أضف إلى المفضلة
الجمعة , 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
الجمعة , 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


العربية.. اللغة العظيمة التي أذلها أهلها..!

بقلم : علاء الدين أبو زينة
23-12-2018 06:21 AM

من المؤسف أن يكون اهتمام الآخرين بدراسة اللغة الغربية قد تصاعد، ولو لفترة وجيزة، بسبب هجمات 11/9 في نيويورك بالتحديد. وكان الدافع وراء الاهتمام هو المعرفة عن هؤلاء العرب “الإرهابيين”، والأفكار التي تضمها ثقافتهم والتي دفعتهم إلى ما فعلوه. ويذكر تقرير لمجلة “إيكونوميست” أن الإقبال على دراسة العربية في الولايات المتحدة ارتفع في السنوات التي أعقبت الهجمات، من 2002 إلى 2009، بنسبة بلغت 231 %، قبل أن يفقد الناس اهتمامهم سريعاً وينخفض الإقبال على العربية مجدداً.
يختلف هذا السبب بالتأكيد عن دوافع دراسة العربية في عصر النهضة الأوروبية: قراءة وترجمة النتاج المعرفي العالي المكتوب بالعربية: أعمال الخوارزمي والحسن بن الهيثم، والكندي والفارابي، وابن رشد وابن سينا، والإدريسي وابن المقفع، وألف ليلة وليلة وما لا يعد من الأسماء والمعارف والأدبيات. وبالإضافة إلى النتاج العملي والفكري والأدبي العربي الخالص، كانت العربية هي الجسر الذي أقام الصلة بين المعارف الإغريقية والفارسية والهندية وغيرها، وبين أوروبا العاكفة على إخراج نفسها من عصور الظلام إلى التنوير، انطلاقاً إلى هيمنتها العالمية التي ما تزال قائمة حتى اليوم.
تكسب اللغة أهمية أو تصبح هامشية لأسباب مختلفة، ربما يكون من أهمها قدرة أهلها على إنتاج معرفة يحتاجها الآخرون. لكن الأهمّ هو المكانة العالمية للناطقين باللغة المعنيّة، والتي تكفلها القدرة العسكرية قبل كل شيء. وعادة ما يكون التقدم الاقتصادي والعلمي والمعرفي حليفاً للأمم القوية السائدة، التي تزيد آلاتها الدعائية الطلب على قيمها الثقافية ومتعلقاتها، ومنها اللغة بالتأكيد.
يفسر تقرير “الإيكونوميست” انصراف الغرب عن اهتمامه المؤقت بالعربية: “ربما يربط الكثير من الغربيين اللغة بالأنظمة الاستبدادية الحالية في الشرق الأوسط اليوم…”. مبدئياً، نعم. لكن التفاصيل أبعد من مجرد النفور من منطقة على أساس أنها بيئة للاستبداد المقيت. إن الأنظمة الاستبدادية هي السبب في تحجيم طاقات شعوبها وتقزيم مساهمتهم الإيجابية في المعرفة الجمعية الكونية. ويمكن أن يُنسب تخلف العلوم والفكر والفنون بلا شك إلى البيئة والشروط التي تضع هذه الأنظمة شعوبها فيها. ولا خلاف تقريباً على أن التطرف والعنف والسلوك البدائي –التي تجعل الآخرين يكرهون المنطقة وأهلها ولغتها- هي من نتاجات القمع والإفقار ومصادرة الحرية وتقييد العقل التي تمارسها الأنظمة. كما أن عجز هذه الأنظمة عن تحقيق شكل من التوحيد المستحق والمبرر لأصحاب العربية، لحساب الهويات القطرية والأصغر منها، هي أسباب لتقليل هيبة الأمة ومكانتها، ومعها لغتها وثقافتها.
يُزعَم كثيراً هذه الأيام أن العربية لغات وليست لغة واحدة. ويستشهد أصحاب هذه الأطروحة بكثرة اللهجات المحلية. ويقول تقرير “الإيكونوميست”: ” وإذن، لماذا تبدو العربية وكأنها تضرب بأقل من وزنها في العالم العلماني؟ جزء من الإجابة هو أن ‘اللغة العربية’، اليوم، ليست لغة واحدة على الإطلاق. ويصفها الباحثون بأنها ’لغة تجميعية’… و”العربية” المحكية هي مجموعة من اللهجات المختلفة بما يكفي لاعتبارها لغات مختلفة.
وفي مكان آخر، تقول الأميركية من أصل عراقي، أنيسة مهدي: “حتى اللغة العربية التي ربما يكتنزونها (العرب) كصلة مشتركة، تظل مقسمة بعمق باللهجات الممتزجة بالفرنسية في الغرب وبالفارسية في الشرق. وكثيراً ما لجأ والدي العراقي وزملاؤه من ذوي الأصول المغاربية إلى الإنجليزية ليستطيعوا أن يفهموا بعضهم البعض”.
هل حقاً يتحدث الناس في المغرب العربي لغة مختلفة لا يفهمها مطلقاً عرب الشرق، مثلما لا يفهم الإنجليزي الصينية أو الألمانية؟ هل مقدمو البرامج التفلزيونية على الشاشات العربية من أبناء المغرب العربي يدرسون العربية كلغة ثانية كما ندرس الإنجليزية، حتى نفهمهم في بلاد الشام والجزيرة العربية؟ هل إذا نزل الشامي في تونس أو المغربي في دمشق يتوه في الشارع ويتعب في البحث عن أحد “يتحدث العربية” ليتفاهم معه مثل العربي في باريس؟
من الواضح سوء النية في أطروحة “اللغات” العربية، الذي يقصد فقط إلى المزيد من تمزيق هوية أهلها وتعميق أزمتهم. فدستور الهند يعترف بـ22 لغة محلية ولا يقولون أن الهنود ليسوا أمة. وكذلك الحال مع لهجات الناطقين بالإنجليزية الكثيرة، وحيث لا يقال أن الإنجليزية “لغات”. فلماذا العربية؟
من العار أن تعامَل لغة عظيمة احتضنت المعرفة العالمية ووسعتها بقلب وعقل مفتوحين، وكأنها عاجزة وهامشية هكذا. لكن هذا ما جناه على العربية هوان أهلها واستبداد المستبدين!الغد

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012