أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


أنبوب الغاز الروسي الصيني زلزال جيوسياسي

بقلم : حازم عياد
03-12-2019 04:50 AM

دشن الرئيس الصيني تشي جينبنغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم امس الاثنين مشروع انبوب الغاز المسمى «قوة سيبيريا» بطول 3000 كم لربط حقول الغاز الروسية بالسوق الصينية.
الانبوب تم التوافق على انشائه في العام 2014 لنقل تريليون متر مكعب من الغاز خلال الثلاثين سنة القادمة، وبمعدل 38 مليار متر مكعب سنويا، وبقيمة تعادل 400 مليار دولار امريكي، علمًا بأن عملة التبادل التجاري من بيع وشراء ستتم بالعملات المحلية الروبل واليوان الصيني؛ ما يعني ان الدولار خارج اللعبة الجيوسياسية بين الصين وروسيا.
المشروع من خلال تتبع تفاصيله وتدوير زواياه حقق قدرا عاليا من الاستقلال لكل من روسيا والصين؛ اذ وفر للبلدين السوق والمنتج وبعملة محلية وبعيدا عن هيمنة البنوك والمؤسسات والمصارف الاوروبية والامريكية، متحررا من الضغوط والعقوبات والحروب التجارية.
على أنَّ الاهم من ذلك ان المشروع سيعزز التجارة البينية بين البلدين التي ارتفعت قيمتها الى 200 مليار دولار منذ العام 2014، وهو تاريخ توقيع اتفاقية مشروع الغاز (قوة سيبيريا)، بحسب الرئيس الروسي بوتين.
الرئيس الروسي بدت السعادة على وجهه حاله حال الرئيس الصيني؛ فالمشروع واجه صعوبات كبيرة خلال السنوات الخمس الماضية، وتم التشكيك بإمكانية انجازه؛ فبعض التقارير الغربية تحدثت عن تباطؤ صيني في التنفيذ وتنافر ثقافي، وعدم انسجام بين المسؤولين الصينيين والروس، خصوصا العاملين في شركة الغاز الصينية وشركة غاز بروم الروسية؛ امر يفسر الحضور الاستعراضي لمسؤولي الشركتين ولمدراء المشاريع في مظهر المنضبط المنتظر لأوامر التنفيذ وفتح المحابس، فهي رسالة واضحة للمشككين بالانضباط والمثابرة.
مشروع الغاز الشرقي (قوة سيبيريا) تسارعت خطاه على وقع الحرب التجارية التي اشعلها ترمب منذ اكثر من عامين؛ فالسياسة الامريكية المتخبطة زادت من حجم التقارب الروسي الصيني معززة العلاقات بين البلدين، لدرجة اشار فيها الرئيس الروسي بوتين في خطابه الى نقلة مرتقبة في العلاقات الاسترايتجية بين الصين وروسيا، امر اكده الرئيس الصيني المشارك في حفل تشغيل انبوب الغاز من ناحيته ايضا.
المشروع فضلًا عن ابعاده الاقتصادية والتجارية على البلدين، فقد أسس لحقبة جديدة باعتماد العملة المحلية للبلدين، ووفر بدائل معقولة لروسيا تعوضها عن السوق الاوروبية التي باتت تعاني من فيتو امريكي، ومعوقات لاستكمال مشروع السيل الشمالي برفض الدنمارك مرور انبوب الغاز من مياهها الاقليمية نحو ألمانيا، ليفتح الباب لروسيا للوصول الى السوق الياباني واسواق كوريا الجنوبية معوضا عن المعوقات التي تفرضها الولايات المتحدة وعقوبات الاتحاد الاوروبي.
يوفر المشروع للصين في المقابل بدائل عن الغاز القادم من الخليج العربي وافريقيا مرورا بالممرات البحرية في بحر الصين كمضيق ملقة، والخليج العربي (مضيق هرمز)، والبحر الاحمر (مضيق باب المندب وقناة السويس) بل مضيق جبل طارق والبحر المتوسط، ليفتح الافق لممرات برية تسير بالتوازي مع انبوب النفط من سيبيريا ومطة امور لمعالجة الغاز ومشتقاته الصناعية.
المشروع نقطة تحول جيواستراتيجية تضاعف من الاوزان الجيوسياسية لكل من الصين وروسيا ومنطقة شرق آسيا والمحيط الهادي بعيدا عن بؤر التوتر والصراع.
المشروع الروسي للتحرر من القيود والضعوط لا يقتصر على انبوب «قوة سيبيريا»؛ اذ سيفتتح في 8 يناير كانون الثاني العام القادم 2020 الرئيس بوتين والرئيس التركي اردوغان مشروع السيل التركي الذي سينقل 31 مليار متر مكعب في العام من روسيا الى تركيا وشرق اوروبا، وهو مشروع يسير بالتوازي مع مشروع «تاناب وتاب التركي-الأذري» لنقل 16 مليار متر مكعب من الغاز الى اوروبا الغربية عبر ايطاليا مرورا باليونان.
الخارطة الجيوسياسية للعالم تتغير ويعاد تشكيلها على وقع تشغيل انابيب النفط والغاز منازعة الاوزان الاستراتيجية والجيوسياسية للممرات البحرية وحقول النفط في العالم ومن ضمنها المحيط الهندي وبحر العرب والخليج العربي وبحر البلطيق؛ فسهول سيبيريا البادرة ومياه البحر الاسود وشرق المتوسط والادرياتيكي باتت بدائل متاحة بحقولها وانابيبها؛ اذ باتت منافسا قوية وأمرا واقعا لا يقتصر تأثيره على إمدادات الطاقة بل على آليات الدفع والقنوات المالية والمؤسسات المالية، والعملات المتداولة وعلى رأسها الدولار الامريكي.
ما حدث يوم امس على الحدود الروسية الصينية حدث هام وكبير في حجمه وتداعياته الجيوسياسية والاستراتيجية والاقتصادية على المنظومة العالمية بأكملها.السبيل

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012