أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


إن لم تقرأ مذكراته فلن تفهم تاريخ العرب الحديث 1916 – 1970

بقلم : حسني عايش
02-01-2019 03:16 AM

في شهادته أمام لجنة التحقيق الأنجلو – أميركية سنة 1946 في فلسطين، قال ما يلي: “إن قضية عرب فلسطين ظاهرة كالشمس، فعرب فلسطين شعب، وليس يعارضهم بأنهم شعب أي “Community” وأن لهم وحدهم كذلك حق تقرير المصير. كما أن لهم وحدهم الحق بقبول مهاجرين لبلادهم وعدمه. أما قضية الصهيونيين فلا تستند إلى حجة صحيحة، وكل دعواهم تستند إلى أن في أووربة يهوداً مضطهدين ويريدون مأوى لهم وأنهم يريدون أن يكون هذا المأوى في فلسطين، وقد رأيت بالأمس كاريكاتوراً في إحدى الصحف فيه صورة رجل يقول لعربي: “انظر إلى هذا اليهودي إن أوروبا تضطهده، دعه يضطهدك وينتهي الأمر”.
“هذا هو مثال حقيقي لما يريده اليهود منا. يريدون أن يضطهدونا بدل اضطهاد أوروبا لهم … ومما لفت نظري أيضاً في خطاب الدكتور وايزمن قوله: إن اليهود لم يستولوا على أخصب الأراضي في فلسطين، ولكن هذه الأراضي أصبحت أخصبت أراضي فلسطين، بعد استيلاء اليهود عليها. وضرب مثلاً على ذلك بأراضي مرج بن عامر… إنني اكتفي بذكر ما قاله الخبير البريطاني المستر هوب سمبسون عن هذا الإدعاء بتقريره في عام 1930… والواقع أن معظم الأراضي التي استولى عليها اليهود بعد طردهم العرب منها هي أخصب أراضي فلسطين “.
هذه مجرد لقطة أو نقطة من بحر مذكرات المرحوم رجل القانون والسياسة عوني عبد الهادي (1882 – 1970) المتمثلة في كتاب ضخم تبلغ صفحاته نحو ستماية، قدمت له وحققته الدكتورة المرحومة خيرية قاسمية، صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية سنة 2002.
عندما تقرأ هذه المذكرات الهائلة بالمبنى والمعنى تقرر أنه لا يمكن لأحد فهم تاريخ تلك الحقبة أو الكتابة عنها دون الرجوع إلى هذه المذكرات، لأن صاحبها عاش مع كل الأحداث التي وقعت بآسيا العربية منذ الثورة العربية الكبرى 1916 وحتى وفاته سنة 1976.
يقول في مذكراته: “فاجأتني الحرب العالمية الكبرى عام 1914، وأنا في باريس وكنت قد أتممت يومذاك دراستي في كلية الحقوق وحصلت على شهادتها. وقد صممنا (هو وصديقه جميل مردم بك) على البقاء في باريس، لنرى ما سيجري في هذه الحرب التي ستكون كما خُيل لي حرباً كبيرة لم يشاهد العالم لها مثيلاً من قبل، وذلك لأنني كنت اعلم ان العداء والغل في نفوس الإفرنسيين على الألمان يفوق كل غُل وعداء بشري، فالإفرنسيون لم ينسوا يوماً أن الألمان هاجموهم في عقر دارهم في حرب السبعين، وتغلبوا عليهم، وقتلوا رجالهم وحطموا الكثير من معالم عمرانهم وآثارهم الفنية التاريخية، واحتلوا عدداً من إيالاتهم وسلخوا مقاطعة الأزاس وضموها لبلادهم”.
في أثناء ذلك كان عوني عبد الهادي يتابع ما يقوم به غلاة شباب الأتراك الحديثي العهد في السياسة العالمية من تتريك وفي احتمال إعلانهم الحرب على الحلفاء وقد كتب في مذكراته: “لقد كان العالم العربي يتقبل الحكم التركي (العثماني) لما للخليفة من مقام ديني كبير. وكان المسلمون لا يعتبرون أنفسهم غرباء في الدولة العثمانية، كما كانت الدولة العثمانية لا تعتبرهم غرباء عنها، فكانوا يجندون في الجيش، شأنهم شأن الأتراك، ويشتركون مع الأتراك في حروب الدولة، وذلك لأن السلطان التركي كان في نظرهم، خليفة الله في الأرض وعليهم طاعته بوصفه (أولي الأمر منهم). وقد كانت نظرتهم هذه لسلاطين آل عثمان نظرة دينية مخلصة، لا تشوبها شائبة إلى يوم أن قام أعضاء حزب (تركيا الفتاة) بحركة تتريك العرب بكل الوسائل.. وقد رأى هذا الحزب أن يرسل إلى سورية، أشد أعضاءه قسوة وأجرأهم على ارتكاب الجرائم، جمال باشا، الذي لقبوه فيما بعد بالسفاح، وما لبث أن وصل هذا السفاح إلى سورية وسبر خبر القوم فيها، حتى بدأ بإنشاء محاكم الإعدام”.
وتتناول مذكرات عوني عبد الهادي بإسهاب فترة مهمة من تاريخ سورية (1918 – 1920) تولى خلالها (الملك) فيصل حكم البلاد. وقدر لعوني
عبد الهادي أن يلازم فيصلاً خلال تلك الحقبة التي بدأت منذ مجيء الأمير إلى باريس كرئيس للوفد الحجازي في مؤتمر فرساي، إلى خروج فيصل من دمشق ملكاً على حكومة لم تدم سوى 22 شهراً . كان عوني شاهداً ومشاركاً في أحداث المرحلة. ويشرح كيف استغل اليهود توقيعه على مذكرة ما يسمى باتفاقية فيصل- وايزمن 1918 في العقبة، بالخداع والتضليل الذي مارسه عليه لورنس، لأن الأمير لم يكن يعرف اللغة الإنجليزية مطلقاً. وقد فند إدعاءات اليهود الخاصة بالتوقيع أمام اللجنة بحججه القانونية القوية التي يمكن الرجوع إليها في المذكرات لمعرفة التفاصيل في الحالتين.
وفي تعليقه على ذلك يقول “من المسلم به أنه ليس من الجائز أن يحاكم شخص على قول أو عمل قبل ملاحظة الظروف التي كان يعيش فيها هذا الشخص”. وكأنه يقول: لا يجوز الحكمة بأثر رجعي.
وفي أثناء إقامة عوني عبد الهادي المؤقتة في مصر 1920 التقى بحاييم وايزمن، ويروي في مذكراته “….. أن وايزمن حدثه طويلاً” عن الصهيونية وأهدافها، وحاول أن يخفف من وطأتها على العرب عندما قال لي: (هو يشد على أسنانه ليعطي معنى لكل كلمة ينطق بها) .. لماذا يخشى العرب من اليهود؟ إنهم قلة ومهما زاد عددهم في المستقبل فسيبقون أيضاً قلة كما أنهم في فلسطين مطوقون من ثلاث جهات بالعرب، ويطوقهم البحر من الجهة الرابعة”. لقد ذكرتني هذه العبارة الأخيرة بكلمة طارق بن زياد المأثورة …. فقلت لحاييم وايزمن: “أليس من الخير والعدل أن تطوي منذ اليوم الأطماع اليهودية في فلسطين بدلاً من أن يأتي يوم يقتبس فيه اليهودي كلمة طارق بن زياد فصمت ولم يجب”.
ويتحدث عوني عبد الهادي في مذكراته عن العلاقة بين الشقيقين الأمير (الملك) فيصل والأمير عبد الله ويكشف عن تفاصيل لم يكن يعرفها أحد غيره. وقد كان له فضل كبير في تحسين العلاقة بينهما، وفي تطويره الوضع في الأردن نحو قيام الحكم الهاشمي فيه.
“لما تفاقم الوضع في فلسطين بعد سنة 1935 نتيجة سياسة الهجرة البريطانية المفتوحة لليهود واستيلائهم على الأراضي، وقع الإضراب الفلسطيني المشهور سنة 1936 الذي امتد لستة أشهر واعتقل عوني عبد الهادي مع عدد من الزعماء كان من بينهم مدير البنك العربي عبد الحميد شومان، بتحمليهم مسؤولية الإضراب والاضطراب وحوادث العنف حاول خلالها المندوب السامي على فلسطين ارثر واكهوب ، الاتصال به بالسجن، عله يدعو وقف الإضراب والتوسط فلم يستجب ، ما لم يكن (المندوب السامي) مستعداً هو وحكومته للعمل على حصول مطالب أهل فلسطين”.
لم تعطل الحرب العالمية الثانية عوني عبد الهادي عن الاشتغال بالسياسة، بل استمر بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في كل المناسبات وفي كل الأوقات وقد كشفت مذكراته، عن الخلاف أو الصراع بين السعودية ومصر، الاطلاع على تفاصيلها مفيد للباحثين والسياسيين.
ومن تعليق له على سياسة
عبد الناصر وعلاقتها بالأردن يذكر أن جمال عبد الناصر كان يقول لنا بإصرار وأكثر من مرة: “أن الانكليز لن يحاربونا، وكذلك اليهود، وكان يقول إذا ما جرؤ الإنكليز على محاربتنا فإنهم يزولون من عالم الوجود الأمر الذي يجعلنا نفهم أنه يعني بأن الروس سيقضون عليهم في تلك الحالة. وقال كذلك بنفس الإصرار أن اليهود لن يحاربونا، وقال أن اليهود يعلمون النتيجة إذا ما احتلوا غزة المفتوحة لأن الدفاع عن غزة مستحيل، بوضعها الجغرافي، فإني أذهب إلى “تل أبيب”. ولما قلت لسيادته. إن عليه في تلك الحالة أن يُطهر مستعمرات النقب قبل أن يذهب إلى تل أبيب، وان هذا يقتضيه وقتاً طويلاً، وأن الجيش الضعيف (الأردني) قد لا يستطيع الصمود المدة اللازمة لعبور جيش مصر حدود إسرائيل والحيلولة دون احتلال إسرائيل للأردن، أجاب بأنه لا يحتاج هو إلى تطهير النقب من المستعمرات بادئ ذي بدء، ويكفي أن يطوق هذه المستعمرات ثم يذهب إلى تل أبيب”.
ذلك كان حديث عوني عبد الهادي مع جلالة الملك الحسين بعد لقاء عوني مع عبد الناصر. كما تحدث له عن الخلاف بين مصر والسعودية، وأنه لا توجد وحدة في سياسة العرب.
وكتب في مذكراته: “فهل سيظهر [عربي] عبقري يستطيع استغلال هذا الوضع (العربي) الجغرافي العظيم؟!! ” يقصد أن البلاد العربية تشكل وحدة طبيعية. كان هذا التساؤل أخر ما سجله عوني عبد الهادي في مفكرته كوزير لخارجية الأردن 1956 وبعد انتهاء مهمته كوزير للخارجية وحتى مطلع 1964 قضى الفترة في عمان في معزل عن ممارسة أي عمل رسمي سوى عضويته في مجلس الأعيان ثم في مجلس الإتحاد العربي 1958 ومنذ سنة 1964 وحتى قبيل وفاته اختير رئيساً للجنة القانونية الدائمة التابعة لجامعة الدول العربية، وذلك لخبرته المتعمقة في القانون، ولكي يستمد منه رجالات القانون العرب الإرشاد والنصيحة.
كانت تهزه بارقة أمل عبرت عنها كلمته في افتتاح دورة اللجنة في كانون الثاني (يناير) 1964 والتي جاءت عشية انعقاد مؤتمر القمة لأول للملوك والرؤساء العرب في القاهرة على أثر تحويل إسرائيل لمياه نهر الأردن إلى النقب.
كانت الأجواء المفعمة بالآمال العظام التي سبقت عدوان 1967 هي التي دفعت عوني عبد الهادي في 27 أيار (مايو) 1967 إلى كتابة رسالة من مكتبه في الجامعة العربية إلى الرئيس جمال عبد الناصر يحيى موقفه المشرف جاء فيها: موقفكم التاريخي العظيم جعل كل عربي يرفع رأسه، وأضاء شموع الأمل أمام أبناء وطني السليب بعد أن ظلوا يتخبطون في ظلمات الناس تسع عشر سنة. وهم اليوم يثقون ثقة تامة أنك ستقودهم إلى أرضهم السليبة وديارهم المنهوبة”. في عام 1955 عندما بدأتم تتسلحون من الشرق كان الإنجليز يهددون العرب ويشيرون باستعلاء إلى أن إسرائيل لن تسكت. واليوم تقف إسرائيل مذعورة أمام الزحف العربي المقدس يحيط بها من ثلاث جهات وليس أمامها إلا البحر. حفظكم الله لأمتكم العربية وأمدكم بعونه ونصره”.
وعلق على الهزيمة في رسالة رد فيها على صديق كتب له يقول: “إن كانت الهزيمة والنكبة تجعلنا نستفيق ونرتفع إلى مستوى الموقف، فهي ليست هزيمة، لأن الأمل يصبح كبيراً بأن نسترد ما فقدناه”، بقوله … هذا صحيح. ولكن أخشى أن نكون في حاجة إلى نكبات أخرى حتى نستفيق. أنا مؤمن بأننا سنستيقظ يوماً في المستقبل ولكن متى؟ علم ذلك عند ربي”. الغد

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
02-01-2019 08:52 AM

اتذكر كلمه لوالدي قالها لي
في عام 1965
وهو خريج الجامعه الامريكيه
في بيروت عام 1950

ان الوضع العربي لا يبش بخير
وان الانقسام العربي كبير

والسبب. يتبع

2) تعليق بواسطة :
02-01-2019 08:54 AM

قال لي بالحرف الواحد
ان استيلاء العسكر
على مصر وسوريا والعراق

قد دمر اي امل

في تقدم العالم العربي
وتحرره

لا بل تم تدمير العالم العربي
وهذا ما نراه حتى
يومنا هذا

3) تعليق بواسطة :
02-01-2019 02:05 PM

وحدثني عمي وكان زار الضفه الغربيه
عام. 1964وراى تصرف المواطنين

واستعداداتهم لرفاه الحياة

قال لهم سنوات وتطير ال 67
وليس تحرير ال 48

وهذا ماحدث

اكتب للتاريخ انه لا توجد استعدادات

حقيقيه من المواطنين

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012