أضف إلى المفضلة
السبت , 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


زمن الكمامات الملونة

بقلم : د.صبري الربيحات
01-09-2020 06:43 AM

لم يتوقع أحد أن تعجز المعاهد والجامعات وتتعثر مراكز البحوث والمؤسسات الطبية العملاقة في الوصول الى علاج او مصل لهذا الفيروس اللعين. حتى اليوم لم تسفر الجهود العالمية لمحاصرة الفيروس والقضاء عليه عن انجاز حقيقي يذكر سوى اذاعة اعداد الاصابات الجديدة واذاعة ارقام الوفيات والشفاء. على الجانب الآخر هناك عمل لا يتوقف موجه لصناعة وتسويق كمامات جديدة بألوان مختلفة.
في طول البلاد وعرضها لا جديد يذكر سوى التأرجح بين سياسات الابتعاد من وجه الفيروس او الاقتراب من بؤر واخطار انتشاره بمزيد من الحذر. البيانات اليومية تخلو من المفاجآت فغالبيتها تدور حول شروط ارتداء الكمامات واحكام ازالتها وتبديلها. في بلادنا كما في مختلف البلدان الصناعية والنامية يقف الناس على عتبات القنوط في مساعيهم للتحرر من أنماط التباعد التي فرضتها الجائحة والقيود على حرية ونشاط الافراد التي اصبحت قدرا لا مفر منه.
لو أن زائرا من الفضاء وصل للأرض في منتصف العام 2000 وأراد ان يدون ملاحظاته عن البشرية ومظهرها وعادات الناس وسلوكهم لقال إن سكان الارض قد تغيروا كثيرا، فقد اصبحوا يغطون افواههم وانوفهم بقطع قماش مختلفة الالوان ويتجنبون التقارب الذي كان عنوان الود والحميمية.
في كثير من الاحوال لا ترى من وجوه الناس غير عيونهم ومن مسافة غير قريبة يحدق الاشخاص ببعضهم في محاولة للتعرف إلى هويات من يقابلونهم والجميع يتجنب الجميع ومن غير الممكن ان ترى حجم الفرح والضحك والابتسامات التي كنت تشهدها قبل اعوام. اطباء الاسنان يشكون من تدني الطلب على صناعة الابتسامات الهولوودية والنساء توقفن عن استخدام احمر الشفاة الذي يتعارض مع عادة ارتداء الكمامة.
البشرية اليوم مسكونة بإنتاج وتوزيع وارتداء الكمامات ولم يعد لمفردة التكميم “تكميم الافواه” نفس الوقع الذي كان يعني القمع ومصادرة الحرية حيث اصبح المفهوم مرتبطا بالوقاية والسلامة والنجاة. قبل هذا العام لم يكترث احد لارتداء الكمامات ولا معرفة انواعها واشكالها وميزاتها، باستثناء الاطباء ومرضى نقص المناعة وسكان المدن والمناطق الملوثة وبعض العاملين في مصانع الادوية والاغذية كان الناس يستهجنون ارتداء الكمامة وينظرون باستغراب لمن يرتديها.
في مطلع العام ظهرت أولى الاشارات الى امكانية انتقال الوباء واصبح الجميع يترقب تطور المعرفة بأعراض وخصائص وسبل انتقال الوباء ولم يكن احد منا يعرف ما يمكن القيام به فقد بدأ البعض بارتداء الكمامات قبل وصول المرض وخرج علينا من يقول إن بإمكانكم ان تضعوا اطراف الكوفية على انوفكم وافواهكم كما كان يتلصم البدو ايام هبوب الرياح العاتية. في بعض المؤتمرات الصحية أطل بعض الوزراء بكمامات والبعض الآخر بدونها في اشارة الى حالة اللا يقين التي يعيشها العالم وما يمكن عمله لقهر الغزو الوبائي الجديد.
في الصيدليات كانت الكمامات على رفوف الاهمال، كان بإمكانك شراء صندوق يحتوي على خمسين قطعة بدينارين ونصف الدينار، غالبية الكمامات تأخذ اللون الازرق السماوي باستثناء السوداء غالية الثمن والمفلترة التي لا يقوى على ارتدائها الا النخب والتجار فقد يصل ثمن بعضها الى عشرات الدنانير.
اليوم اصبحت صناعة الكمامات رائجة فقد تحولت العديد من المصانع لإنتاج الكمامات والمعقمات والادوات التي يمكن استخدامها للحماية والتعقيم. بسرعة فائقة اصبح الارتداء للكمامات إلزاميا وارتفعت اسعارها لتصبح ثلاثة اضعاف ما كانت عليه قبل الجائحة.
بين رجال ونساء الطبقات الميسورة اصبح من الضروري امتلاك الوان مختلفة من الكمامات لتتماشى مع الوان ربطات العنق والفساتين واصبحت المصانع منشغلة بتصميمات جديدة تناسب اذواق المستخدمين وألوان الملابس المفضلة لمن يمكن ان يظهروا جماليات التكميم في أسوأ الظروف التي تعايشها البشرية.
اليوم سيرتفع استهلاك الاردن من الكمامات الى ما يزيد على 3 ملايين كمامة، وقد يصبح هذا الرقم يوميا على مدى العام الدراسي. الاسر المرهقة ماديا ومعنويا تحتاج الى اضافة بند الكمامات الى موازناتها المتهالكة.الغد

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012