أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


«صفقة القرن» حلقة من محطات الصراع

بقلم : زكي بني ارشيد
24-07-2019 05:14 AM

بالتزامن مع إيقاعات صفقة القرن، والزيارات المكوكية لسماسرة الصفقة الأمريكان، يجري تسخين الحالة السائلة في الشرق الأوسط إلى درجة الغليان، ثم التبريد المفاجئ إلى مستوى الاسترخاء، مع بقاء حالة الترقب والتوتر والاحتكاك وقرع طبول الحرب، ما يعيدنا لاستدعاء طبيعة الصراع مع المشروع الصهيوني ومحطات الانعطاف التاريخية في مسار هذا الصراع.
فعلى الرغم من تواصل الشعب الفلسطيني بثوراته المتتالية منذ اللحظة الاولى للاحتلال البريطاني الا ان تلك الثورات أُجهضت بفعل الخذلان العربي و / أو غياب الرؤية الاستراتيجية لإدارة الصراع.
الثورات الفلسطينية التاريخية التي حُوصرت وقُمعت اصبحت نشيداً خالداً ملهماً للشعراء والأدباء ومنعشاً للخيال الوطني، واشواق التحرر والانعتاق.
واخرى استهدفت بالاحتواء لدرجة الانحراف بعد ان فقدت الصبر وقالت: «يا وحدنا» وتاهت البوصلة فأذعنت لمعطيات اللحظة الراهنة وخضعت لقواعد الاستسلام ورضيت بواجب الدور الوظيفي في حماية الأمن الصهيوني كما هو حال الانظمة الرسمية العربية التي خضعت لمقولة أن «اسرائيل» شرٌ لا بد منه -هذا مع افتراض حسن النوايا- ثم تبدلت الخنادق والبنادق، فأصبح الكيان الإسرائيلي صديقاً مقرباً لبعض الأنظمة العربية، وقائداً لناتو عربي لمواجهة الخطر الإيراني، بعد أن نجح في تسويق نظرية العدو البديل، وأصبح حفظ الامن الصهيوني واجبا وطنيا او قوميا من اجل بقاء الانظمة والكراسي.
في ظل هذا التهافت تبرز أهمية العودة إلى البدايات الأولى لنشأة الصراع، باعتباره صراعاً وجودياً، وليس على الحدود والمكاسب وبطاقات vip.
الصراع في نشأته لم يكن من اجل اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ولم تنشأ منظمة التحرير لأجل قيام تلك الدولة على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧.
نقطة البداية وفلسفة الصراع هو دحر الاحتلال وتحرير فلسطين واما البرامج المرحلية والواقعية وما يتبعها من اعتراف وتطبيع وتدجين انما هو تفريط بالحقوق وانحراف خطير من شأنه ان ينتج العربي الجديد الذي يقاتل لأجل «اسرائيل» وحفظ امنها.
هي حرب الارادات إذاً بين مشروع «إسرائيل الكبرى» سيطرةً وتفوقاً وقيادةً، وبين المشروع الوطني والقومي والإسلامي في مواجهة مخاطر صفقة القرن، ورفض الارتهان والتطبيع والتبعية.
وابرز تجليات المواجهة انها حرب الإرادات والادمغة والعقول، الخاضعة لقواعد الإعداد وبناء منظومة الردع (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم).
كعب أخيل «اسرائيل» ونقطة ضعفها الأمن المهدد من فوقهم على الرغم من القبة الفولاذية وخشية من الانفاق التي من أسفلهم، وجيش الاحتلال الذي اعتاد أن يخوض معاركه مع الجيوش النظامية ويحسمها لصالحه بصورة خاطفة ومتفوقة، لا يحتمل الخسائر المؤلمة وحروب الاستنزاف، وهذا هو العنصر الجديد الذي أنتج ثقافة جديدة أصبحت غزة بموجبه شراً لا يمكن تلافيه، فالبحر لم يبتلعها كما تمنى رابين ذات يوم، ولا الإرادة قابلة للانكسار والشعب يتجلى بإبداعاته النضالية كلما اشتد الحصار. والنتيجة لا مفر من تجنب الاحتكاك او الاشتباك معها لأن اهلها أولو بأس شديد.
والولايات المتحدة الأمريكية بعد دورة من الزمان واحتدام القتال مع حركة طالبان، تعود الدبلوماسية الأميركية الى طاولة التفاوض معها، بعد أن فشلت في احتوائها او تطويع إرادتها.
وتتراجع الإدارة الأمريكية أيضا على تصعيد الحرب الاقتصادية مع الصين، ويبادر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بزيارة كوريا الشمالية ولقاء رئيسها، ويتراجع أيضا عن قراره بتوجيه ضربة عسكرية رادعة لإيران، ويحجم عن حماية حلفائه من نيران الحوثي التي باتت تهدد المدن والمصالح الخليجية، ويتشاور مع روسيا من أجل تقاسم المصالح والنفوذ.
هذه هي سنن التدافع، وقوانين الحياة ما يعني أن الفرصة لم تتلاش في قرن جديد يخلو من الصفقة المذلة والتبعية المهينة.
من حق الشعب العربي أن يبحث له عن مكانة بين الأمم، وأن يحلم بنهضة تخرجه من حالة التخلف والانحطاط، وتخلصه من تفشي ثقافة الاستبداد، وتغول سلطة الفساد.
ضاع منا وقت طويل وجهد كبير، وغرقنا في جدال عبثي بين مقولة «كما تكونوا يُولى عليكم»، والشعب غير مؤهل للحرية والديمقراطية، ومقولة «ان الناس على دين ملوكهم»، وأنهم اي الحكام هم سبب الهزائم والتخلف.
ان كانت هذه مسؤولية مشتركة بين الشعوب وحكامها فلا شك بأن القيادات السياسية غير المنتخبة تتحمل المسؤولية الكبرى في تحقيق الحلم العربي بالانعتاق والتحرر والنهوض، وإذا عجزت عن ذلك فأولى بها ان لا تقطع الطريق على غيرها وان تركن إلى الظل، وتعيد الأمانة إلى أصحابها، بعقد اجتماعي ومصالحة وطنية تحقق الطموح وتنجز الاهداف والغايات.السبيل

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012