أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


شكراً لرئيس مجلس النواب الأردني

بقلم : د . علي العتوم
06-03-2019 04:46 AM

مما تعلَّمْناه من آداب ديننا الحنيف، خُلُق الشُّكُر، وهو ذِكْرُ الفضلِ لأهله والثناء عليهم فيه. وهو خُلُقٌ كريم يُحبّه اللهُ ويحبُّ فاعلِيه، ويكرِّمُهم ويتعهَّد لهم أنْ يجزِيَهم عليه خيراً ويزيدَهم من فضله، إذْ قالَ: (وسنَجْزِي الشاكِرِينَ)، وقال: (لئِنْ شكرتُمْ لأزيدنَّكُمْ). ولعِظَمِ هذا الخُلُق سمَّى به سبحانه نفسه وأكَّدَ أنه صفةٌ من صفاته العُظمَى أو اسمٌ من أسمائه الحسنى، فقال تعالى: (إنَّ اللهَ شكورٌ حليمٌ). وقد جاء في الحديث قوله - عليه الصلاة والسلام -: (مَنْ لم يشكُرِ الناسَ لا يشكُرِ اللهَ).
ومعلومٌ أنَّ الشكرَ يكون على صنيعٍ كريمٍ يقومُ به فردٌ أو مجموعةٌ إزاءَ قضيةٍ وطنية أو إنسانية أو دينية. ولا شكَّ أنَّ من أشرفِ القضايا التي نحنُ اليومَ بصدد الدفاعِ عنها والمطالبةِ باستنقاذها من أيدي المفتئتين عليها ظُلماً وعُدواناً، قضيةَ فلسطين التي قد نَعُدُّها في عُرْفِنا قضيةً تحملُ الوجوهَ الثلاثة معاً: الدينية والوطنية والإنسانية. ومن هنا جاءَ شكري لرئيس مجلس النوّاب الأردني على موقفه الشهم في البيانِ الختاميّ الذي صَدَرَ عن مؤتمر اتّحاد البرلمانيِّين العرب يوم الاثنين (4/3/2019م).
ولقد كُنّا تعلَّمْنا في دعوتنا المباركة وما زلنا: أنّنا مع مَنْ يرمي حجراً على الكيان اليهودي الغاصب، ولو كانَ من اليهودِ أنفسِهم، وتعلَّمْنا كذلك فيها: أنْ نقولَ للمحسِنِ أحسنتَ ولو كان مِمَّنْ يُخالِفُنا في التوجُّه، وللمُسيءِ أسأتَ أو هداكَ اللهُ للخير، لأنّنا نحمِلُ في دعوتنا مشعل الهِداية للناسِ، ونُرِيدُ بهم خيراً ونعتقِدُ أنَّ إضاءَةَ شمعةً تُبدِّدُ ظُلْمَةَ أيَّةِ مساحة في هذا الحندِسِ الواسع الذي تعيشُه البشريةُ، أفضلُ من أنْ نروح نلعنُ الظلام ونخبِطُ في الأشباح ذات اليمين أو ذاتِ الشمال!!
إنّه ولا ريبَ موقفٌ شهمٌ لرئيس مجلس النوّاب زميلِنا في المجلس الرابع عشر (2003 – 2007م) ورفيقنا في رحلة الحجّ إبّانَه عام 2005م المهندس عاطف الطراونة، يُذْكَرُ له ويُشكَر عليه، بل يُذْكَر لمجلس النواب الأردني عامّةً ويُشكَر، بل للأردنِّ نفسه على مختلفِ المستويات، أنْ يكونَ ضدَّ مسألة التطبيع مع اليهود المحتلِّين. وهو موقفٌ وإنْ كانَ من واجبِ الجميعِ أنْ يفعلَه، إلاّ أنّنا صِرْنا في عصرٍ تجرّأَ الناسُ فيه على المنكر، وقلََّ الخيِّرُونَ، حتى صدق علينا فيه، قول المتنبّي:
إنّا لَفِي زَمَنٍ تَرْكُ القبيحِ بِهِ
مِنْ أكثرِ الناسِ إحسانٌ وإفضالُ
وذلكَ لتوالي مكر أعدائنا بنا، وابتعادنا عن منهجِ اللهِ القويم وسُنَّةِ رسوله الكريم.
ومن علائمِ هذا التجرُّؤ على المنكر في التعامل مع قضايا تُعَدُّ في ثقافتنا الأصيلة مما يَخُصُّ الشرفَ والعرض والعقيدة كقضية فلسطين أنْ يجنحَ بعضُنا عن سواء الطريق، فيَعُدَّ العدوَّ صديقاً والصديقَ عدوّاً، والشرفَ تسفُّلاً والتسفُّلَ شرفاً، فيُقِرَّ للعدوِّ أنْ يُدنِّسَ مقدّساتنا وينتَهِكَ حرماتنا ويَجُوسَ خِلالَ ديارنا، وكأنّنا ما عُدنا عرباً أقحاحاً ولا مسلمينَ كِراماً، بل لا فرقَ بيننا وبين أعدائنا. ومن هنا – ومع أنَّ كُلَّ المؤتمرِين تقريباً، كانوا مع البيان الختامي برفضِ التطبيع مع العدوِّ الإسرائيلي – ظَهَرَتْ بعضُ الأصواتِ النَّشاز، غير مرتاحةٍ لِمَا أجمعَ عليه الحاضرونَ من مختلف الأقطار العربية.
وإنّه لَمِنْ عجائب العصر التي راحت تبدو في هذه الأيّامِ – ومن بلادٍ كانت تُعَدُّ إلى أوقاتٍ قريبةٍ أشدَّ المجتمعات بُغْضاً للدخلاء على أرضِ الأُمّة وتراثها وكُرْهاً للعملاء لهم – أنِ انقلبتِ الصورةُ فيها وانعكَسَ الوضع، فصارتْ تتنازلُ عن المقوِّمات الأساسية للأمّة والأعراف المتوارَثة على مدى الزمان شيئاً فشيئاً. وهو ما ظهرَ منذُ سنواتٍ وانكَشَفَ هذه الأيام في أرضِ النيل وبلاد ابن ماجد وأرض الحَرَمَيْن، إذْ راحت تخلع ثيابها وتُبدِي عوراتها أمام المجرمين من أبناء صهيون!!
وإذا كانَ قدِ اعترضَ بعضهم على هذا البند في البيان المذكور وفحواه رفْعُ توصيةٍ من البرلمانيِّين لزعماء الدول العربية بأنَّ أحسنَ ما تُدْعَمَ به القضية الفلسطينية، وتُواجَه به صفقةُ القرن أنْ يُحذَّرَ من سياسة التطبيع مع الكيان اليهودي الغاصب، وأنْ تُقطَع العلائق في هذا الشأن من الدول العربية مع ذاك الكيان الذي يسومُ أهلنا في فلسطين شتَّى ألوان الهَوان. وينتهك حرمة الأقصى ويَسُنُّ قانون العنصريةِ اليهودية التي تُقرِّرُ أنّه لا مَكانَ في فلسطين لغير الشعب اليهودي. نعم، إذا كان بعضهم اعترضَ على هذا البند، وأنّه ليس من شأن البرلمانيِّين، فما هي إذنْ وظيفة البرلمانيِّين؟!
يا للهِ للفَهْمِ المتهاوي!! إذا كان البرلمانيُّونَ في بلادنا والنوابُ خاصّةً لا شأن لهم بأمور السياسة ومنها رفضُ التطبيع مع العدوِّ الإسرائيلي، فما الذي من شأنهم إذنْ؟! أَمِنْ شأنهم أنْ يتكلّموا فيما بينهم ولمصالحهم الخاصّة بأسعار الفواكه والخضروات والفُجْلِ والبصل؟! أمْ أنْ يتكلّموا بأمرِ الشرهات والأُعطيات وكثرة السفرات وزيادة المياومات؟! أم بالحصولِ على امتيازات من خطوط المواصلات؟! كيفَ لا دخلَ لهم بأمور السياسة وهم في الأصل، مسؤولونَ عن الساسة أنفسهم؟!
وحَسَناً ما قاله رئيس المجلس لِمَنِ اعترضَ على هذا البند من البيان – ووجوب أنْ يُترَكَ للسياسيِّين -: نحنُ نوّابُ شعوبٍ ولسنا نوابَ حكوماتٍ، وهذا من صُلْبِ واجباتنا وصريحِ أعمالنا، لأنّنا ننطِقُ باسمِ الشعوبِ التي اختارَتْنا لمثلِ هذه المواقع. والشعوبُ العربية بحمدِ الله في مشارق الأرضِ ومغاربها ترفضُ التطبيع مع اليهود، وتُسنِدُ المقاومةَ الفلسطينية للعدوِّ الصهيوني في أرض الإسراء والمعراج، وتُطالِبُ برحيله عن طريق المقاومة والاستمرار فيها حتّى تتحرَّرَ البلاد من أدناسه وأرجاسه.
وإنّني لأُخاطب أولئك النَّفَر من البرلمانيين العرب الذين ما زالوا يجدون الحميميّة في أنْ يكونوا أحلاساً للأنظمة المتواطئة مع أبناء صهيون، بقوله تعالى - وخاصّةً أولئكَ الذين كان عليهم العَشَمُ كبيراً في الجزيرة التي حرَّرَها الإسلامُ من الدياناتِ الباطِلة بنصاعةِ الكلمة وحَدِّ السيفِ - في الآية الأولى من سورة الممتحنة: (يا أيّها الذينَ آمنُوا لا تتخِذُوا عدوِّي وعدوَّكُم أولياءَ تُلْقُونَ إليهِمْ بالمودَّةِ وقد كَفَرُوا بما جاءَكُمْ من الحقِّ، يُخرِجونَ الرسولَ وإيّاكُمْ أنْ تُؤمِنُوا باللهٍِ ربِّكُمْ). وقوله في الآيتَيْن الثامنة والتاسعة منها: (لا ينهاكُمُ اللهُ عن الذينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ في الدينِ ولَمْ يُخرِجوكم من ديارِكُمْ أنْ تبرُّوهُمْ وتقسِطُوا إليهِمْ، إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ * إنّما ينهاكُمُ اللهُ عن الذينَ قاتَلُوكُمْ في الدينِ وأخرجُوكُمْ من ديارِكمْ وظاهَرُوا على إخراجِكُمْ أنْ تولَّوْهُمْ ومَنْ يتولَّهُمْ فأولئِكَ هُمُ الظالمونَ). وهو ما ينطبقُ على اليهود الذين قاتلونا في الدين وأخرجونا من ديارنا وظاهروا على إخراجنا في هذا العصر.
وختاماً أُؤكِّدُ شكري لموقف رئيس مجلس النواب الأردني وللمجلسِ نفسِه في المؤتمر المذكور ببيانه المشار إليه، وإصراره على ما وردَ فيه من أمرِ التوصية بعدم التطبيع مع اليهود، وأُضيف مُسدِياً إليه الشُّكْرَ شعراً بعدَ أنْ أسديتُه له نثراً، بما يقوله أبو الأسود الدؤلي لصاحبه عمرٍو:
سأشكُرُ عَمْراً إنْ تراخَتْ منيَّتي
أيادِيَ لم تُمْنَنْ وإنْ هِيَ جَلَّتِ
فَتَىً غيرُ محجوبِ الغِنى عن صديقِهِ
ولا مُظْهِرَ الشَّكْوَى إذا النَّعْلُ زَلَّتِ
رأَى خَلَّتِي من حَيْثُ يخفَى مكانُها
فكانَتْ قَذَى عَيْنَيْه حتَّى تجلَّتِ
إذا اسْتُقْبِلَتْ منه المَوَدَّةُ أقبَلَتْ
وإنْ غُمِزَتْ مِنْه القناةُ اكْفَهَرَّتِ
أجل، إنّه الشكرُ المكافئ. فـ(هل جزاءُ الإحسانِ إلاّ الإحسان)!! ونطالب بالثبات على مثل هذا الموقف في قابل الأيام، ولكُلِّ حادثٍ قولٌ وحديثٌ ...
السبيل

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012