أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


عمر أبو ليلى والزير سالم!!

بقلم : د . علي العتوم
28-03-2019 03:34 AM

أمّا عمر أبو ليلى فهو الشهيد الفلسطيني البطل الذي شَغَلَ ببطولته واستشهاده أياماً الإعلامَ المحلي وربما العالمي، والذي قتلتْه قوات الاحتلال اليهودي الثلاثاء (19/3/2019م) في بلدة عبوين شمالي مدينة رام الله رحمه الله. وأما الزير السالم فهو أحدُ أعظم فرسان العرب قبل الإسلام شجاعةً وإقداماً، وطلباً للثأر بدمِ أخيه كُلَيْبٍ، وعدمِ النوم عنه أنَّى كانتِ الظروف والأسباب. واسمه في الحقيقة عَدِي ولُقِّبَ في مجال الأدب بالمُهلهل لأنّه أوّل مَنْ هَلْهَلَ القصائد أي طَوَّلَها، وبالزير لأنّه كان قبل قيامه للأخذ بالثأر، رجلاً غَزِلاً يتتبَّع النساء ويُلازمهنّ كملازمة الزير (الجرّة) لرؤوسهنَّ، كما أُطْلِقَ عليه في الموروث الشعبي اسم (سالم)، وكُنِّيَ كذلك بـ (أبو ليلى). ومن هنا جاء العنوان ربطاً بين الرجلين في الكُنية والشجاعة.
أجل، إنه الجمعُ هنا للطرافةِ وقد قصدْتُها ولها معضِّداتٌ ومسوِّغاتٌ، وإلاّ فإنّني أستطيعُ أنْ أُشبِّه أخانا عمر هذا الشاب المسلم المتحمس ذا الغصن الرطيب والقَدّ الناضر بأُسامة بن زيد غازي الشام والعائد بغنائمها إلى المدينة، أو بمحمد بن القاسم الثقفي فاتح الهند، بل بأبي بصير الذي خادَعَ آسره المشرك واستلَّ منه سيفَه وقتله به، ومن ثَمَّ كَوَّنَ عصابة فدائية تقطع على قريش طريق تجارتها إلى الشام، وتُنغِّص عليها عيشَها وتقتلُ من رجالها مَنْ تقتل، فيقول عنه الرسول عليه الصلاة والسلام – إعجاباً به وبأصحابه، ومنهم أبو جندل -: (ويلُ أمّه مِحَشُّ حربٍ، لو كان معه رجال)!!
عمر هذا الفتى الذي لا يتجاوز التاسعة عشرة من عمره ابن بلدة الزاوية في محافظة سلفيت بفلسطين، يرى اليهودَ يغتصبونَ أرضه، وينتهكون حرمة المسجد الأقصى، دون أنْ يردعهم عنه رادعٌ من قوةٍ عربية على كثرة الإمكانيات، أو قوّةٍ عالميةٍ تزعمُ حفظَ الحقوق في المجتمع الدولي، ويرى كذلك من أبناء جلدته أصحابِ السلطة مَنْ يتعاونُ مع اليهود على خذلان أهله، فينهضُ كما نهضَ الأوائل من أبناء الإسلام والحاليُّون في هذا العصر من أبنائه أهل فلسطين وغيرهم وما أكثرَهم، ولاسيّما من جيل الشباب المؤمن، ليكونَ سيفاً من سيوف أمّته يسعى لصدِّ زحفِ اليهود على تراب وطنه بما عنده من إمكانياتٍ ماديةٍ ضئيلةٍ يفدي بها وطنه الغالي بأنفس ما يملك وهو روحه العزيزة، فلْتُزْهَقْ في سبيل الله وجسدَه الطاهر فليُمزَّق دفاعاً عن الحياض!!
يا لها من حادثةٍ عجيبةٍ يصنعها هذا الفتى المِغوار، وقد نقلتْها أجهزة الإعلام بالصورة الحيّة، إذْ يقصِدُ إلى مغتصبة (أرئيل) اليهودية في منطقة سلفيت وهي مستعمرةٌ صناعيةٌ من أكبر مستعمراتهم وفيها لهم جامعة، فيهجم على مجموعةٍ من جُندهم هناك فيطعن أحدَهم، وهو متَّشحٌ ببندقيّته، فيُجرِّده منها وحوله عدد من رفاقه يأخذهم الرَّوْعُ فيتبلَّدونَ في أمكنتهم ولا يُحيرونَ شيئاً!! ويمضي فيستولي في طريقه على إحدى مركباتهم ويقودها إلى حيث يتوارى عن أنظارهم، حيث يلجأ إلى بيت متهدِّمٍ في بلدة عبوين. ويطير صواب اليهود وجيشهم الذي (لا يُقهَر) أمام شاب يستولي من جيشه على سلاح أحدهم ويغنَمُ منه مركبته، فيستنفرونَ لمطاردته على مدى ثلاثةِ أيامٍ بإحدى قطعاتهم العسكرية الخاصّة وهي قوة (اليمام) مكوَّنة من ثلاث كتائب مصحوبة بأكثر من أربعينَ آلية عسكرية ضخمة، وقد جاؤوا للبلدة بمظهر باعةٍ للخضروات!!
ولمّا أدركوا موضع كمونه لوشايات وصلتهم، أمطروه بوابلٍ من الصواريخ. وعندما تأكّدوا أنّه – وقد آثرَ المواجهة على الاستسلام - استُشْهِدَ نتيجة توقّف الإطلاق من طرفه، أرسلوا إلى جهته كلباً على رأسه آلةُ تصويرٍ، عرفوا منها مكانه وتأكّدوا من استشهاده. وعندها توجَّهوا نحوه مذعورين، ولمّا رأوه وقد فاضت روحه هدأَ روعهم. وصدق الله العظيم: (ضُرِبَتْ عليهمُ الذلَّةُ أينما ثُقِفُوا ... وضُرِبَتْ عليهمُ المَسْكَنَة).
فانظروا أيها الناسُ، عظمةَ الإيمان بالحقِّ كيفَ يصنع العزَّةَ، ولو من قليلٍ. شابٌّ يهزُّ جيشاً بأكمله ويُقلِقُ كِياناً بأجمعه!! فكيف لو كانت الأمّةُ متّحدةً ورافعةً رايةَ الجهاد، إذنْ واللهِ ما بَقِيَتْ دولةُ الكيان الغاصبِ إلاّ أياماً معدوداتٍ، ولكنّه القصور في المسؤولينَ، وإدارةُ الظهر للدِّين. غيرَ أنَّها حالٌ لن تدومَ. فهذه الأمةُ غالبةٌ بأمر الله، وهذه البقعةُ من فلسطين ستبقى فيها الطائفةُ المنصورةُ من أمثال عمر وأشباهه من إخوانه الذينَ استجابوا لقوله تعالى: (يا أيُّها الذينَ آمنُوا إذا لقيتُمُ الذينَ كفروا زحفاً فلا تولُّوهُمُ الأدبارَ * ومَنْ يولِّهِمْ يومئذٍ دُبُرَه، إلاّ متحرِّفاً لقتالٍ أو متحيِّزاً إلى فئةٍ، فقد باءَ بغضبٍ من اللهِ، ومأواه جهنَّم وبئسَ المصيرُ)، وفهموا قوله عليه الصلاةُ والسلام عندما سأله أحدهم: (أرأيتَ إنْ قُتِلْتُ في سبيل الله، أتُكَفَّرُ عنِّي خطايايَ؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: نعم، وأنتَ صابرٌ محتسبٌ مُقبلٌ غيرَ مدبر، إلاّ الدَّيْن).
إنَّ الأمَّةَ الإسلامية ستبقى محاضِنَ للرجال الأشاوِس والشباب البواسل، وهي منتصرةٌ على غيرها بالعدد القليل والأسلحةِ الضئيلة، ما دامَ فيها الإيمانُ باللهِ نابضاً متوقِّداً وبحقِّها في العيش الكريم بديارها حيّاً متوهِّجاً، ترفدُها به مبادئ الإسلام العظيم. غيرَ أنَّ الخيانةَ التي تظهر خلال ديارها بين الحين والحين من غرباء على الأُمّة دخلاء على هذا الدين مِمَّنْ زرعهم في صفوفنا اليهود المكرة ومن ناصرهم، هو ما يقصِم ظهورنا، إلاّ إنَّ مما يُعزِّينا عن ذلك، ما يُطمئننا اللهُ به في كتابه العزيز من تقبيحه للخائنين وترذيلهم، بمثل قوله تعالى: (إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوّاناً أثيماً)، وقوله: (إنَّ اللهَ لا يهدي كيدَ الخائنينَ)، وقوله: (إنَّ اللهَ يُدافِعُ عن الذينَ آمنوا، إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كفور)، وأنَّ أُمّةً فيها أمثال عمر أبو ليلى هذا لن تموتَ بإذن الله.
ومن هنا فإنّنا نرسلها تحيةَ إجلالٍ وإعزازٍ لرجال المقاومة في فلسطين، وعلى رأسهم حماس التي نُكبِر في هذه المناسبة تأبينها للبطل عمر أبو ليلى على لسان ناطقها الرسمي عبد اللطيف القانوع، من أنّه (كانَ مثالاً لقلبِ الضفّة النابض بالمقاومة، فدَوَّت رصاصاتُه لتحطيم عنجهية الاحتلال بالاعتداء على المسجد الأقصى والقدس وإجرامه المستمر في الضفة المحتلة)، ويُردف: (في الوقت الذي يظنُّ فيه المحتلُّ أنَّ الساحةَ خاليةٌ أمامه لتمرير مخططاته بتصفية القضية الفلسطينية، نهضَ البطلُ عمر كماردٍ يذودُ عن أرضه، معلناً أنَّ الفلسطينيَّ شوكةٌ في حلق الاحتلال لا يُمكِنُ كسرُها)، ويُقرِّر: (إنَّ اغتيال أبو ليلى ما هو إلاّ ثمرةُ التنسيق الأمني وملاحقة الشباب الثائر) أي من تعاون السلطة مع اليهود في هذا الشأن الخطير، ولكنّه يؤكِّدُ رغمَ كُلِّ هذا، أنّه (لن تنطفئَ ولن تتوقف جذوةُ المقاومة الفلسطينية ومواجهة الاحتلال عند استشهاد عمر أبو ليلى، بل ستبقى الضفةُ الغربيةُ وشبابُها خزَّانَ الثورة ووقودَ المسيرةَ، ونبراساً يُضيءُ الطريقَ لكُلِّ الأجيال، ووقوداً للمعركةِ والمواجهةِ مع الاحتلال).
هنيئاً لأخينا عمر أبو ليلى استشهادُه، تتلقّاه الحور العِين بليلةِ عرسٍ في رضوانِ الله وخُلْدِه، وعلى طريق حنظلة الغسيل وعُمَيْر بن الحُمَام ومصعب بن عُمَيْر وسِواهم من السلف ونهجِ يحيى عيّاش ومحمود أبو هنّود وصلاح شحادة وغيرهم من الخَلَف. وهنيئاً لكِ أيَّتها (الزاويةُ) قريتِه وسلفيت حاضرته وعبوين محطَّ استشهاده وكُلّ مدن فلسطين وقُراها، إذْ قدَّمْتِه شهيداً جديداً أرخَصَ روحه فداءَكِ يا فلسطين أيتها الغالية!! ونسأل الله أنْ يصدقَ عليكَ أخي عمر قوله تعالى: (مِنَ المؤمنينَ رجالٌ صدقوا ما عاهَدُوا اللهَ عليهِ، فمنهم مَنْ قَضَى نحبَه ومنهم مَنْ ينتظر، وما بدَّلوا تبديلاً). ومرحى لكَ أنْ أقدمتَ على لقاءِ العدو صابراً محتسباً مُقبِلاً غيرَ مُدبرٍ، فأنتَ من أهلِ الجنّة إنْ شاء الله، كما شَهِدَ لأمثالكَ به الصادق المصدوق في حديثه الآنِف. أما قضيةُ الدَّيْن والتي وَرَدَتْ في الحديثِ نفسه، فسبحانَ الله ما أعظمَ توفيق اللهِ لك وأنتَ تطلبُ في وصيّتك لوالدَيْكَ قضاءَهُ حتَّى تنالَ الشهادةَ كاملةً، وهي: (بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إلى أمّي وأبي الأعزّاء، سامحوني وارضوا عنِّي، فإنّي شهيدٌ بإذنِ الله، والحمدُ للهِ على كُلِّ شيءٍ. أريدُ منكم ألاّ تذكروا محاسني، بل اذكروا مساوِئي ليُسامحني الناس عليها ولأكسِبَ أجرها، ولبعض الناس عليَّ دَيْن فسدُّوه عنّي).
ثُمَّ هنيئاً لك أخي عمر هذه التقديرات من الأعمال والخاطِرات من الأقوال التي نفحكَ بها إخوانك في الله والتي منها قيامُ أحدهم من الأردنّ بعمل عمرةٍ عنكَ، نصُّها: (عمرة عن الشهيد عمر أبو ليلى رامبو فلسطين – سلفيت 20/3/2019م) أي يوم الأربعاء الفائت، وقد كَتَبَها على قرطاسةٍ ورفَعَها مع صورتكَ أمام الكعبة المشرَّفة. أما (المغرِّدونَ)، فهنيئاً لك ما قالوه. ومنها قول أحدهم
وهو فيصل، شعراً:
فليحرقوا كُلَّ النَّخِيلِ بساحِنا
سنظلُّ من فوقِ النخيلِ نخيلا
وليهدِموا كُلَّ المآذِنِ فوقَنا
نحنُ المآذِنُ فاسمعوا التهليلا
نحنُ الذينَ إذا وُلِدْنا بكرةً
كُنّا على ظهرِ الخيولِ أَصِيلا
وبعدُ، فهل جانبتُ الحقيقة وأنا أُشبِّه أخي عمر أبا ليلى اليوم في شجاعته بالزير سالم أبي ليلى بالأمس الذي كان لسنواتٍ خَلَتْ، يُنَوَّه باسمه عندنا في أغاني الأعراس والأفراح لعظم شجاعته، مما يستأهله عمر كذلك في مثل هذه المناسبات. وقد أكرمَ الرسول صلى الله عليه وسلم سفّانة بنت حاتم الطائي وأطلقَ سراحها إعجاباً بكرمِ أبيها وقد عاشَ في الجاهليّة، فقال للمسلمين: (أطلقوا سراحها لكرمِ أبيها، فإنَّ أَباها كانَ يُحِبُّ مكارمَ الأخلاق واللهُ يُحِبُّ مكارمَ الأخلاق). فإذا كان من مكارمها الجودُ، فلا شكَّ أنَّ من مكارمها الشجاعة كما بين أبي ليلى السابق (الزير) وأبي ليلى اللاحق (عمر).
وختاماً، أقول: كم يهدرُ الموجِّهونَ والحاكِمونَ اليوم في بلادنا من طاقات الشباب الواعِد، وهم ينظرونَ إليهم بمنظار التربية الأجنبية، فيُغرِقونهم بالتدليل الكاذِب والإشفاق المريب، لأنّهم في عُرفهم ما زالوا صغاراً على تحمل المسؤوليات، بل أحداثاً وكأنّهم الأطفال، ما داموا دونَ الثامنة عشرة أو هكذا!! وهل كان زيد فاتح الشام وهو ابن خمسَ عشرة سنة، إلاّ قائداً يمشي في ركابه أبو بكر وعمر؟! فيا للهِ كم أضعنا من جهودٍ عظيمة ومَلَكاتٍ مباركةٍ في شبابنا دونَ أنْ نستثمرها بالتربية الإسلاميةِ القويمة للنهوضِ بأُمَّتهم في مختلف المجالات. وهنا أتذكّر بكُلِّ تبصُّرٍ ووضوحٍ – وواأسفاه – قول العرجيّ: (أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ...).
وآخر دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين. السبيل

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
28-03-2019 06:50 PM

* أبدعت سيدي، لا فض فوك.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012