أضف إلى المفضلة
الإثنين , 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
الإثنين , 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


ماذا بعد تقرير ديوان المحاسبة؟

بقلم : عمر عليمات
09-12-2019 04:12 AM

جاء تقرير ديوان المحاسبة لعام 2018 ليصب الزيت على نار بعض الإشاعات حول هدر المال العام، وتغول المحسوبيات على القرار الإداري، فما كان مجرد أحاديث مجالس أصبح اليوم موثّقاً بتقرير رسمي لا ينكره أحد ولا يطعن في مصداقيته ونزاهته.
ما حمله التقرير من مخالفات تتمحور حول المكافآت الخيالية والترقيات لغير مستحقيها وهدر المال العام وتنفيذ مشاريع بلا تخطيط، يضع الحكومة أمام تحد كبير، إذ أسقط التقرير الحجة الرسمية الدائمة بأن بعض ما يدور في مجالس الأردنيين ليس سوى إشاعات لا تستند إلى معلومات موثوقة، فاليوم لديهم تقرير رسمي مفصل حول حالات لا يمكن أن توضع تحت أي خانة سوى خانة الفساد الإداري، الذي يُعد الأخطر، لكونه ينخر منظومة العمل المؤسسي.
الدول تقوم على قدرة كوادرها وتميز أدائهم العام، وهذا لا يكون إلا بالعدالة الوظيفية، بحيث يرقّى من يستحق ويكافأ من يعمل، لا أن تمنح الترقيات والمكافآت بناء على اعتبارات لا تمت بصلة إلى الأداء بقدر ما هي هبات وأعطيات للمعارف و»المحاسيب»، فهل يعقل أن يرقى موظف وصل مجموع مغادراته الخاصة 284 يوماً، وأن يصرف راتب لشخص متغيب عن عمله لمدة عام كامل؟!.
تقرير ديوان المحاسبة الأخير قد يكون من أكثر التقارير التي حظيت باهتمام إعلامي، ليشكل ذخيرة حية لمن كان يتحدث عن الفساد والمحسوبيات وهدر المال العام، مما يتطلب من الحكومة إطلاع المجتمع على ما قامت به لتصويب المخالفات وإعادة الأموال المهدرة، ومحاسبة المقصرين، وإلا فإن أي حديث عن محاربة الفساد المالي والإداري سيبقى مجرد «منشيتات» إعلامية لا تسمن ولا تغني من جوع.
الوضع الاقتصادي الخانق والإحباط الاجتماعي يحتاجان اليوم إلى ما هو أعمق وأكثر من التصريحات الإعلامية، فما نحتاج إليه هو قرار جدي بفتح كافة ملفات الفوضى الإدارية التي أصابت مؤسساتنا وهيئاتنا، نتيجة وضع الشخص غير المناسب في المكان الذي لا يستحقه، فهل يعقل وضع أشخاص في وظائف قيادية وإشرافية وهم أقل خبرة ودراية من مرؤوسيهم، وهل فكر صاحب قرار التعيين أو الترقية بأن مثل هذه القرارات هي تعزيز للفساد الإداري والإهمال والتسيب، إذ كيف لمسؤول جاء نتيجة فساد إداري أن يحارب هذا الفساد، وهو صنيعته ونتاجه؟.
التركيز على قضايا الفساد الكبرى مطلب ضروري، ولكن لولا الفساد الصغير لما وجدت هذه القضايا، فدائماً ما تبدأ الأمور من أسفل السلم الوظيفي، وهذه ما يعززه عاملان أساسيان هما ترقية موظف دون وجه حق، وموظف آخر ناقم لكونه لم يحصل على حقه، فتكون النتيجة مسؤول غير قادر على التقييم وآخر غير مهتم كونه يشعر بأنه مسلوب الحقوق.
التقرير يوصلنا إلى نتيجة مفادها أن الفساد الإداري هو الطامة الكبرى التي نعانيها، فهو الأساس الصلب للفساد المالي، ودون مراجعة حقيقية لما يجري في مؤسساتنا العامة لن نتقدم في أي مجال من مجالات العمل، فمن غير المنطقي أن نتحدث عن زيادات للرواتب بعشرة دنانير في الوقت الذي يمنح فيه البعض مئات الآلاف على سبيل المكافأة، ناهيك عن الرواتب الخيالية لموظفي الهيئات المستقلة.
الحالات التي تحدث عنها تقرير ديوان المحاسبة غيض من فيض، وما خفي أعظم، والكل يعرف تماماً أن عمليات الرقابة والتفتيش تستند إلى عينات عشوائية، وحين تظهر العينات هذا المستوى من الفساد الإداري والهدر المالي، فإن النتيجة ستكون كارثية لو تمت مراجعة وتدقيق كافة الإجراءات والقرارات التي تم اتخاذها في كثير من مؤسساتنا وجهاتنا الحكومية.الدستور

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012