أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


د . البطوش يكتب: كان أردنياً

بقلم : الدكتور بسام البطوش
04-07-2019 04:29 AM

ضم حفل تأبين الراحل طارق مصاروه، الذي نظمته وزارة الثقافة، محبي الراحل وزملاءه وأصدقائه وذويه. تحدث الخطباء من وحي تجربتهم الذاتية مع طارق، عبر سرديات وجدانية، لامست قلوبنا، وحركت مشاعرنا. الخلاصة أننا معشر الحضور خرجنا بحصيلة من المعلومات والتفاصيل الهامة حول شخصية الفقيد، تجعلنا أكثر ادراكا لحجم خسارة الأردن، بفقد كاتب أردني مرموق، وقف في خندق الوطن والأمة على امتداد عقود وعقود، ووظف قلمه وتجربته الاعلامية بتنوعها وثرائها لخدمة الدولة الأردنية، والدفاع عن هوية الأردن الوطنية والعروبية، وتوضيح السياسات الأردنية .

كانت معضلة الأردن، في عقود الزمن العربي الصعب، بتياراته ومعسكراته وتحالفاته المتطاحنة، تكمن في تعمد اساءة تفسير مواقفه وسياساته وغمطه حقه، فكان الاعلام العربي الثوري وغير الثوري، الشرقي والغربي، يشن على الأردن حملات اعلامية منظمة، وظالمة لا تنتهي. وكانت مشكلة الأردن أن ليس لديه أموال توزع هنا وهناك، وليس لديه خبرات في شراء الضمائر والحناجر، وليس لديه موازنات للانفاق على مؤسسات اعلامية كبرى عابرة للحدود العربية، كما أنه لم يلجأ يوما لتهديد وتخويف أحد ممن يشوهون مواقفه، ويتطاولون عليه، في زمن كان فيه الاعلام الأردني قاصرا عن اجتياز الحدود، هذا فضلا عن اختراقات اعلامية وسياسية كثيرة للفضاء الأردني، فلطالما جرى تسخير أقلام وحناجر لخدمة مشاريع سياسية، وأنظمة عربية تتناقض مع الأردن، بل وتستهدفه في بعض المراحل. والأخطر أن عددا محدودا من الكتاب وأصحاب القلم، على ' الساحة الأردنية' كانوا قد حسموا خياراتهم وانتماءاتهم في الأزمات المتلاحقة، للوقوف في خندق الأردن، لكن، مصاروه كان في طليعة من حسموا خياراتهم في خيار واحد، هو خيار الأردن.

كنت من ضمن الآلاف من القراء، الذين ينتظرون مقال مصاروه اليومي الرشيق ' كل يوم' في الرأي، وكنت مع غيري نحسّ فيه نبض الأردن، واتجاهات السياسات العامة، وهموم الوطن والدولة والمجتمع، ونفهم منه مواقف الأردن من مجمل الأحداث الجارية في محيطنا العربي.

لكن قلم طارق مصاروه لم يكن مسخرا للحكومات وتقصيرها وعجزها، أو للدفاع عن ترهل المؤسسات، وبلادة بعض المسؤولين، فالروح النقدية متبلورة دائما في كتابات مصاروه، مما جرّ عليه غضبات متتالية، لكن الدولة الأردنية عرفت كيف تكرم وتكلف طارق عينا ووزيرا، وفي هذا لمسة أردنية هاشمية، لا تخلو من الدلالات.

لم يكن تعلقي في مرحلة الشباب بمقال مصاروه، فقط لأنه كان أنيقا رشيقا خفيف الدم وكامل الدسم، غنيا بالمعلومة والمعرفة والرأي والتحليل، ويسهم في اثراء معرفتي وعقلنة مواقفي، ويثير لدي تساؤلات عميقة، واجابات أكثر عمقا، عبر عقود من المتابعة والتعلم. لكن ما جعلني متابعا لكتابات مصاروه، هو قناعتي بأن ما يقدمه من فكر ورأي وتحليل يصب في صميم المصلحة الوطنية، ويصدر عن اخلاص وانتماء للأردن.

توقفت مليا في حفل التأبين عند كلمات حرم الراحل، السيدة نبيله مصاروه، المفعمة بالعاطفة والدلالات، حينما قالت: أوصاني طارق؛ أكتبي على قبري 'كان أردنيا'! كلمتان تلخصان مسيرة حياة طارق مصاروه، الذي عاش أردنيا، ومن أجل الأردن.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012