أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


لغتنا العربية لماذا هذا العقوق؟ وهل من منصف لها؟

بقلم : د. عدنان مساعدة
23-12-2019 04:29 AM

لغتنا العربية ليست بحاجة الى يوم للاحتفاء بها شكليا، في الوقت الذي تشهد فيه لغتنا تراجعا كبيرا وهجرة وعقوق ابنائها لها، لأن عظمة لغة الضاد هذا الوعاء الثقافي الزاخر يُحتم علينا أن تكون لغة البلاغة والبيان حالة مستمرة نعيشها في بيوتنا وشوارعنا ومدارسنا وجامعاتنا وفي المؤتمرات والمنتديات الفكرية والثقافية. ولكن واقع الحال للأسف هو غير ذلك حيث أن أبناءها رموها بعقم، فأصبحت لغتهم ضعيفة وألسنتهم معوّجة فلا قراءة سليمة للنصوص، ولا مراعاة لقواعد اللغة، ولا حياء من ارتكاب الأخطاء اللغوية حتى في مؤسساتنا التربوية والتعليمية وفي المؤتمرات والمنتديات الثقافية ومن خلال المراسلات والكتب الرسمية، كما أن المتابع لمعظم قنوات الاعلام ونشرات الأخبار يشعر بالأسى والخجل معا لما يرتكب من أخطاء في حق لغتنا العظيمة.
ألم يحن الوقت لتنقية لغتنا من الشوائب التي أخذت تغزو حروفها ونطقها ومنطقها وعمقها وبحرها الزاخر الذي يرفض كل تلوث يسهم في وهنها وإضعافها؟ وأمر تنقية لغتنا هو من صلب عمل مجمع اللغة العربية ووزارة الثقافة، كما تناط مسؤولية ذلك بوزارة التربية والتعليم لتفعّل رقابتها الميدانية بمراجعة طريقة تدريس اللغة العربية وأن يقوم بتدريسها مؤهلون يمتلكون المعرفة العميقة والقوية، وخصوصا في المرحلة الأساسية قراءة وكتابة وتعبيرا بأسلوب متميز، لأن من يمتلك ناصية اللغة هو القادر على غرس المفهوم التعليمي والثقافي والفكري بشمولية أوقع تأثيرا لدى المتلقين والدارسين بدرجة أكثر عمقا بعيدا عن ركاكة المفهوم وسطحية التفكير وضعف المحتوى، الأمر الذي ’يؤسس لثقافة أصيلة وفكر مستنير لدى الأجيال ويكرّس ثقافة الوعي بدلا من ثقافة العبث التي تكون كفيلة بإعادة الوجّه المشرق للغة الضاد.
وأذكر هنا، أن فرنسا أعادت تنقية لغتها من كل الشوائب التي دخلت عليها من لغات ولكنات غريبة، وجاء هذا القرار بعد هزيمتها أمام بريطانيا في حرب السنوات السبع حيث اعتبرت سبب الهزيمة ثقافيا وليس عسكريا، فاهتمت بلغتها ونقتها من كل الشوائب وراجعت مناهج الدراسة وصححّت المسار التعليمي في مدارسها فنهضت فرنسا من جديد تعتز بلغتها وهويتها الوطنية التي تشكل اللغة الفرنسية عنوانا لهذه الهوية.
لقد سبق ان كتبت مقالتين حول مبادرة سمو ولي العهد الأمين للاهتمام بلغة الضاد ومنها اقتبس «أن نبع مفردات الضاد لا ينضب ولا يجف لها مداد ولم ولن تهن ما دام هناك سدنة يحمون كينونتها ممارسة صحيحة وتطبيقا راقيا يعكس فكر أميرنا الشاب المحبوب وثقافته واحترامه للغة كتاب الله تعالى».
نعم، لغتنا تدعونا جميعا لنشرب من معينها ماء عذبا فراتا غير آسن، ونستنشق من سمائها هواء نقيّا صافيا ليبقى جسد هذه اللغة سليما معافى من كل مرض أو أذى عن قصد أو جهل، وليبقى قلبها نابضا بشرايين سدنتها وحراسها من القابضين على سبر أغوار بحرها العميق الزاخر بالمعرفة والعلم ونشرها للإنسانية جمعاء.
ونأمل هنا، أن يكون الاحتفاء الحقيقي بلغتنا، وقد عدنا إلى ثقافتنا الأصيلة التي بدأت بكلمة أقرأ بكل ما تحمله من مضمون شمولي، وتحترم الكلمة الرصينة البليغة، لأن اللغة الراقية السامية هي التي تسمو بنا نحو النهضة والتقدم، وهي وعاء الفكر الحقيقي ترفض العبثية وكلّ ما هو دخيل يحاول النيل من عظمة وشموخ لغة الضاد.
* كاتب واستاذ جامعي/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية
عميد كلية الصيدلة سابقا في جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية وجامعة اليرموك
رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012