أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


بسام الياسين يكتب : الحمار العربي بين الحمرنة و الاستحمار !

بقلم : بسام الياسين
29-01-2019 09:20 PM

(تعتزم وزارة الزراعة الاردنية حماية الحمير المحلية من الانقراض، بعد تراجع عددها إلى 1000 حمار.الوزارة لم تذكر الاسباب،هل هي قلة التغذية وسوء المعاملة ام الاضطهاد وتجريم رفاهية العنطزة.وهل بمقدور الوزارة في ظل الاوضاع الاقتصادية المزرية وارتفاع العلف تامين حياة كريمة لمن كُتب لهم السلامة ).
الحمار العربي يستخدم للاشغال الشاقة دون رحمة. فقد كابد في الوطن العربي، اعلى درجات العسف و الاهانة.لم يحصل على حقوقه كمخلوق ولا شروطه الاساسية كحيوان خدوم، اسوة بالحيوانات المدللة كالخيول،الكلاب،القطط المنزلية.فقد تم التعامل معه بدونية،رغم خدماته الجليلة في بناء حضارة ما بين النهرين،والحضارة المصرية، كما دلت الحفريات الأثرية .فالحمار اقدر المخلوقات على اجتياز الاماكن الوعرة و الاكثر تحملاً للظروف الصعبة،ومع هذا لا يشكو،كأن لسانه مقطوع وسيفه مكسور.لذا تعرض لكل صنوف القهر عبر التاريخ،ولم يفكر في الحد من شقائه،فبدلاً من الثورة على مستعبديه تكيف مع اوضاعه،و صب رؤاه الفلسفية في حكمة الصبر على الاذى والزهد بالحياة،آثر العزوبية، قانعاً بما ملكت يمينه،لإن الدنيا عنده لا تساوي بعرة.
الإنسان انفجاري لا انفعالي ،سريع الغضب،لا يستطيع ضبط زمام لسانه ولا التحكم باعصابه،لذلك قراراته غالباً خاطئة. تراه مشدوداً في الشارع،في الملعب،في الوظيفة،في البيت يثور للتوافه. مشاجراته كثيرة لاسباب سخيفة، طلاقه على طرف لسانه،اصبعه على زناد مسدسه.اما الحمار يسمو على الغضب،يمتاز بالسكينة. صفات يفتقر اليها كثير من البشر.لهذه الاسباب وما يحمله من نبالة،استغل الناس وداعته فركبوا ظهره و اهانوا كرامته.
مسالم حتى السكينة، لم يطالب بدعم شعيره،ولا ببطاقة تأمين صحي للحد من امراضه.سجلاته الامنية في الاقطار العربية، تؤكد انه لم يشارك في مظاهرة،ولم يدخل في مشادة فردية او جماعية،و لم يقف وقفة احتجاجية هاتفاً ضد من ظلمه.مسيرته الاستسلامية دفعته للبقاء في الظل و جعلته اقرب ما يكون في افكاره الى توجهات حزب الكنبة،فانخرط مع الاغلبية الصامتة،لهذا خسر نفسه، ولم يخرج من حمرنته،عكس حمار الحزب الديمقراطي الامريكي الذي تحول بسبب عناده الى ايقونة سياسية ثم صار علامة تجارية تُطبع على القمصان،القبعات،اقداح القهوة.
يُحكى في الاثر،انه آخر من صعد الى سفينة نوح عليه السلام،تواضعاً منه. لم يرفس احداً ولم يزاحم غيره،. بقي طوال رحلته صامتاً، كأن ( اللا الاعتراضية ) سقطت من فمه،وابتلعها البحر. منذاك الى يومنا هذا لم ينبس بكلمة. على امتداد الرحلة،هبطت الحمير في عدة موانيء، اسوأها حظاً من نزل في الموانيء العربية، اذ تعرضت لإبشع صنوف الاذلال .رغم بشاعة الاستقبال لم يقم حمار برفع قضية في محكمة،و للاسف لم تتعاطف معه روابط حقوق الحيوان الاوروبية.
تشير السيرة الذاتية للحمار العربي الى تعرضه للاستبداد العربي،من ضرب جائر، حراثة ،ركوب فوق العدد المسموح ،ناهيك عن الاحمال الثقيلة. هكذا ظل في خانة الاستكانة، مستسلماً للعصي تلهب ظهره،دون ان يدافع عن نفسه او يحاول الارتقاء لمنزلة الحصان في الفروسية ولا الى البغل في القوة،بينما الحمار القبرصي حظي بمكانة عالية وحياة كريمة…رعاية صحية،وجبات غذائية مكتملة العناصر،الاقامة في حظائر باشراف بيطريين،وعند بلوغه سن التقاعد،يمضي اواخر ايامه في مزارع خاصه الى ان يقضي نحبه،فتقوم لجان خاصة بدفنه ووضع باقات البرسيم على قبره ثم تكريمه بالقاء الخطب اللائقة بانجازاته.في البلاد العربية، الصورة مقلوبة عندنا .في سن الشيخوخة او اصابة العمل يُستغنى عنه، ويُطلق سراحه ليهيم على وجهه.ليلتقط رزقه من المزابل.
في مصر الشقيقة، نُفذت بحقه عدة مجازر دموية،حيث قام بعض الجزارين بذبحه،حتى ان بعضهم اعترف بالرضا عن جريمة الذبح لان نيته ـ كما ادعى ـ كانت اسعاد الفقراء بتقديمه لحم الحمير باسعار زهيدة، خاصة اسياخ الشواء اللذيذة المحرمة على الفقراء.ولمن لم يقرأ قصة ” الحمار العراقي / سموك “.هو حمار محظوظ ، شاهده الغزاة ألامريكيون في محافظة الأنبار العراقية وآثار سوء التغذية بادية عليه،وقد جحظت عيناه وهزل جسده. أخذوه إلى معسكرهم للإعتناء به وتضميد جراحه،ثم تقديم وجبات من الخضار و الفواكة له، حتى استرد عافيته.. بعد تقاعد الكولونيل المسؤول عن المعسكر، اخذه معه ليحصل على الجنسية الامريكية ويقضي بقية حياته في امان.للحق انها الفضيلة الوحيدة للامريكان… انقذوا حماراً لكنهم دمروا بلداً.فيا حسرتي على حمير الامة.

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
29-01-2019 10:13 PM

استاذ بسام: افتقدنا قلمك والدرر التي يخطها ويتحفنا بها نرجو ان تعود الينا دائماً على هذا الموقع لننهل من الروائع التي تجود بها قريحتك،، أسعد الله مساءك.

2) تعليق بواسطة :
30-01-2019 10:58 AM

نعتذر

3) تعليق بواسطة :
31-01-2019 04:18 AM

بعد التحية والاحترام .
دائما كما أنت ، نسيج وحدك ، ما أجمل هذه اللوحات الكاريكاتيريه والتي تزيل الهم والغم وتطرب لها القلوب وتبتسم الوجوه وتعرف معانيها العقول .
أهلا بعودتك إلى هذا الموقع الجميل .

4) تعليق بواسطة :
31-01-2019 11:30 AM

استاذنا الكبير بسام الياسين اسعد الله اوقاتك ومتعك بموفور الصحة والعافيه ، منذ مدة ليست بالقليله احجمت عن التعليقات على جميع المواقع مع انني متابع وقاريء ملتزم لكل مقالاتك المنشوره على كل المواقع وكذلك مقالات الاساتذه الافاضل الباشا موسى العدوان ومفكرنا الكبير الاستاذ فؤاد البطاينه والاستاذ

5) تعليق بواسطة :
31-01-2019 11:36 AM

والاستاذ خالد المجالي ، وقد اخذت عهدا على نفسي بان لا اعلق على اي موضوع ينشر وسابقى على ذلك ، واي منشور او تعليق سيظهر تحت اسم ابو مهند فهو قطعا ليس لي ، مع تمنياتي لك ولاساتذتنا الكرام التوفيق مع خالص الحب والتقدير لكم جميعا ولهذا الموقع المحترم
اخوكم ابو مهند - القديم جدا جدا

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012