أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


تداعيات من مؤتمر وارسو

بقلم : جميل أبو بكر
19-02-2019 03:40 AM

كان المؤتمر نتاج سعي امريكي محموم، لإحداث اختراق تاريخي في التموضعات الاستراتيجية في الشرق الاوسط وفي القضية الفلسطينية بالذات، دعما للكيان الصهيوني، بتصفية القضية، وفتح ابواب التطبيع العلني العربي مع 'اسرائيل'، وبتغيير اولويات الصراع ومحاوره الرئيسة في المنطقة، وتشديد الحصار على ايران.
اتفقت هذه الرؤية مع مصالح انظمة عربية مرعوبة من تداعيات الربيع العربي، وقادت الثورة المضادة وقدمت كل اشكال الدعم والاسناد، ضد هذا الربيع ولإجهاضه. كما اتفقت مع مطالب استقرارها وشرعيتها الداخلية وحاولت توظيف رفض الشعوب العربية للتدخلات الايرانية عسكريا وسياسيا في العديد من الاقطار العربية، واستنكارها الكبير لذلك. كل ذلك توج الاستعداد لهذه الاطراف لبناء تحالف بقيادة الكيان الصهيوني ولخدمته في الدرجة الاولى.
وعند إمعان النظر في هذه المحاولات او المشاريع، وقراءتها بتعمق وفي سياق تاريخي وسياسي سليم يتضح بجلاء الصعوبة البالغة او الاستحالة، في نجاح هذه المشاريع، او ادامتها لتصبح من حقائق المنطقة
وذلك ان :-
* الصراع مع الكيان الصهيوني قد تأسس على عوامل عقدية واخلاقية واخرى تاريخية وسياسية، وتجذر باستطالته الزمنية لعشرات السنين، وبالتضحيات والآلام الهائلة التي تحملتها الامة وفي مقدمتها شعب فلسطين فضلا عن الاخطار القائمة والتهديدات الوجودية التي يمثلها هذا الكيان في الصراع.
* الوعي الجمعي العام الذي بني على تلك الاسس واصبح تكوينا مستقرا في ضمير الامة واغوارها النفسية والثقافية، تعجز الفلسفة المعتمدة ممن يحاولون احداث التغيير التوعوي او الفكري، والمبررات التي يسوقونها او الادوات التي يستخدمونها عن تمييعه او تفكيكه والغائه.
* وجود خطر ثان وهو ايران حسب ادبياتهم، لا يعني الغاء الخطر الآخر الاشد، ومن المتعذر بشدة، ان يتمكن هذا البديل – حسب تصوراتهم- من تغيير قناعات الناس او حقائق الواقع، او يمسحها.
* الامة قد اجمعت شعبيا ورسميا على موقف العداء للكيان، وعبر عقود عديدة من الزمن، وما انفك الاجماع الشعبي مستمرا، وهذا لم يتم اختباره حتى اللحظة على الاقل، بالنسبة للبديل.
* الاطراف العربية الداعية لتشكيل التحالف الجديد لا تمثل نماذج ريادية او مفعمة لأبناء الامة او قوة قيادية كبيرة.
* لفلسطين المكان والقدس، قدسية خاصة، وللزمان فيها ذاكرة ارتبطت بأحداث إعجازية مقدسة ايضا، ويغتصبها عدو تاريخي وليس قريب باغ.
* لا يتوقع ان تقدم 'اسرائيل' اي مساعدة حقيقية او تضحية ذات قيمة لحلفائها العرب، بقدر ما ستستخدهم هي في تحقيق غاياتها ومصالحها، ولغير ذلك من الاسباب.
هناك عوامل ضعف عديدة اكتنفت انعقاد المؤتمر، مثل غياب دول عظمى كالصين وروسيا ودول اوروبية وازنة كفرنسا والمانيا وبريطانيا حتى بولندا الدولة الداعية بدت متلعثمة، كما كان التمثيل لغير امريكا و'اسرائيل متواضعا'. بل عقدت روسيا وتركيا وايران مؤتمرا في ذات الوقت في روسيا، وفيه رسالة مقصودة للمؤتمرين في وارسو.
يمكن اعتبار نتنياهو اكبر مستفيد من المؤتمر قبل اسابيع من خوضه انتخابات عامة، كما ان هذه المكاسب ربما تزيد اليمين المتطرف في الكيان تطرفا وعنهجية وعدوانية ضد الشعب الفلسطيني. واما التطبيع المجاني العربي فهو خسارة اخرى لتلك الاقطار، وغطاء يستغله العدو الصهيوني لمزيد من التهويد، والاستيطان للارض والهجوم المستمر على القدس والاقصى، والحصار للمواطنين الفلسطينيين والتهديد بالوطن البديل.
كما كان غياب فلسطين ملفتا ومفيدا للشعب والقضية، وتسبب في تبهيت المؤتمر، والمطلوب ان تكون مثل المواقف سلسلة متصلة او منظومة متسقة ومترابطة، لا موسمية ولا مبعثرة.
اما الاردن فقد بدا مضطرا، وارسل عدة اشارات بذلك. وكنا نتمنى لو لم يحضر او لو كان تمثيله اقل على اضعف الايمان. فالأردن مهدد تماما كفلسطين، وهذا اصبح من المعلوم في السياسة بالضرورة. وهذه التطورات وغيرها والتي لا تقف عند حد، تقتضي بناء جبهة داخلية في غاية الصلابة والفعالية دون اي تردد او تسويف، لتعظيم القدرة في الاعتماد على النفس وفي مجابهة التحديات والاخطار المتعاقبة.
واخيرا فإن المؤتمر بصورته التي كانت وبتداعياته، يؤشر على تراجع النفوذ الامريكي في المنطقة وعالميا، ويؤكد صفاقة الادارة الامريكية وسطحيتها، وسيسهم في تأزيم وضعها الداخلي.السبيل

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012