أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


عبد الناصر وبن بلّه والأجرُ الواحد

بقلم : دكتور محيي الدين عميمور
04-03-2019 11:53 PM

أعرف أن كثيرين ينتظرون مني أن أتحدث عن التطورات الأخيرة في الجزائر، لكنني أقول بدون أي تواضع كاذب أن المفكر السياسي (وتعبير المفكر هو مجرد اسم فاعل) لا يستطيع القيام بدور الكاتب الصحفي الذي يحلل الأخبار على الساخن أو المراسل الذي يشبع رغبة القراء في متابعة الأحداث، ومن هنا قررت أن أواصل الحديث بالمنظور الذي أردته، تاركا للرفقاء القيام بما عجزت عنه.
وقد كان الحديث الماضي محاولة للمساهمة في مواجهة الوضعية بالغة الخطورة التي يعيشها الوطن العربي، من الميْ للميْ، بتعبير الأشقاء في لبنان، والتي جعلتنا كالأيتام في مأدبة اللئام، وجعلت ترامب يتناول العلاقات مع الرياض بوقاحة وبتعالٍ لم يُعرف عن أي رئيس أو ملك أو سلطان.
وكنت أحسّ بأننا نعيش وضعية قد لا تختلف كثيرا عن وضعيتنا خلال الحرب الصليبية التي نادى بها البابا أوربان الثاني في نهاية القرن الحادي عشر، والتي استهدفت المسلمين والمسيحيين الشرقيين على حد سواء، وربما كان الفرق أن تلك الحرب وجدت أمامها أمة موحدة إلى حدّ كبير، وقيادة رائعة جسدها صلاح الدين الأيوبي.
اليوم، تعيش الأمة أسوأ حالات التفكك والضياع، بحيث يبدو مصيرها مرتبطا بغلام من نوع كوشنر، وبعنصري متطرف ومرتشٍ من نوع ناتانياهو، وبغطرسة حكامٍ محليين، أحْسنَ من أسمى سلطتهم الاستعمارَ الوطني.
وكنت تناولتُ أكثر من مرة أسباب فشل كل من الاتجاهات الوحدوية العربية ومشاريع الدولة الإسلامية، وقلت بكل وضوح، ومقارنا بالنهضة التركية والماليزية بل والإيرانية، إن المسؤول هو التناقض الذي نشأ، بفعل فاعل بالطبع، بين الانتماء القومي والالتزام الديني، وهو واحد من تداعيات مغامرات “لورنس″، وإن كان ما تفضل به الدكتور عبد الحي زلوم، من أن حركات (التحرر العربية ) كان يقودها ضباط مخابرات بشكل مباشر، قد ينطبق في واقع الأمر على المشرق العربي أكثر من انطباقه على المغرب العربي، وهي حقيقة تاريخية فيما أعرف، حتى ولو كان هناك من يثير لغطا حول اختطاف طائرة الزعماء الجزائريين الأربعة وقبل ذلك عودة السلطان محمد الخامس من المنفى ثم وفاته بع ذلك.
وكنت قلت إن الدين والقومية وجهان لعملة الوطنية، وتناولتُ التلاحم الذي عرفته الحروب الصليبية بين المسلمين ومسيحيي المشرق، مذكرا بكلمات أعظم من عرفهم المشرق من الأقباط، وهو “مكرم عبيد باشا”، الذي قال ما معناه: “أنا مسيحي دينا مسلم ثقافة وحضارة”.
ولقد كانت هذه الرؤية هي خلفية المقال الذي تفضلت “رأي اليوم” بنشره في عدد سابق، والذي هدفتُ من ورائه إلى التذكير بضرورة وحدة الأمة العربية، وهي حقيقة جيوسياسية واقعة، وإلى أهمية تعميق ترابطها مع العالم الإسلامي، وهو وجود سياسي يشكل العمق الإستراتيجي للوطن العربي.
وهذه النقطة هي التي كانت وراء موقف الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد في التعامل مع الحرب العراقية الإيرانية، حيث كان يرى بأن العالم الإسلامي هو عمق إستراتيجي للوطن العربي، والعداوة بينهما كارثة على الجميع.
ولأن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة فقد رأيت أن الخطوة الأولى يجب أن تكون وقفة رجولة نمارس فيها جميعا النقد الذاتي، ونتخلى فيها، في حدود الممكن وتدريجيا، عن شوفينية مُغرقة في المحلية، لم تستطع، لسذاجتها، أن ترتفع بنا إلى مستوى الوطنية الألمانية في عهد بسمارك أو الإيطالية في عهد غاريبالدي.
وهنا أتفق تماما مع الدكتور زلوم في قوله بأنه تم التركيز على عصور الانحطاط في التاريخ العربي والاسلامي، وعلى الفردية والانانية في صقل الشخصية الجديدة، “علمونا التطرف في التفكير كقول الشاعر (لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أو القَبرُ) وعلمونا عن عصر الجاهلية أكثر مما علمونا عن عصر الحضارة والإشعاع العلمي والفكري، فخرجنا نظن أن تاريخنا كله تافه وشقاق ونفاق وغزو واقتتال بين القبائل والعوائل، بحيث أصبح ذلك مغروساً في العقل الباطن للكثيرين”.
وكنت أعرف أن ما سوف أقوله ليس مما يُمكن أن ترضى عنه الكافة، لمجرد أنه لا يلتزم بالمبدأ المزدوج الذي أكرهه، وهو ألا يُغضِب الذئب وألا يُبكي الراعي.
وما لا يعرفه كثيرون هو أن ذلك كان المقال الوحيد في حياتي الذي طلبت فيه، قبل نشره، رأي مناضل عربي كبير وإعلامي رائد، لا أسميه لأنني لم أستشره، وكانت له ملاحظة أعترف أنني لم أنفذها لأنني رأيت أن أتحمل وحدي مسؤولية كل كلمة أكتبها.
وأنا أتفهم جيدا غضب البعض ونرفزة البعض الآخر، ولا أشكك إطلاقا في النوايا، فالحكم على الأمور في مراحل الفتنة يتطلب الإلمام بكل وجهات النظر، وأقرّ بأن هذا قد لا يتوفر لكثيرين، معظمهم أسرى وجهة نظر واحدة يروجها إعلام لا يُعطي الصورة بأبعادها الثلاثية.
لكنني قلت وما زلت أقول إن المصالحة الوطنية الشاملة هي ضرورة حيوية لكل المجتمعات، والمنطقة العربية هي أول المعنيين بهذه القاعدة، ومن هنا تناولت بعض المعطيات التي أظن أن البعض أساء التقدير في تعامله معها.
وعلى وجه المثال، تناولتُ وضعية العداء المستحكم التي يواجه بها التيار الإسلامي الرئيسَ الراحل جمال عبد الناصر، والتي أراها صورة سيئة للتاكتيك السياسي، لكن هناك من اعتبرني معبرا عن الفكر الإسلامي السياسي، وهي قبّعة أكبر من رأسي.
وما قد لا يعرفه بعض من سخِروا من تقديري للرئيس المصريّ أن قلمي كان من الأقلام العربية التي تعاملت بكل قسوة مع بعض مواقفه، بما في ذلك مواقف لم نكن في الجزائر نعرف خلفياتها مثل قضية “روجرز″، وكان من تداعيات بعض كتاباتي أن السفارة المصرية في الجزائر حذرت مواطنيها من التردد على عيادتي الطبية، بالقول إنني من عملاء المخابرات الجزائرية، مع العلم أنني كنت يومها بعيدا عن أي مؤسسة سيادية.
ومع ذلك، فإن أروع مقال كتبته في حياتي كان في رثاء عبد الناصر، وهو ما أزعج أطرافا معينة عندنا، تعتبر أن كلمة خير في كل ما هو عربيّ رجس من عمل الشيطان البعثيْ (هكذا) وكان هذا وراء مواقف عدائية لا زالت تلاحقني إلى اليوم.
ولم أرَ في ما كتبته تحيّزا ضد قيادات الإخوان المسلمين أو دفاعا عن دكتاتورية النظام، لكنني أوضحت بأن الموقف من عبد الناصر كان يجب أن يأخذ بالاعتبار، حتى من الناحية التاكتيكية، أن قطاعا هاما في الوطن العربي يحترمه ويقدر نضالاته ويتذكر مواقفه الوطنية على المستوى العربي والإفريقي، ويذكر له أعطى لمصر، منذ باندونغ، تألقا دوليا لم تكن تعرفه، بجانب ما أنجزه على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
وقلت إنني أتصور، من واقع معرفة قديمة بمصر، بأن الشارع المصري أقرب لعبد الناصر منه لزعماء آخرين عرفتهم أرض الكنانة، وبالتالي كنت آمل أن يتوقف العداء ضد الرئيس المصري الراحل، ولو مرحليا، وأن يتعامل الإخوان مع أخطائه، ولو تاكتيكيا، بالكثير من التسامح أو التفهم، وربما بالقول، وهو ليس كذبا أو اختلاقا، بأن ناصر ارتبط روحيا بالإخوان في فترة معينة، وبأنه كان زعيما وطنيا استهدفته الصهيونية العالمية ودبرت ضده العديد من محاولات الاغتيال.
ويمكن القول أيضا بأنه، ورغم إساءته للإخوان، فإن الحركة الإسلامية الواعية لا يمكن أن تضعه في نفس موضع من خانوا أمانة الشهداء وتحالفوا مع العدو ضد المصالح الحيوية لشعبهم، بل ضد الحق في الحياة لعشرات الآلاف، في سيناء وغير سيناء.
ولقد تناقضت مع الإخوان المسلمين في منتصف الخمسينيات، لتداعيات تحالفات تلك المرحلة بين الرئيس أحمد بن بله والرئيس عبد الناصر، لكنني كنت وما زلت أرى أن التيار الإسلامي تجسده شريحة هامة في الوطن العربي ولا يمكن لعاقل أن يتجاهلها، وهو الرأي الذي تصرف على ضوئه الشاذلي بن جديد، وأُخِذ عليه، ودفعنا ثمن ذلك غاليا.
ولم يحُلْ تنافري مع القياديين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ من أن أقوم بدوري، كسفير للجزائر في باكستان، في رعاية كل أبناء الجزائر ممن ارتبطوا بحركة “الجهاد الأفغاني”، ولم يجعلني أتحمس بأي شكل من الأشكال لإلغاء الانتخابات التشريعية في يناير 1992.
كنت أرى أن دوري ليس، كما طلب معلق كريم، أن أتساءل: “إذا كان جميع المسلمين مسلمين بغض النظر عن توجهاتهم السياسية، فما حاجة حركة سياسية أن تعرّف عن نفسها على أنها حركة سياسية مسلمة”؟ وكان تساؤل الأستاذة سماح أقرب إلى الواقع وهي تقول: “من ناحية تنظيم الإخوان المسلمين فليس من حقي أن أطلب من أحد أو أنكِر علي أحد محبتهم، لكن هم بالنسبة للغالبية العظمي من الشعب المصري يعتبرون الآن من الماضي”.
وأنا أحترم هذا المنطق وإن كنت لا أتفق معه بشكل مطلق، فالقضية هي قضية وجود لا علاقة له بالحجم العددي أو بالتعاطف الديني، وأعتقد أنه ليس من الحكمة، في وضعية كالتي نحياها الآن من المحيط إلى المحيط وتحت تهديد “صفقة القرن”، أن يرفع البعض شعار: إحنا شعب وأنتم شعب، وإن كنت سجّلت ما قاله إعلامي الجزيرة، فيصل القاسم، موجها النصح لمتظاهري الجزائر السلميين: “استبعدوا كل من يرفع شعارات إسلامية، فهم سر نكبتنا في الربيع العربي”، وهي الخلفية المشوهة التي كانت وراء ما قاله مسؤول جزائري سامٍ، حذر المتظاهرين من مصير كمصير سوريا، ناسيا أو متناسيا بأن هذا القول يمكن أن يعني أن الرئيس الجزائري مجرم كالجلاد السوري، وهو، للأمانة، ظلم له ولنا .
وإذا كنت دخلت في بعض التفاصيل، فلأنها كانت جزءا من التعامل مع فكرة المصالحة الوطنية التي أدعو لها وأنادي بها، ومن هنا أشرت إلى قضية الإعدامات، التي ما زلت أتصور أنها لا تحظى بمباركة الأغلبية الساحقة، ليس دفاعا عن شخص بعينه وإنما خشية ارتكاب خطأ لا يمكن إصلاحه.
ولقد أعيد الاعتبار بالأمس القريب فقط لمتهم أمريكي ثبتت براءته بعد أربعين عاما من السجن، ومن هنا رأيتُ عدم التسرع في تنفيذ أحكام الإعدام، فمن الممكن أن يُعوّض سجين عن اغتصاب حريته، أما انتزاع الحياة نهائيا، فبالإضافة إلى ظلمه ومأساوية نتائجه، فإنه سوف يظل عبئا على نفسية كل من عمل على تنفيذه، يُنغّص عليه شيخوخته ويعذبه عند احتضاره، بالإضافة إلى أنه يزرع الشكوك في كل الأحكام القضائية.
وكارثة أن تفقد أمة ثقتها في قضائها، وتردد: قاض في الجنة وقاضيان في النار.
وكان من حق كل قارئ أن ينتقد آرائي إذا كان لديه من المعطيات الثابتة ما لا أملكه، لكن ما أزعجني هو أن البعض لم يحاول مناقشة ما قلته، بل راح يطرح قضايا لا علاقة لها بعناصر الحديث، كأن يقول معلق لا يوُقع باسمه: أنت كاتب جزائري، أين أنت مما يحدث فى الجزائر الحبيبة اليوم، لماذا لا تشرح لنا ما الذي أوصل الجزائر لهذا التصحر السياسي الرهيب ؟.
ولست أدري لماذا لا يُدرك البعض أنني لست من عمال الـ DELIVERY، أو LES TRAITEURS ولا أملك أن أحمل إنتاجي إلى المستهلك الكريم حيث يقيم، وليس ذنبي إذا كان المُعلق لم يتمكن من الاطلاع على مئات المقالات التي تناولتُ فيها أهم القضايا الجزائرية، ومنها مقالات نشرت هنا منذ أواخر الشهر الماضي، بالإضافة إلى نحو 15 كتابا وعشرات البرامج المتلفزة.
شقيق آخر، فرّ من مناقشة الموضوع الرئيسي ولكنه انتهز فرصة اتساع صدر “رأي اليوم” ليُصفي حسابا مع الرئيس بو تفليقه، الذي اتهمه بأنه يدعم “عصابات” البوليساريو في تقرير المصير، وبإنفاق أموال الجزائر على قضية خاسرة !!.
وشقيق آخر انتهز نفس الفرصة ليهاجم الرئيس التركي، متجاهلا أن العالم كله يعترف لآردوغان بأنه نجح في استنفار شعبه ضد الانقلابيين بمجرد مكالمة هاتفية على جهاز محمول، مؤكدا بذلك أنه، وبخلاف قادة “إيطاليا” !!، يحظى بالتفاف شعبه حوله بدون الحاجة إلى استنفار الأمن المركزي.
وشقيق آخر قال :”للأسف، فى قلبي غصّة (سلامة قلبك) لماذا كل الاهتمام “على” مصر وحدها وكأنها محور الكون وباقي الدول العربية تدور فى فلكها رغم أن العديد من الدول تملك إرثا حضاريا و ثقافيا كبيرا مثل مصر، حتى الفنانين وجدنا عشرات المطربين العرب ينشدون أغاني للثورة المصرية في ظل تجاهل تام لثورة تونس″.
ولقد شرحت خلفياتي في الاسترشاد بما تعرفه مصر، وقلت حرفيا، وأنا من بلد لن أنتهز الفرصة لأتباهي بتاريخه وبثورته وبالانتفاضة السلمية لشبابه، إنه، وبالإضافة إلى أن ما يحدث في مصر له دائما اعتبار خاص بحكم موقعها وعمقها التاريخي والحضاري ودورها، إيجابا وسلبا، فيما يعرفه الوطن العربي، فإنها، بحكم الحيوية الفكرية، أكثر البلدان الشقيقة التي وجدت فيها مصادر معلوماتية أحببت أن أشرك فيها من يريد من القراء.
ولن أستعرض للشقيق الكريم ما قلته أكثر من مرة تمجيدا لثورة الياسمين، وخصوصا في ضيافة إعلامية التلفزة التونسية المتميزة “إنصاف اليحياوي” في “قهوة عربي”.
ولقد استشهد أحد الأشقاء بحكاية حريق روما ودور “نيرون” فيه، ومعروف أن هناك آراءً تاريخية ترى أن اتهام الدكتاتور الروماني كانت ظلما وراءه خلفيات مذهبية، وقال بعض المؤرخين إن الحريق كان عملا حضاريا تم به التخلص من البنايات القديمة التي كانت بؤرة للأوبئة الفتاكة، ولست هنا لأؤكد أو لأنفي، فليس هذا هو المجال المناسب.
وبكل أخوة أقول للرفاق بأنني مجرد مثقف يحاول أن يقوم بدور يراه ضروريا في هذا الزمن الرديء، بتعبير السياسي الجزائري الراحل عبد الحميد مهري، ولست أنتظر أن يتفق معي الجميع، وكل ما كنت أرجوه أن نحاول معا التفكير في النهج الذي يمكننا من إخراج أمتنا من هذا المستنقع، حماية لأبنائنا ولجيل لم يولد بعدُ من مصيرٍ كمصير الهنود الحُمر.
وكنت قلت حرفيا بأنني (..) أهدف إلى أمرين، أولهما أن أشجع الجميع بدون استثناء على القيام بعملية نقد ذاتي، وكنت أضع عناصر المعارضة الوطنية في مقدمة من أتحدث لهم، وهو الطريق الوحيد لنفهم سر الإخفاق الذي منينا به على مستوى الوطن العربي كله ووصل بنا إلى الحال التي لا تسر عدوا ولا حبيبا.
وكان الأمر الثاني، والمرتبط بالأول، هو التحذير من مواصلة الخلط بين الجيش الوطني والعناصر المخابراتية التي تستعمل القوات المسلحة كعصا، وبين هذه وبعض قياداتها التي أرادت للجيش عقيدة قتالية استهلاكية متناقضة مع عقيدة أي جيش وطني.
وكنت وما زلت أرى أن تنامي الكراهية بين الجماهير وطلائعها المثقفة من جهة والجيش الوطني من جهة أخرى يحرم الشارع من القوة الأساسية التي تتولى مسؤولية الدفاع عن الوطن، ويجب أن تحمي الشعب في لحظة ما من تجاوزات السلطة.
ويصبح الكره عداء متبادلا يجعل من حُماة الشعب زبانية يُمارسون القمع ضده باقتناع كامل بأنه يفعلون الخير، وهي كارثة كبرى، وكنت أشرتُ إلى الفرق بين استعمال كلمة “الجيش” واستعمال تعبير “العسْكر”.
وأقول وأكرر إنني أريد أن تستعيد كلمة “الجيش” بريقها الوطني الذي أضاعته مصالح الأمن السياسي والقيادات المنحرفة وهي تستعمل القوات المسلحة كفزاعة، ولعل كثيرين لاحظوا كيف أن بعض القيادات العسكرية العليا، يحيط بها، وهي بالزي الرسمي القتالي، رجال أمنٍ بالملابس المدنية، ولعلهم عسكريون أساسا، ولكن مجرد استعمال هؤلاء للزيّ المدني يوحي بأنهم يرون أنفسهم شريحة مختلفة عن بقية “العساكر”.
ومن حقي أن أنزعج عندما لا يتوقف لدراسة هذه المعطيات، التي أراها وراء الكثير من عثراتنا، وإذا كنت أتفهم أن يلجأ البعض إلى استعمال التوقيعات المستعارة لظروف خاصة بهم، لكن أن يُطلق بعض هؤلاء البعض أحكاما قاعدتها كلام مرسل فهو خروج عن إطار الحوار الفكري المثمر.
ولعلي أسجل هنا أنني لم أتلق أي تعليق عدائي مستفِزّ من شباب الإخوان المسلمين، برغم أنني لم أكن رحيما في تناول أخطاء قيادات الحركة، وذلك، في تصوري، تعبير صحّي عن إدراك ضرورة الفكاك من أسْر بعض المواقف المتكلسة.
لكن حكاية رسالة الاعتماد التي أرسل بها الرئيس مرسي لرئيس الكيان الصهيوني، الذي تعترف به مصر، تستحق وقفة عادلة.
فنص رسالة الاعتماد الديبلوماسي هو نص دولي معتمدٌ يرسله كل الرؤساء لكل الرؤساء، وقد حدث هذا معي شخصيا وسبق أن أشرت له، ومن المؤكد أن الرئيس، أي رئيس، لا يقرأ نص الرسالة بتمعن ثقة في مساعديه، وأسمح لنفسي بالتذكير بأن معظم مستشاري الدكتور مرسي كانوا في واقع الأمر من أنصار المرشح الإخواني السابق، ولا أعتقد أن معظمهم أخلصوا النصح للرئيس المختطف، بدليل فرارهم كالفئران من سفينة رأوا أنها توشك على الغرق.
وقد اجتهدت، ولن أترفع عن قبول أجر واحد.
مفكر ووزير اعلام جزائري سابق..رأي اليوم

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012