أضف إلى المفضلة
السبت , 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


سيدتي الأرض.. عذرًا !

بقلم : رشاد ابو داود
08-09-2020 02:06 AM

نعلم أننا أسأنا اليك. شوهنا وجهك الجميل. اقتلعنا شجرك بيت العصافير وأقمنا مكانها علباً من الاسمنت. أغلقنا علينا الأبواب بالحديد وتفننا بالأقفال والمقابض.أقمنا بين بيوتنا جدرانا، وفي نفوسنا جدرانا وبين كل جدار وجدار..جدار.

جففنا أنهارك وبحيراتك.لم نستمع لنداءاتك. أرخينا لغضب بحارك أذناً من طين ولاصفرار القمح أذناً من عجين. عطشنا حتى جفت حلوقنا وجعنا حتى عز على الفقير الرغيف.

لم نكتف بذلك بل خرقنا سماءك بثاني اكسيد الكربون. أسموها طبقة الأوزون وعبثنا بالتوازن بين مكونات الطبيعة. ركبنا رؤوسنا وطائراتنا وسفننا الفضائية وانطلقنا ليس لأننا نريد الخير للبشرية بل لنتسابق أينا يصل أولاً. وأينا يقتل الآخر قبلاً. ألسنا أحفاد قابيل وهابيل ؟ّ!

ليت الأمر توقف عند هذا الحد. فقد اقتتلنا على أمتار منك. وأسلنا دمنا في شقوقك حتى تورمت آلامك وآلامنا. اخترعنا من الحديد اسلحة قتل ووسائل دمار اسميناها «اف 19، واف 23 ,واف 32، وسوخوي وكلاشينكوف» وغيرها كل يوم جديد لقتلى جدد. هل تعلمين أن الذي اخترع الكلاشينكوف مات نادماً على ما قام به. وان الفرد نوبل مخترع الديناميت كفر عن اختراعه الذي استغليناه للتدمير فأنشأ جائزة لمن لا يستخدمه..كثر يندمون ولكن بعد فوات الأوان.وبعد خراب البصرة.

وعلى ذكر البصرة، هل تعلمين ، يا سيدتي، أن النعمة التي خبأتها لنا في بطنك كانت نقمة علينا؟ فمنذ أن اكتشفوا النفط احتلونا..جاؤوا بجيوشهم وطائراتهم واسلحتهم ليحموا الآبار فاصبحوا هم اصحاب الدار ونحن الغرباء في بيوتنا. سرقوا خيرنا ومالنا و..قمرنا.

لقد استباحوك في عقر دارنا. وفي القدس، سرتك، اقاموا «وطناً» لمن قتلوك أول مرة وقتلوا الأنبياء والأولياء والصالحين والمصلين والمرابطين. وهاهم، ارجلهم في فلسطين وبحرها وعيونهم على مكة. «من الفرات الى النيل ارضك يا اسرائيل»، يتقدمون خطوة خطوة ليس الى السلام، كما ادعى أبوهم هرتزل وعرابهم كيسنجر، بل الى الاحتلال. لم يستطيعوا قتلنا بايديهم، أعطونا السلاح، فقمنا نياية عنهم بقتلنا. وها نحن نتصبب دماً. لم نتعب ولم نعتب على غبائنا.

دعك منا فنحن ضعنا. منذ فقدنا البوصلة التي تشير الى فلسطين تهنا. علينا اللعنة.

لكن لعنتك الآن تحل على من ظنوا انهم اسيادك وأنت عبد لهم. ها هم مختبئون في جحورهم من فيروس لا يرى بالعين اسموه كوفيد-19 واختاروا له اسم دلع «كورونا». باريس لم تعد عاصمة الدلال، نيويورك لم تعد عاصمة المال، واشنطن اصبح بيتها الأبيض أسود، لندن يسودها الضباب لكنه ليس الضباب الناعم الجميل بل ضباب الخوف من الموت، وروما مدينة الحضارة فان تماثيلها ترتدي الكمامات.

يا سيدتي الارض، أبناؤك يبتعدون عن بعضهم مسافة متر ونصف الى مترين لكي لا يقتلوا بعضهم. لا يجدون الهواء الذي كان مجانياً لكي يتنفسوا. كل كمامته على انفه وفمه ويداه مقيدتان بالقفازات « ممنوع الدخول بدون الكمامة والقفاز «..لافتة على باب كل مؤسسة وبنك ومحل ومطعم فلاقل وحمص أو بيتزا.

نحن نعيش في عصر التفاهة، حيث حفل الزفاف أهم من الحب، ومراسم الدفن أهم من الميت، والمعبد اهم من الدين كما قال ادوارد غاليانو. الدستور

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012