حركة حماس، لأننّي بصراحةٍ مُتناهيّةٍ، إنسانٌ علمانيٌّ، حُلمي أنْ تكون دولتي الفلسطينيّة حُرّة، ديمقراطيّة، عربيّة وعلمانيّة، ولكن عندما يدور الحديث عن الوطنيّ أجد لزامًا على نفسي أنْ أقول الحقيقة، التي أؤمن بها: من حقّ حماس، لا بلْ من واجبها، إحياء ذكرى انطلاقتها في كلّ مكانٍ على وجه هذه البسيطة، ولكن أنْ تصِل الأمور بما يُسّمى أمن السلطة الفلسطينيّة إلى الاعتداء على مؤيّدي الحركة خلال احتفالهم بالانطلاقة في الضفّة الغربيّة، فهذا قمّة الصلف والوقاحة والتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيليّ، و”حليفته” المملكة العربيّة السعوديّة التي تعتبر حماس منظمّةً إرهابيّةً! ألَمْ تسمعوا أقوال مندوب الرياض، ولا نقصد رياض الأطفال، في الجمعيّة العامّة للأمم المُتحدّة عندما ساوى بين الصواريخ التي تُطلِقها حركة حماس باتجاه المُستوطنات المُتاخِمة لغزّة وبين المجازِر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيليّ بطائراته ودباباته ضدّ شعبنا الأعزل في قطاع غزّة؟ لماذا التزمتم صمت أهل الكهف؟ نسألكم: بماذا يختلِف الموقف السعوديّ عن موقِف ألّد أعداء الشعب العربيّ-الفلسطينيّ؟ أما زلتُم تُراهِنون على هذه المملكة، التي أفادت التقارير أمس الجمعة (14.12.18) بأنّ وليّ العهد فيها، محمد بن سلمان، سيعقِد اجتماعًا مع رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، برعاية سمسار أمريكا، دونالد ترامبو، لإخراج العلاقات بين الدولتين إلى العلن وتمرير صفقة القرن، الهادِفة لتصفية قضيّة فلسطين؟ ما هكذا تورِد الإبل يا إخوتي في فتح!
***
وبما أننّا فقدنا الأمل فيما تُطلِق على نفسها قيادة الشعب الفلسطينيّ القابعة في رام المُحاصرة، نتوجّه إلى شرفاء حركة فتح، إلى مثقفيها، إلى كلّ مَنْ يؤثّر على الرأي العّام: انهضوا، ثوروا فلن تخسروا سوى القيد، التاريخ لن يرحمكم وشعبكم سيُلاحِقكم، لا تسمحوا لهذا أوْ ذاك بتسميتكم الخنجر في خاصرة الشعب الفلسطينيّ، آن الأوان لوقف هذه المهزلة، فالعدوّ الذي يُنكّل بنا هو واحد، فماذا تنتظرون؟ فلسطين المُستباحة تُناديكم، القدس تصرخ من شدّة الألم، لماذا لا تُلبّون نداء الضمير والوطن، الذي لا وطن لنا سواه؟ لماذا؟
***
لعلمكم وسائط التواصل الاجتماعيّ ضجّت بالمنشورات والصور. الصورة، التي لن تُمحى من ذاكرتي أبدًا، وهي بطبيعة الحال تُساوي ألف كلمة، كانت: “صاحبة الكف الأحمر المُلطّخ بدّم زوجها المُلقى أمامها في الصورة هي هناء مسك، أثناء اعتداء أجهزة عباس الأمنية في الخليل عليها وزوجها خلال قمعها مسيرة دعت لها حركة حماس، وهناء هي: -أسيرة محررة. -شقيقة شهيدين. – زوجة أسير مُحرّر (دمه على يدها في الصورة). – والدة أسير محرر. – هدم الاحتلال بيتها بسبب إيوائها أحد المُطارَدين”.
***
ويلُ، ويلٌ لشعبٍ لا يُقدّس الشهداء، العار لشعبٍ يعتدي على النساء والأطفال، الويل ثمّ الويل لشعبٍ لا يحترِم الشهداء والمُقاوِمين والمُجاهدين، العار لشعبٍ لا يعرِف ما معنى الاعتقال والسجن في الباستيلات الصهيونيّة! ومع كلّ ذلك، سأبقى أفتخر بكوني عربيًا-فلسطينيًا.
كاتبٌ عربيٌّ من فلسطين..'رأي اليوم'

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012