24-12-2011 08:59 AM
كل الاردن -
الثورات العربية " الربيع العربي":
بدات الثورات العربية بثورة تونس والتي قامت على الظلم والطغيان والفساد في الطبقة الحاكمة, مما ارسل رسالة الى جميع الشعوب العربية وحتى الغربية لتفتح عيونها وتنظر في احوالها, لتجد التشابه الشديد فيما بينها وبين تونس الخضراء, فبدأت الثورة تمتد بلهيبها لتصيب دول الحكم الشمولي والذي اذاق شعوبه الذل والهوان على مدار عقود, وفي نفس الوقت فقد لفتت تلك الثورات انتباه الدول الغربية وعلى رأسها امريكا وحليفتها اسرائيل, فكانت بداية التخطيط لاستغلال هذه الثورات من اجل تحقيق المصالح الغربية او على الاقل ضمان ديمومتها, فبدأ الغرب بالبحث عن شركاء له من ضمن بنية وتركيبة هذه الحراكات الشعبية.
من هنا استطاع الطرف الامريكي الصهيوني العبور للشارع العربي من خلال ثورات " الربيع العربي" والتي قامت اصلا كحركات شعبية بعيدة عن البعد العقائدي او الايديولوجي و مناهضة لانظمة الحكم الشمولي الذي امتازت بالفساد وتغييب الحقوق الاساسية لهذه الشعوب.
وكما قلنا سابقا ان هذه الحركات " تيارات الاسلام المعتدل" امتهنت سرقة منجزات الاخرين, فما شهدناه من موقف " الحركات الاسلامية" في الثورة المصرية, والذي بدأ بالرفض الى الحياد ثم الى ركوب الموجة والتحدث بأسم الثوار وصولا الى حادثة اقتحام سفارة الكيان الصهيوني وحرقها, وعدم مشاركتهم بها الا بعد انتهائها و وصول الحادثة الى الشاشات العربية والمواطن العربي البسيط, , فيظهر هنا مدى براغماتية هذه الحركات وعدم مبدأيتها والتخبط عند مواجهة المواقف السياسية الحرجة, هنا تكمن خطورة هذه الحركات فهي متغلغلة في الشارع العربي ومقبولة نسبيا لدى المواطن العربي الكادح, ولا يوجد لها منازع بين الاحزاب العربية المعارضة, خصوصا اذا نظرنا لحجم التمويل الذي تحصل عليه من هنا وهناك. والاخطر هنا في هذه المرحلة هو سقوط دول الثورات الناجحة في احضان هذه الحركات فها هي ليبيا قد سقطت بأيديهم لتتبعها تونس والمغرب ومصر على وشك ان تسلك نفس الطريق, كذلك فان المؤشرات تفرض نفسها بأن سوريا ستكون سهلة المنال لهذه الحركات. وقد رأينا صور قادة ثوار الناتو مع اصدقائهم الاوروبيين والامريكيين وحتى الصهاينة كبرنارد ليفي الصهيوني واحد مؤسسي مشروع الشرق الاوسط الجديد.
المشكلة هنا تكمن في تقبل المواطن العربي لفكرة التدخل الغربي من اجل اسقاط الانظمة الديكتاتورية, مع غياب البديل الوطني او الفومي في الساحة السياسية العربية, او تشتتهم ونزاعاتهم في احسن الاحوال كما هو الواقع في اليمن وسوريا والاردن, قامت جهات سياسية ودول اقليمية بمحاولة ملئ هذا الفراغ عبر شاشات التلفزة العربية المخترقة والمؤدلجة سياسيا لتسويق هذه الحركات ورسم الصورة لها كبديل عن الانظمة الديكتاتورية وبانها هي من حرك الشارع منذ البداية.
فأصبح نجاح هذه الثورات العربية والتي قامت على ظلم الحاكم المطلق وفساد الطبقة الحاكمة في الوطن العربي, هو الخطر بحد ذاته في ظل غياب الحركات الوطنية التي تستطيع ان ترقى بالحراك الشعبي لتخلق التوازن في وجه هذه الحركات التي تصف نفسها " بحركات الاسلام المعتدل" , فالبديل عن الحكم الشمولي والذي نعيش ويلاته الان سيفرز بديلا اسوأ من الحكم الشمولي. كظهور الحكم الديني غير المبني على قواعد الدين الصحيح ولكنه يستخدم الدين كغطاء, وفي ظل هذا النظام سيكون دور المعارضة شبه معدوم , فالمعارضة تطرح برامجها من مبدأ مخالفة المنهج والسلوك. اما في ظل الحكم الديني فسيتم وصف المعارضة " بالكفر والزندقة" من مبدا ان معارضة الحكم الديني هي معارضة للدين. وقد رأينا بوادر هذا المنهج في مصر, فبدأ الاسلاميين هناك بتوزيع شهادات حسن السلوك واتهامات الكفر لمن لا يتفق مع افكارهم. ولن يكون وصف كتابات نجيب محفوظ " بالكافرة" , اخر المطاف.
راينا في الفترة الاخيرة تصريحات صحفية لقيادات حركات " الاسلام المعتدل" تتضمن ان الهدف الرئيسي لهذه الحركات هو الوصول للحكم, ولم يوضح اي من هذه القيادات ما هو الاسلوب الذي تنتهجه هذه الحركات في الوصول الى الغاية التي باتوا يعلنوا عنها وبكل صراحة, والاهم هو اغفالهم عن طرح برنامج سياسي واضح يبين منهجيتهم في حال وصولهم للحكم, بل يكتفون بالتصريح " بأن لديهم برنامج سياسي واضح" ....!!!
النتائج والحلول:
ظهرت التنظيمات الاسلامية بشكلها السياسي في اوائل القرن المنصرم, ومنذ نشأة هذه التنظيمات وهي في حلقة صراع فكري سياسي مع نفسها لتجد لها مكانا في الخريطة السياسية في الدول التي تواجدت بها, ومرت في مراحل عديدة من الشد والرخي بين هذه التنظيمات وانظمة الحكم, لتستقر في منتصف خمسينيات القرن الماضي كحليف رئيسي للانظمة الحاكمة, ولكن هذه العلاقة ايضا امتازت بموجات من القرب والبعد, الا انها لم تكن علاقة عداء في اية مرحلة, حتى ان هذه التنظيمات كانت تفاخر في العديد من الدول ومنها الاردن, انها من " حمى النظام, وثبت وجوده" , ولم تقف هذه الحركات كمعارض حقيقي للانظمة الشمولية, لا بل كانت تدور في فلكه, ولم تتعرض اي من هذه الحركات لقمع النظام بصورة حقيقية, كما تعرض الوطنيين او اليساريين او حتى القوميين من اعتقالات وتقييد في الساحة السياسية.
فعلى مدار العقود المنصرمة لم تقف التيارات الاسلامية اي موقف يحسب لها, فلم تقف ضد اتفاقية وادي عربة في الاردن على سبيل المثال, ولم تقم التيارات الاسلامية في دورها بالتوعية الشعبية في حقيقة هذه المعاهدة, كما لم يسجل للتيارات الاسلامية اية مواقف حقيقية معارضة لسياسات الحكومة, فعلى سبيل المثال سوف نأخذ الاردن وسلوك التيارات الاسلامية في السنوات الماضية.
ففي العشرة سنوات الماضية امتازت الحكومات الاردنية بالتخبط في قراراتها وانتشار الفساد الى مستويات قياسية وعلى كافة الاصعدة, وكان الاسلاميين في الاردن جزء من التركيبة السياسية في الشارع الاردني, والتزموا الصمت حيال الملفات الكبرى والتي ادت في النهاية الى الحراك الشعبي الاردني, فلم يعارض اسلاميو الاردن برنامج الخصخصة, ولم يقوموا بدورهم المتوقع منهم حيال الفساد الذي رافق هذا البرنامج, ولحقها تغول المخابرات على مناحي الحياة العامة, وكذلك لم نرى موقفا للتيارات الاسلامية, ومن ثم تزوير الانتخابات, والتي لم يشارك بها الاسلاميين ولم يقوموا بدورهم في كشف هذ1ا التزوير ايضا, ونضيف قضايا التجنيس العشوائي وسحب الجنسيات, فلم يكن لهم موقف حيالها ايضا, لا بل كانوا على استعداد للمشاركة في الحكومات الاردنية ولكن بقي موضوع عدد الحقائب الوزارية التي يطالب بها الاسلاميين هو العائق امام مشاركتهم بالحكومات وليس مبدأ المشاركة كمنهج وسياسة..........
واخيرا كانت بداية الحراك الشعبي الاردني, والذي بدأ فعليا بما يسمى " بيان العسكر" والذي صدر في ايار 2010, اي قبل الثورات العربية جميعها, وكان موقف الاسلاميين من هذا البيان هو التجاهل والصمت, فلم يبنوا على هذا البيان او البيانات الاخرى وينطلقوا منها كحركة اصلاحية , بل اكتفوا بدور المراقب فقط, ليتطور الموقف الشعبي بعدها ليصل الى المطالبة بالملكية الدستورية, وكان موقف التيارات الاسلامية موقف سلبي وتعداه للرفض وانكار مناقشة الطرح ضمن تركيبة التيارات الاسلامية, ( من شهر كانون ثاني 2011- الى شهر ايار 2011) , ومن هنا نرى ان التيارات الاسلامية في الاردن كان حالها كحال باقي التيارات الاسلامية في الوطن العربي " متأخرة خطوتان عن باقي الحراك" . ليبدأ حراك التيارات الاسلامية وليحصد جهود باقي مكونات الحراك " بعد ان امنوا العواقب" , وتقدم نفسها كمحرك ومسيّر للحراك من خلال احتلال شاشات التلفزة وتسابقهم على اللقاءات الصحفية والتصريحات التي لا حصر لها.
وهذا الوضع غير المتوازن في الحراك الشعبي لم يكن نتيجة تغول التيارات الاسلامية فقط, بل كان نتيجة ضعف باقي مكونات الحراك من وطنيين وقوميين ويساريين, بالاضافة الى تشتتهم ومنافستهم لبعضهم البعض دون ان يكون لهم برنامج واضح يتم تسويقه شعبيا ويضمن الالتفاف الشعبي حول هذا البرنامج. فتركوا الساحة مفتوحة امام التيارات الاسلامية ليقطفوا ثمار جهود باقي الحراك.....
وتبقى الحلول مزروعة في صلب المعاضل, فللتيارات الاسلامية التي تصف نفسها " بالاعتدال" , نذكر في منهج المصلح الكبير الشيخ محمد رشيد رضا ( 1865-1935) وهو الذي اسس لخطاب اسلامي سمته الاعتدال والانفتاح على الاخر, فذهب الشيخ رشيد الى ان المسلمون لم يفقدوا المنصة التي كانوا يتبوأونها داخل الحضارة البشرية ولم يتخلفوا عن الركب , الا بعد ان تخلوا عن دينهم الحق, وهو الدين الذي يطوي في جوفه كل اسباب القوة والمنعة, ومن هنا كان الحاح الشيخ رشيد على ان يعود المسلمون الى قرآنهم لؤسسوا عليه نهضتهم وتقدمهم, وعلى هذا الاساس فقد كان الخطاب الاصلاحي للشيخ رشيد رضا هو ذا مضمون تربوي ديني اكثر منه سياسيا, انطلاقا من قناعته بأن ما يحتاجه المسلمون في هذا العصر هو معرفة حقيقة دينهم قبل اي شئ اخر, وليس تفريغ الدين من محتواه ليتناسب مع النظرة البراغماتية الغربية للاديان , فنحن بحاجة الى نهضة اسلامية حقيقية تعيد للدين مكانته الحقيقية, وهذا هو دور التيارات الاسلامية في هذه المرحلة لتؤسس للاسلام السياسي الحقيقي والذي يستطيع ان يتولى زمام نهضة الدول الاسلامية من خلال الاسلام الحق بعيدا عن البراغماتية.....
اما التيارات الوطنية فهي ما نستطيع التعويل عليه في هذه المرحلة بعيدا عن الايديولوجيات الحزبية والعقائدية,ولن تحتل هذه التيارات اي مكان لها على الساحة السياسية الا من خلال التوحد , وخلق برنامج وخطاب سياسي يمكن تسويقه شعبيا بعيدا عن الانانية وحب الظهور, فادراك الحركات الوطنية لحساسية المرحلة التي نمر بها, وان اية اخطاء في هذه المرحلة ستكون ذات عواقب وخيمة لن يكون تصحيحها او تجاوزها بالامر السهل, هو مفتاح انطلاق هذه التيارات الوطنية كشريك رئيسي في المرحلة القادمة......
عدنان العطيات