01-01-1970 02:00 AM
كل الاردن -
د. رضـا مومني
منذ أكثر من عقد من الزمان أخذت تتبدى للناظر وتهمس للسامع ملامح شيء غريب لم يعهده مجتمعنا الاردني من قبل, شيء كان البعض يسميه خلل والبعض الآخرتجاوزات وممارسات عرضية. وكان المحزن في الامر هو ردود الفعل السلبية والتعامل مع هذا الشيء(الظاهرة) بعدم المبالاة من قبل الغالية العظمى من الناس. كنت أقول حينها: يا ناس هذا هو الفساد بحد عينة المذكور والموصوف في معظم المراجع التي تعتني بالشأن الاقتصادي السياسي المجتمعي ,وكان يكون الرد دائما: (مجرد تنظير!!).كنت أقول هذا هو الفساد وان لم نواجهه بالمقاومة والرفض سوف يأتي اليوم الذي سيدخل فيه هذا الفساد كل مدننا وقرانا وأريافنا وسوف يدفع الجميع ثمنه غاليا.
ومرت السنين وجاء الربيع المجتمعي العربي حاملا لضوء الشمس ولهيبها الذي أذاب الثلج فبدت من تحته كل انواع الفساد التي قد يتصورها العقل والتي قد لا يتصورها أبدا ومع ان الكثير من صنوف هذا الفساد كان ماليا ومعظمه فردي بدافع من الطمع وتردي النفوس وانعدام الخلق ,الا ان اكثرة ضراوة وفتكا كان الفساد المنظم والمخطط لة بكل عناية ودهاء .
هذا الفساد المنظم كان له وسائله المختلفة : مالية وسياسية ومجتمعية وأحيانا أمنيه, والغاية منه كانت سياسيةا بامتياز والمستهدف كان الاردن كدولة وكيان قائم .لقد كان هذا الفساد المنظم غايته تفكيك الدولة الاردنية باشاعة الجوع والبطالة والفقر وكسر النفوس العفيفة والتسول.لقد اعتدنا مذ كنا صغارا ان المتسولين هم من النور.ولكننا الآن نرى متسولين من القرى والبوادي والمخيمات وحتى المدن رجالا ونساء ,صغارا وكبارا. هكذا قادنا الفساد المنظم الى الذل والهوان ,وحين تصبح غالبية الشعب ذات نفوس مكسورة فانها سوف تفقد مناعتها ــ عزتها الوطنيةــ ,ولن تعود مهتمة لمن سوف يحكمها وما هي دولتها وماهية هويتها, لأن اهتمامها سوف يكون كسرة الخبز اذ سوف يصبح رغيف الخبز اله يعبد .
ذاك هو الهدف (الشيطاني) الذي عمل ويعمل في سبيل الوصول اليه أصحاب الفساد المنظم, ذلك أنه وفي حل نجاحهم سيكون غاية في اليسر والسهولة توطين كافة الاخوة الفلسطينيين الذين سوف يتم ترحيلهم من الضفة الجريحة ومن سوريا ولبنان والعراق ومن كل مواطن الغربة والشتات,توطينهم في وطنهم الجديد الدائم والابدي ـألاردن ــ.لكي تعيش هذة الدولة الجديدة جنبا الى جنب مع جارتها الحنون اسرائيل الكبرى القائمة على كامل ارض فلسطين وعاصمتها أورشليم.
ان ما أقوله ليس فيضا من الخيال انما هو مستمد نظريا ومرجعيا من بروتوكولات يوسي بلين/عريقات/باسم عوض الله ووثيقة جنيف البحر الميت التي قدمت الى وحازت على مباركة ودعم الآيباك الصهيوني الامريكي كحل نهائي لقضية الفلسطينيين. ولم يكن بالامكان تحقيق هذا الهدف الا من خلال تفكيك الاسس التي تقوم عليها الدولة الاردنية وذلك بتفكيك البنية التحتية التي تقوم عليها اي دولة كانت. وأهم ما في البنية التحتية هذة هو الاقتصاد ودعائمه ممثلة بالمشاريع الكبرى كالفوسفات والبوتاس والاسمنت والاتصالات والمناطق السياحية على البحر الميت وشاطىء العقبة والقضاء التام على الزراعة وانتاج المحاصيل الاستراتيجية .وثاني هذه الدعائم هو التعليم فقد تم افشال كافة الجهود التي بذلت في مجال التعليم الجامعي المتوسط وخاصة المهني منه والذي تقوم علية كافة المشاريع الصناعية والحرفية والزراعية في الدول المتقدمة, اما التعليم الجامعي العالي فقد تم تضخيمة وبعشوائية وبعيدا عن الاحتياجات المجتمعية لكي يتم استنزاف مدخرات الناس المالية ومن ثم الجلوس على قارعة البطالة مع ما يصاحب ذلك من تصاعد حدة العنف المجتمعي وفقدان الشباب لكل معاني الانتماء للدولة والوطن وهذا بالضبط كان وما يزال هو الهدف على طريق تفكيك الدولة على المستوى الاجتماعي عامة والشبابي خاصة, وهل هناك أخطر من ان نسلب الشباب هويتهم وآمالهم بالغد المشرق والوطن المحترم الذي يستحق الدفاع عنه والعمل من اجل تقدمة وازدهارة ,ولماذا على الشاب ان يضحي من أجل وطن لا يملك فيه شيئا ويملكة اللصوص.
أما ثالث هذة الدعائم التي جرى العمل على زعزعتها من القواعد فهي العمل السياسي والحاكمية فلقد استخدمت كافة الوسائل لافراغ العمل السياسي من مفاعيلة من خلال الاختراقات الامنية والدفع نحو تشوية محاولات المأسسة التي تقود الى البرامجية في الطرح السلمي للفكر والفكر الآخر بعيدا عن التسفيه والتخوين وتحويل الاطر الحزبية من اشكال ابداعية تعمل للنهوض بالمجتمع الى واجهات شكلية همها الشخصنة والشللية والمنافع الضيقة ومزاولة نوع مبتذل من الترف العقلي. وكذلك الامر تم افراغ البرلمانات المتعاقبة من أدوارها التشريعية والرقابية من خلال عمليات التزوير الممنهج للانتخابات واستخدام المال السياسي وشيطنة العشائرية خدمة للتستر على حركية الافساد الكبير وانجاح تفكيك الدولة الاردنية.