أضف إلى المفضلة
الجمعة , 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
الجمعة , 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


حرب أهلية عربية لصالح العدو!

بقلم : حلمي الاسمر
04-09-2020 12:43 PM

من يرقب ما يجري في الإعلام الشعبي، يوقن أن ثمة حربا أهلية طاحنة تدور رحاها في تويتر وفيسبوك وسواهما من منصات 'التواصل' الاجتماعي، ومادتها الرئيسة اليوم ما يسمى 'التطبيع'، وهي كلمة مستحدثة ودخيلة على اللغة العربية وترجمة حرفية للكلمة الإنجليزية 'normalization' وهي مصطلح سياسي يشير إلى جعل العلاقات طبيعية بعد فترة من التوتر أو القطيعة لأي سبب كان، حيث تعود العلاقة طبيعية وكأن لم يكن هناك خلاف أو قطيعة سابقة!
وبغض النظر عن خلافنا حول صحة توصيف المصطلح في العلاقة مع العدو الصهيوني الذي لن تكون طبيعية أبدا، إلا أنه يهدف إلى 'غسل' جرائم الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وتبييض وجه إسرائيل، حيث يتم نقل كل هذه الأوساخ إلى فلسطين والفلسطينيين وشيطنة المقاومة وحتى شعب فلسطين، وكل ما يمت إليه بصلة، (حتى وصل الأمر في بعض تجليات الشيطنة إلى هجاء الأكل الفلسطيني كالملوخية والمفتول!) وإلى هذا ثمة عمل مبرمج في هذا السياق مادته الأساسية تركيا، في محاولة كما يبدو لإحياء الحلف العربي- الغربي الذي تشكل قبل مائة عام لإنهاء الخلافة العثمانية، وبدا الأمر وكأن هناك عمل حثيث لتأسيس 'حركة صهيونية عربية' منظمة تعمل وفق إيقاع منتظم لغسل دماغ للعقل الجمعي العربي ونقله إلى مرحلة غير مسبوقة من استعمار حديث لم يتفق بعد على توصيف ماهيته لغرائبيته!
ما يثير الحزن الشديد هنا، أن كثيرا من الأطراف المشاركة في الحرب الأهلية، غير مدركة لكنهها وكيفية إدارتها من قبل من أشعلوها، ومن كرسوا لتسخينها جيوشا إلكترونية جرارة لتوجيهها الوجهة التي يريدون، فترى المغردين البسطاء ومستخدمي فيسبوك وقد أصبحوا وقودا لهذه الحرب، وسببا في زيادة أوارها، بل قد يكونون هم أداة في أيدي 'المعلمين' الكبار وضحاياهم في الوقت نفسه!
-2-
تبدأ المعركة ببث فيديو لعربي متصهين يمجد إسرائيل ويشتم فلسطين، وسرعان ما يلتقط 'الطعم' أصحاب الدم الساخن، فيعيدون بث الفيديو، ويعلقون شتما وتحقيرا بصاحبه، فيسهمون في نشره وتداوله وإعادة بثه مرات ومرات، وتتسع دائرة المواجهة، حين يدخل ساحة القتال خبراء في هندسة العقل الجمعي، عبر ما يسمى 'الذباب الإلكتروني' فيلقون بمعلومة هنا وشتيمة هناك، ومقال أو دراسة، كما القنبلة الموقوتة، فيحمى الوطيس وتتسع جبهات المواجهة، والمراقبون السريون في سراديب إدارة المعركة يبتسمون للنجاح الذي يحققونه، وسرعة سريان النار وتساقط الضحايا!
هي حرب بمعنى الكلمة، تستهدف كي الوعي العربي، وإعادة تشكيله، وتحطيم كل التابوهات المقدسة، وهي حرب كلفتها المعنوية أشد وطأة وخسائرها أكثر فداحة من الحرب الحقيقية المادية، لأنها تستهدف ضرب طهارة الوجدان الشعبي وعذرية العقل الجمعي، كي يقبل أو يتعايش مع خيانات فادحة لم تكن لتمر دون تهيئة وتمهيد و'تطبيع' مع الفحش، كل هذا دون إراقة قطرة دم واحدة، غير نزيف الوجدان العربي النظيف وتدمير مناطق الطهر فيه!
-3-
ربما لا يعلم من ينخرط بحماسة من طيبي القلوب في إدارة رحى هذه المعارك، أنها تنفيذ مدروس لسيناريوهات يضعها خبراء في هندسة الجماهير، ويقوم على تنفيذها جيش من المرتزقة يتم تجنيدهم من الشباب العاطل عن العمل، يغرونهم بالمال الوفير، ويخضعون لعمليات تدريب وإعداد علمية، تشبه ما يتدرب عليه الجندي في ساحة القتال الحقيقية، وهناك جهد مشترك بين الأطراف 'ذات العلاقة' بصناعة وإدارة هذه الحرب، سواء كانت تنتمي إلى النظام العربي الرسمي أو إلى 'جيش الدفاع الإسرائيلي!' وكي لا يبدو كلامنا 'وهما' أو جزءا من منتجات 'عقلية المؤامرة' نستذكر هنا دراسة نشرها 'مركز أبحاث الأمن القومي' الإسرائيلي منذ سنتين تقريبا، وترجمتها صحيفة 'العربي الجديد'، تظهر إن جيش الاحتلال يعكف –منذ زمن- على تطبيق إستراتيجية تهدف إلى التأثير على الوعي الجمعي للشعوب العربية والإسلامية، لإقناعها بقبول شرعية 'إسرائيل'، وساحة عمل الإستراتيجية تحديداً الفضاء الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي. ووفق الدراسة، فقد 'عمد جيش الاحتلال إلى تخصيص موارد بشرية ومادية وتقنية، لبناء قوة تكون قادرة على التأثير في هذه الساحة وطوّر أدوات تكنولوجية وعمل على تأهيل قوى بشرية مناسبة للقيام بهذا الدور، ناهيك عن تدشين أطر مؤسساتية تعنى بالقيام بهذه المهام'. واعتبرت الدراسة أن الوجود الإسرائيلي على شبكات التواصل سواء بشكل علني أو سري 'ذخر استراتيجي لإسرائيل يضاف إلى أوجه الذخر التقليدية التي تتمتع بها'. وأوضحت أن 'الإستراتيجية التي يعتمدها جيش الاحتلال في الفضاء الافتراضي تهدف أيضاً للتأثير على الروح المعنوية للعدو والمسّ بها بشكل كبير'.
وتقول الدراسة أن الهدف الذي يتعرض للهجوم لا يعي أنه يتعرض لهجوم يهدف للتأثير على وعي جمهوره، حيث تعمد إلى تقمّص هويات زائفة وغير حقيقية، كما أن هناك نوعاً يشنّ هجمات مباشرة وعلنية عبر نشر محتوى مشحون بالعنصرية والاستفزاز وزاخر بالأكاذيب، لإشعال المواجهات المرجوة!
-4-
مستوى الانحطاط الأخلاقي والوساخة والنتانة عند ذباب وبرغش وهسهس وأفاعي منصات التواصل الاجتماعي المشارك في هذه الحرب يثير الدهشة فعلا، ويكشف عن الوجه القبيح المقزز للأنظمة البوليسية التي تديره وتوجهه، ولا يمثل بالقطع شعوبنا العربية؛ خاصة حين يتعلق الأمر بتمجيد القاتل الصهيوني والتمثيل بجثة الضحية الفلسطيني..
لهذا احذروا أيها العرب من أن يجركم هذا الجيش القذر إلى مناطقه الوسخة والبدء بنهش لحوم بعضكم البعض.. فهذا ما يريده مديرو الحرب الأهلية العربية من حراس خرائط سايكس وبيكو!

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012