13-12-2011 08:25 AM
كل الاردن -
عدنان العطيات : كانت النية تتجه ليكون هذا البحث على حلقتين, ولكن لاهمية موضوع " الشرق الاويسط الجديد" فقد قمنا بالاستفاضة في شرح هذا القسم من البحث حتى يتبين للقارئ الكريم خلفيات وتفاصيل هذا المشروع والذي يهدف الى تقسيم وطننا العربي الى كنتونات سياسية متنازعة , نزاعا عقائديا اولا ومن ثم جيوسياسي ثانيا. وافردنا لهذا الموضوع حلقة كاملة.
الشرق الاوسط الجديد
لقد تم تقديم مصطلح " الشرق الاوسط الجديد" للعالم, من تل ابيب في حزيران 2006, على لسان وزيرة الخارجية الامريكية في ذلك الوقت "كوندليزا رايس" كبديل عن المصطلح القديم الاكثر استفزازية " الشرق الاوسط الكبير" , وذلك بالتزامن مع الهجوم الاسرائيلي على لبنان والذي كان اصلا بتشجيع ومباركة امريكية بريطانية.
وكان هذا الاعلان تأكيدا على الشراكة الاسرائيلية الامريكية تحت مسمى " خارطة الطريق العسكري" في الشرق الاوسط, ويتمثل هذا المشروع في خلق قوس من من عدم الاستقرار والفوضى والعنف, تمتد من لبنان وفلسطين وسوريا, الى العراق ودول الخليج العربي وايران وحدود افغانستان, وكان التوقع ان يكون لبنان نقطة الضغط لاعادة ترتيب منطقة الشرق الاوسط برمتها, وبذلك تطلق العنان لقوى " الفوضة البناءة" وتسنتخدم هذه " الفوضى البناءة" في خلق ظروف العنف والحرب في جميع انحاء المنطقة, بحيث تمكن اسرائيل وامريكا من اعادة رسم خارطة الشرق الاوسط وفقا للاحتياجات والاهداف الجغرافية والاستراتيجية.
فتقول كوندليزا رايس خلال تصريح صحفي: " نحن نشاهد هنا " تقصد الحرب الاسرائيلية على لبنان" بداية ولادة الشرق الاوسط الجديد, ومهما كان علينا ان نفعل " تقصد الولايات المتحدة" يجب ان نكون متأكدين ان هذا المشروع سوف يسير قدما, واننا لن نرجع الى الشرق الاوسط القديم".
ونذكر هنا ان خارطة " الشرق الاوسط الجديد" كانت نتاج افكار المقدم المتقاعد " رالف بيترز" والذي خدم في وحدة الاستخبارات الامريكية, والتي قدمها الى وزارة الدفاع الامريكية والتي اقرتها بدورها واحالتها للبيت الابيض, وقد وافق عليها الكونجرس الامريكي في جلسة سرية, وسمح للمقدم " رالف بيترز" بالاعلان عنها ونشرها في مجلة القوات المسلحة الامريكية في عددها الصادر في حزيران 2006, بالتزامن مع اعلان وزيرة الخارجية الامريكية "كوندليزا رايس" السابق ذكره, وقام " رالف بيترز" بأدراجها في كتابه " لا توقف الحرب ابدا" والذي نشر في شهر تموز 2006.
يتحدّث "رالف بيترز" في هذا التقرير عن عملية تغيير لمعالم دول الشرق الأوسط من الناحية الجغرافية تنشأ عبرها دول جديدة و تتقسم دول أخرى و تتغير معالم دول و تندمج دول أخرى.
و يعرض التقرير المنشور في المجلة خرائط لمنطقّة الشرق الأوسط بشكلها الحالي و خرائط للشكل الذي يتم العمل على تحقيقه. و يعتمد التقرير لتبرير هذا المخطط على عدد من الحجج المنطقية الجدلية لتمرير هذا مشروع و منها:
أولا: انّ الحدود الحالية هي حدود قديمة رسمتها كل من بريطانيا و فرنسا بشكل عشوائي في القرن التاسع عشر هي حدود غير عادلة.
ثانيا: انّ الحدود الأكثر تشابكا و فوضوية في العالم هي في أفريقيا و الشرق الأوسط, و انّ هذه الحدود تعمل على اثارة الحروب و الموت في هذه المنطقة من العالم, و لذلك يجب تغييرها و اعادة رسمها لاعطاء الاقليات المذهبية او القومية و الاثنية حقوقها المسلوبة.
ثالثا: صحيح انّه في بعض الحالات, قد تتفاهم مجموعات مختلفة متعددة الأعراق او الديانات و الاثنيات بحيث تتعايش و تتداخل مع بعضها البعض, لكنّ الغالب انّ التداخل بالدم او المعتقد في اماكن اخرى قد لا يكون ناجحا بقدر الاتحاد الذي يحصل في داخل المجموعة الواحدة, لذلك لا بد من اجراء هذا التغيير في خريطة الشرق الأوسط.
رابعا: أنّ الحدود المرسومة للدول ليست ثابتة على الاطلاق و العديد من الحدود من الكونغو الى القوقاز مرورا في كوسوفو تتغيّر الآن, و من هنا فانه لا يجب التجاوب مع الحجّة القائلة انّ هذه الحدود لهذه الدول لا يجب تغييرها لأنّها تعبّر عن واقع موجود منذ آلاف السنيين, و انّ المحافظة عليها تتطلب تحمّل ضريبة المشاكل التي تحصل فيها.
خامسا: أنّ حدود الشرق الأوسط تسبب خللا وظيفيا داخل الدولة نفسها و بين الدول بعضها البعض خاصّة من خلال الممارسات ضد الأقليات القومية والدينية والأثنية, أو بسبب التطرف الديني أو القومي والمذهبي, و لضلك يجب انهاء هذا الامر.
ويضيف " رالف بيتر" في تقريره, انه على الحكومة الامريكية ان تسوق هذا المشروع بصورة مقبولة في الشرق الاوسط, ويقترح في تقريره بأتباع بعض الاساليب من اجل تسويق المشروع منها:
أولا: الترويج انّ هذا التغيير و التعديل هو لمصلحة الجميع خاصّة أنّه و على عكس ما قامت به كل من فرنسا و بريطانيا, يراعي مصالح القوميات و الاثنيات و المذاهب و المجموعات المختلفة المنتشرة في المنطقة القائمة حاليا لأنه قائم على أساس وقائع ديموغرافية تشمل الأقليّات المذهبيّة و الأثنيّة و القوميّة.
ثانيا: انّ هذا التغيير في الحدود المرسومة حاليا و تعديلها لخلق شرق اوسط جديد لا يمكن ان يتم بسهولة و سرعة و لأن إعادة تصحيح الحدود الدولية يتطلب توافقا لإرادات الشعوب التي قد تكون مستحيلة في الوقت الراهن, و لضيق الوقت فانه لابد من سفك الدماء للوصول إلى هذه الغاية و استغلال عامل الوقت لصالح هذه الخطّة.
ويقول تقرير "بيترز" ان الغاية من هذا المشروع " الشرق الاوسط الجديد" هو تحقيق العدالة الانسانية في هذه المنطقة واتحقيق الديمقراطية والتوازن , واهداف اخرى رئيسية هي:
أولا: انهاء الظلم الذي يعاني منه عدد من الأقليات في الشرق الأوسط و منها: الأكراد, البلوش و الشيعة العرب. و على الرغم من انّ التعديلات المرتقبة تأخذ بعين الاعتبار مصالح هذه الفئات, الاّ انّ هذه التعديلات المرتقبة قد لا تستطيع ان تحقق مصالح اقليات اخرى بالكامل مثل: المسيحيين, البهائيين, الاسماعيليين النقشبنديين, و عدد من الأقليات الأقل عددا.
ثانيا: محاربة الارهاب بشكل كامل بواسطة القوات الامريكية المتمركزة في المنطقة و حلفائها من الدول المحلية او العالمية.
ثالثا: تأمين تدفق النفط بشكل تام و كامل للغرب دون اي قيود.
رابعا: تحقيق السلام الكامل عبر احداث تعديلات في الحدود الجيو-سياسية للدول الموجودة حاليا في الشرق الأوسط, و نشر الديمقراطية.
خارطة الشرق الاوسط الجديد:
الدولة الكردية " كردستان": يعتبر التقرير ان الاكراد والذين قدر عددهم ما بين 27 و 36 مليون نسمة والذين يعيشون موزعين بين اربع دول هي تركيا , ايران, العراق وسوري كأكبر قومية في العالم لا يملكون دولة مستقلة. وانه يجب منحهم حق تشكيل دولتهم المستقلة من خلال الخطوات التالية:
أولا: استغلال الفرصة التاريخية التي لاحت للولايات المتّحدة بعد سقوط بغداد في انشاء دولة كردية اثر تقسيم العراق الى ثلاث دول, لأن الاكراد سيصوتون بنسبة 100% لصالح قيام دولة مستقلة اذا عرضت عليهم فرصة قيام دولة مستقلة.
ثانيا: دعم أكراد تركيا على الرغم من انّ هجماتهم في الداخل قد خفّت خلال العشر سنوات الماضية, الاّ انهم عادوا من جديد الآن و عليه, يجب استغلال هذه الفرصة للضغط على تركيا و اظهار الجزء الشرقي منها كما و انّها "منطقة محتّلة".
ثالثا: بعد قيام الدولة الكرديّة المستقلة في العراق و تركيا, فانّ أكراد ايران و سوريا سينضمون بمناطقهم مباشرة اليها و سيشكلون "دولة كردستان الكبرى المستقلّة" بحدودها النهائية.
و ستكون هذه الدولة الكرديّة الممتدة من ديار بكر في تركيا الى تبريز في ايران أكبر حليف للغرب في المنطقة ما بين اليابان و بلغاريا.
الدولة الشيعية العربية :وفقا للتقرير, فانّ الجزء الجنوبي من العراق سيكون نواة لتشكيل دولة شيعية عربية تنضم اليها مناطق واسعة من الاراضي المحيطة بها ليشكل حزاما على المنطقة المحاذية للخليج "الفارسي" على ان تشمل المنطاق التالية:
أولا: الجزء الجنوبي الغربي من ايران و المعروف بمنطقة الأهواز أو عربستان و التي تضم معظم الشيعة العرب في ايران.
ثانيا: الجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية و الذي يضم العدد الاكبر من الاقلية الشيعية في المملكة.
دولة سوريا الكبرى: بعد تقسيم العراق الى 3 أقسام, كردي في الشمال, شيعي في الجنوب و سني في الوسط, سيضطر الجزء السني الى الالتحاق بسوريا و ذلك لأنه سيصبح دولة لا مقومات لها بين مطرقة الدولة الكردية الكبرى الى شماله و سندان الدولة الشيعية الى جنوبه اذا لم ينضم الى سوريا. و سيتم اجبار سوريا عن التخلي عن جزء صغير منها لضمّه الى لبنان لتشكيل "دولة لبنان الكبير" على البحر المتوسط لاعادة احياء دولة فينيقيا.
تقسيم المملكة العربية السعودية: ستكون المملكة الى جانب الباكستان بالاضافة الى تركيا من اكثر الدول التي ستعاني نتيجة للتغيير الذي سيطرأ على المنطقة. و سيتم تقسيم المملكة الى خمس اقسام:
أولا: القسم الشرقي الساحلي حيث تتواجد الأقلية الشيعية في المملكة و سيتم الحاق هذا القسم بالدولة العربية الشيعية التي تحدثنا عنها اعلاه.
ثانيا: القسم الثاني هو جزء يقع في شمال غرب و شرق المملكة و سيتم الحاقه بالأردن الذي سيشكّل بحدوده الموجودة حاليا اضافة الى الجزء السعودي دولة "الأردن الكبرى" التي ستضم كل الفلسطينيين في الشتات. تشكيل الدولة الاردنية الفلسطينية على هذه الرقعة من الارض.
ثالثا: القسم الثالث من المملكة سيضم كل المدن الدينية لاسيما مكّة المكرّمة و المدينة المنوّرة التي سيتم تشكيل دولة دينية عليهما يحكمها مجمّع ديني من مختلف الطوائف و المذاهب الاسلامية يشبه الى حد كبير الفاتيكان.
رابعا: الحاق قسم من جنوب المملكة الى الجمهورية اليمنية التي سيزيد حجمها.
خامسا: تشكيل دولة سياسية في القسم المتبقي من حجم المملكة الأصلي.
الجمهورية الايرانية: صحيح انّه سيتم اقتسام بعض الاجزاء من ايران لصالح تشكيل دولة كردية و دولة شيعية عربية و دولة بلوشية و جزء صغير لضمّه لدولة أذربيجان , الاّ أنّه سيتم اقتطاع جزء من أفغانستان المجاورة لتشكيل دولة قومية فارسية تحلّ محل الجمهورية الايرانية الحالية.
أفغانستان و باكستان: القسم الذ سيتم اقتطاعه من أفغانستان لمنحه لايران سيتم تعويضه من خلال منح أفغانستان جزء كبير من الباكستان حيث العديد من القبائل الافغانية و القريبة لها, و سيتم اقتطاع جزء آخر ايضا من الباكستان حيث يقيم البلوش لمنحه لدولة بلوشستان الحرة و بذلك يتبقى مساحة ثلث او اقل من حجم الباكستان الحالية التي ستشكّل الدولة الجديدة المنتظرة.
في لقاء صحفي مع " رالف بيترز" وفي معرض اجابته عن افضل السبل للوصول لتحقيق مشروع " الشرق الاوسط الجديد" وان كان الحل العسكري الامريكي هو الوسيلة الوحيدة للوصول لهذا الهدف, يقول "بيترز": " بالطبع ان الحل العسكري قد يكون احد الخيارات في مرحلة ما, ولكنه سيكون باهض الثمن, ان افضل الطرق للوصول لهذه الغاية, هي التحالف الاستراتيجي مع اصدقائنا في الشرق الاوسط, من الذين يملكون قبولا شعبيا ولهم امتدادات اقليمية في المنطقة خارج حدود الدول الموجودة الان.....!!! وان لم نستطع اقناعهم, فمن الممكن خلق اصدقاء جدد ونقوم بدعمهم من اجل تحقيق هذه الشعبية",
ومن الواضح ان " بيترز" قد تاثر كثيرا في فكر " صن تزو" ( 500 قبل الميلاد) واستراتيجيات الحروب الطويلة والتي لخصها "تزو" في كتاب " فن الحرب" فيقول " صن تزو" في كتابه ´تقييم الحرب من حيث العوامل الاساسية, واول هذه العوامل هو التأثير المعنوي" , وكذلك " اسهل الطرق للانتصار على العدو, هي ان تقتل روح القتال عنده", " ان تفسد العدو افضل من تقتل نصف جنوده". ويؤيده في هذا الاتجاه " برنارد ليفي" المعروف الان بأسم " صديق الثورات العربية", كما نرى هذا الاتجاه في دراسات معهد " بروكنجز" والذي اعد دراسة في استراتيجية الشرق الاوسط يدعو فيها الرئيس اوباما لفتح باب الحوار مع الاخوان المسلمين, وكذلك مركز "سابان" لسياسات الشرق الاوسط , ففي تقرير اعده الباحث " شادي حميد" تحت عنوان " رد فعل الاسلاميين تجاه القمع.....هل ستلجأ الجماعات الاسلامية السائدة للتطرف" فقد دعا الى فتح الحوار مع الجماعات الاسلامية وتعزيز دورها في رسم السياسات في الشرق الاوسط وضمان مشاركتها في اي انتخابات قادمة.
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة , لنتابع بحثنا في الحلقة القادمة والتي سنتناول بها الثورات العربية ومن ثم النتائج والحلول