أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


هل باتت الصين زعيمة للعالم بالرد على انتشار الوباء؟

بقلم : أحمد عبدالباسط الرجوب
04-04-2020 06:19 AM

استيقظ العالم على هشاشة دول كبرى كان يعول عليها في حماية العالم إن هو تعرض إلى غزو فضائي، فإذا بها تسقط عند أول امتحان، يكاد يهزمها فيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية ، … عائلته معروفة وسبق التعامل معه أكثر من مرة وللتذكير فيروس سارس في منطقة هونغ كونغ الصينية عام 2003 ،..
نعبر المحيط الاطلسي غربا … فعندما أعلنت الولايات المتحدة أنها قررت في وقت سابق من شهر مارس / اذار الحالي إغلاق حدودها بوجه القادمين من عدة دول أوروبية، بما فيها إيطاليا، فيما أعلنت الحكومة الصينية بأنها بصدد إرسال فرق طبية ومواد ضرورية إلى إيطاليا البلد الأوروبي الأكثر تأثرا بالوباء ، وفي ذات السياق فقد أرسلت الصين مساعدات إلى إيران وصربيا للغرض نفسه…
الرئيس الامريكي لم ياخذ بالجدية المطلوبة لمواجهة وباء كورونا حتى ان جوقة الاعلاميين المحيطين به قد اعتبروا بان هذا الفيروس خدعة اعلامية ليبرالية والذي على اساسة وافق ترامب على استخدام دواء الملاريا لعلاج هذا الوباء ، وفي ذات السياق فقد واجه الرئيس انتقادات كثيرة خاصة من الديمقراطيين وعلى راسهم نانسي بيلوسي باتهمامها للرئيس ترامب بانتهاجه سياسات متخبطة واتهامة بالفشل والكذب تجاه التعامل مع وباء كورونا… الكثيرين في امريكا والعالم لم يكن يتوقع بأن أمريكا بهذا الضعف في البنيات التحتية أو أنها غير جاهزة حتى بالأقنعة الواقية على اقل تقدير…
وفي اطار تصريحات الغطرسة الترامبية المعهودة والتي صدرت مع انتشار فيروس كورونا فقد هاجم الرئيس ترامب ووزير خارجيته الصين لتقاعسها المزعوم في المراحل الأولى لانتشار وباء فيروس كورونا، . ولكن الناطقين باسم الحكومة الصينية رفضوا بشكل قاطع أي ادعاء بأنهم لم يتحلوا بالشفافية حول الإعلان عما يجري ، وقد دأب الرئيس الأمريكي ترامب على وصف فيروس كورونا “بالفيروس الصيني”، بينما أطلق عليه وزير خارجيته المتشدد مايك بومبيو اسم “فيروس ووهان”، وهي أمور اثارت غضبا حقيقيا في بيجين ، وهنا نقول وفي اطار تزاحم التصريحات المتباينة بين امريكا والصين نستطيع التكهن بان هذه الحرب بين العملاقين ليست حربا كلامية فقط، بل تتخطى ذلك إلى أمر أكثر خطورة..
الشعب الصيني لم يكن في منأى من هذا الاحتدام المتبادل بين الدولتين العظميين وفي غضون ذلك فقد انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين شائعات فحواها أن برنامجا أمريكيا للحرب الجرثومية هو سبب انتشار الوباء، حيث انتشرت هذه الشائعة مثل النار في الهشيم وقد صدّقها عدد كبير من الصينيين ، وعلى الرغم من أن العلماء أكدوا أن بنية الفيروس طبيعية تماما وليست مصنعة…
التحليل والاستنباط …
تعقيبا على ما قدمنا نستطيع القول بأن الولايات المتحدة سوف تخسر هذه الحرب “كورونا” بجدارة في الوقت الراهن على الأقل، ولن يغير هذه الحقيقة القرار الأمريكي الذي أعلن عنه مؤخرا بإرسال عيادة طبية تابعة للقوة الجوية إلى إيطاليا… وهذا الموقف يتعارض مع موقع الولايات المتحدة الرائد في العالم، والذي تبوأته على مدار 70 عاما الماضية، والذي لم يبن على أسس الثراء والقوة العسكرية فقط، ولكن بني أيضا على أساس الشرعية من أسلوب الحكم الداخلي في البلاد وقدرتها على توفير المواد والسلع على النطاق العالمي وقدرتها ورغبتها في حشد الردود الدولية للكوارث والأزمات…
يهدد انتشار وباء كورونا بدفع العلاقات الصينية الأمريكية إلى مرحلة أكثر صعوبة وخطورة ، وقد يؤثر ذلك بشكل كبير على مسار انتشار الوباء وشكل العالم بعد انحساره. فعندما يتم إعلان النصر بالقضاء على الوباء ، سيكون لتعافي الاقتصاد الصيني دور حيوي ومهم في عملية إعادة تأهيل الاقتصاد العالمي المنهار…
امام التزاحم العالمي المحموم لمحاربة هذه الجائحة والتداعيات التي ابتليت فيها الكثير من الدول وعلى جميع الصعد … نقول بان هذا زمن تمتحن فيه الأنظمة السياسية والإدارية لكل الدول إلى أقصى مدى، وستكون القدرة على القيادة ضرورية بل حاسمة، وسيحكم على القادة السياسيين بالطريقة التي تعاملوا بها مع الأزمة والسرعة التي تحركوا بها للتصدي للوباء والوضوح الذي تحلوا به مع شعوبهم والكفاءة التي أبدوها في توجيه موارد بلدانهم للرد على انتشار الوباء…
بعيدا عن الولايات المتحدة ،فقد أظهر هذا الوباء أن الدول متساوية في الضعف، وأن التخلف والتقدم مسألة نسبية جدا، بل إن دولا توصف بكونها متخلفة استطاعت بإجراءات حازمة أن تقلّب من انتشار العدوى ومنها دول مجاورة للصين، فحتى الشعوب التي طالما وصفناها بالتحضر والتمدن لم تكن بالتمدن المفترض وإنما اتسمت أحيانا بالجهل واللامبلاة مانحة الفرصة للفيروس كي ينتشر، شعوب أصابها الهلع منذ أول وهلة واتت سمات التخبط تظهر في تعبئتها لمواجهة هذا الوباء… هل توقعنا دولا اوروبية بهذه الشيخوخة وبهذا الضعف في كل شيء، لا إجراءات استباقية، لا علاجات كافية، ولا قدرة على محاصرة الفيروس؟.. مفارقة غريبة!
صفوة القول … لقد كانت وما تزال الحرب على مكافحة وباء كورونا تحمل رمزية كبيرة، فمن اليسير اتخاذ موقف متشكك في هذه الظروف. فالعديد من الناس يعبرون عن استغرابهم من استغلال الصين لهذه الأزمة لمنفعتها، وخصوصا وأن الوباء بدأ انتشاره فيها حيث كان رد الحكومة الصينية على الأزمة المتفاعلة في ووهان يتسم بالسرية أول الأمر، ولكن منذ ذلك الحين جندت بكين مواردها الهائلة بشكل فعال ومثير للإعجاب فقد استخدمت الصين خبرتها ومعرفتها بوباء كورونا لمحاولة لوضع ثوابت جديدة لعلاقاتها المستقبلية مع الولايات المتحدة وغيرها، علاقات قد تحول الصين إلى “قوة لا يستعاض عنها، ويمكن النظر إلى مبادرات الصين في توفير العون لجهود محاربة فيروس كورونا في دول جوارها – اليابان وكوريا الجنوبية – وتوفير المعدات الطبية الضرورية لدول الاتحاد الأوروبي من هذا المنظار…
ختاما نقول … الحرب المعلوماتية والحرب السيبرانية والدعائية الدائرة خلف الكواليس بين القطبين مستعرة ولها شر مستطير … الصين مصممة على الخروج من ازمة كورونا وموقعها كقوة عظمى معزز بقوة اقتصادية تتكأ على قوة عسكرية متسلحة بافاق التكنولوجيا والمعرفة لا نظير مثلها على المستوى العالمي…
باحث ومخطط استراتيجي
arajoub21@yahoo.com

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012