29-03-2012 08:07 AM
كل الاردن -
مصطفى إسماعيل التل
(الكيفية التي ستتحرك بها الأطراف المتعددة المتحركة ... هي من سيحدد إلى أي مدى يمكن أن تصبح سوريا وضواحيها حلبة للجهاديين. فالانهيار المحتمل للدولة السورية يزيد بشكل كبير من خطر اندلاع حرب طائفية إقليمية يمكن للقاعدة الاستفادة منها كثيرًا. ومن ثم فإن التحدي أمام أولئك الذين يسعون إلى تغيير النظام في سوريا هو كيف يمكن تخليص البلاد من النفوذ الإيراني بينما لا يتم فتح الباب أمام الحركة الجهادية العابرة للحدود.)
بهذه الفقرة اختتم معهد "سترانفورت " للدراسات الاستراتيجية تحليله للأحداث في سوريا ,
القاعدة أو المجاهدين حسب تسمية بعض الايديولوجيات أو الارهابيون حسب التسمية الغربية والرسمية على مستوى الأنظمة أو المقاتلون الاسلاميون حسب تسمية الكتلة الشرقية , متواجدون ولاعبون رئيسيون في كل دول العالم تقريبا , على الرغم من محاولة إخفائهم إعلاميا أو على الأقل التخفيف من آثارهم على الساحة العالمية .يعبرون الحدود الجغرافية ينتشرون يخططون , ينتظرون الفرصة ومن ثم ينقضون , هذه حقيقة لا جدال فيها .
فالهدف الرئيسي للقاعدة كما هو معلن عنه ومعروف للجميع و أعداء القاعدة اعترفوا به هو (إقامة دولة الخلافة الاسلامية) , ولا يمكن أن تقوم دولة الخلافة الاسلامية إلا إذا سقطت الأنظمة السائدة في العالم الاسلامي اليوم , لأنها (حسب أيديولوجية القاعدة) العقبة الكبرى في طريق تحقيق هذا الحلم .
فهي تنتشر لوجستيا وفكريا , وما يصطلح على تسميته ( الاسلام السياسي ) يعلو ويظهر على سطح الاحداث بوضوح تام , الأنظمة العربية وقفت موقف الدفاع , والقاعدة والاسلام السياسي وقف موقف الهجوم .
فالأنظمة العربية في الأحداث الأخيرة التي استعرت بها الشعوب العربية بدأت تضمحل وتتراجع بشكل فعلي , وذلك مرده لأمرين : الأمر الأول: الصعود الصاخب لتيار الإسلام السياسي، والثاني : تزايد خيبة الأمل عند جمهور الأمة العربية من هذه الأنظمة ومواقفها التي لا ترتقي حتى لرد هيبة الأمة في وجه المعتدي والحفاظ على كرامتها كأمة مستقلة على الساحة العالمية .
فاستراتيجية الجهاديون أو القاعدة في العالم الاسلامي تتركز في باديء الأمر على توتير العلاقات الخارجية للدولة المستهدفة , وبالتالي خلق نوع من الاضطرابات الداخلية الناتجة عن توتير العلاقة الخارجية , ومن خلال هذه الاضطرابات تبدأ القاعدة بفعلها في الداخل والخارج على حد سوآء, للوصول للنتيجة النهائية وهي سقوط النظام في هذه الدولة أو تلك , وبالتالي حدوث فراغ سياسي يمكن استغلاله وبكل سهولة لتحقيق الهدف , كما حصل ويحصل في باكستان واليمن وليبيا .
الساحة السورية بدورها ليست معزولة عن الأحداث , وليست معزولة عن فكر قادة القاعدة ولا عن القادة الاستراتيجين للقاعدة .
بدأت التحضيرات للساحة السورية منذ زمن ليس بالبعيد , فالقاعدة كفكر ومجموعات مسلحة وخلايا متواجدة في سوريا كما غيرها من الدول , ولكن المقاتلين المنضوين تحت أدبيات القاعدة لهم استراتيجات مختلفة تماما عن المجاميع الأخرى التي تنتهج نهج حرب الاستنزاف وحرب العصابات , فهم يتميزون بشدة بنائهم العسكري الداخلي , وبشدة التعتيم على تواجدهم , ويمتازون بعدم الظهور اعلاميا حتى تحين الفرصة المناسبة ويتمكنوا من الأرض التي يسيطرون عليها.
من هنا لا يمكن الجزم أن القاعدة غير متواجدة في سوريا , بل على العكس من هذا يرى وزراء دفاع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية أن القاعدة متواجدة بقوة على الأراضي السورية وبدأت بالعمل فعلا , سُئل وزير الدفاع الأمريكي ( بانيتا) في مؤتمر صحفي: “كيف يمكن أن تعرف الولايات المتحدة بمن تضع ثقتها، بينما يقوم تنظيم القاعدة بزرع المتفجرات في سوريا، وربما من دون علم المعارضة؟ وأجاب: “وجود القاعدة في سوريا وسعيها لتأكيد وجودها هناك أمر يثير مخاوفنا، لقد أصبح الوضع أكثر خطورة نتيجة لذلك”.
ورداً عما إذا كانت الولايات المتحدة يمكن أن تدعم المعارضة التي تشمل تنظيم القاعدة، أجاب بانيتا ان على الولايات المتحدة معرفة المزيد عن دور الشبكة الارهابية قبل التوصل الى نتيجة، مضيفاً: “مجرد وجودها في سوريا يثير مخاوفنا، وأعتقد أنه ما زال علينا أن ننتظر لنرى”.
مدير الاستخبارات الاميركية (جيمس كلابر) قال أمام الكونغرس ان “تعقيدات” في المعارضة سوف تؤثر على أي نقاش حول تقديم المساعدة للسوريين. وفي تقييم مفاجئ، قال كلابر ان “المتطرفين تسللوا إلى المعارضة مثلما يدعم الإيرانيون نظام الأسد”.
واعتبر أن التفجيرات التي حدثت مؤخراً في سوريا واستهدفت مبان حكومية تحمل “بصمات تنظيم القاعدة في مثل هذا الهجوم”، واضاف “نعتقد ان تنظيم القاعدة في العراق يوسّع نطاق عمله ليصل إلى سوريا”.
واعتبر الخبير التونسي في القانوني الدولي الاستاذ الصادق بلعيد أن مؤشرات "التصعيد عسكريا في سوريا " تتضاعف ..بعد اعلان مسؤول كبير في البنتاغون ان " القاعدة دخلت على الخط " وان " مقاتلين من تنيظم القاعدة يقومون بدور عسكري " في عدد من المدن السورية .
العميد الصادق بلعيد اعتبر ان هذا التصريح ـ الذي يستبق زيارة قد تقوم بها وزيرة الخارجية الامركية هيلاري كلينتون الى المنطقة وبينها تونس التي ستستضيف مؤتمر اصدقاء سوريا ـ قد يكون " تمهيدا لاعلان واجب التدخل العسكري الدولي في سوريا ردا على تنظيم القاعدة والتنظيمات المسلحة الاجنبية التي تتحرك في سوريا " انطلاقا من تركيا والعراق وربما الاردن.
يؤكد على هذا معهد ( ستراتنفورت ) للدراسات الاستراتيجية في معرض دراسة له بعنوان ( الجهاديون وسباق الفرص في سوريا ) بقوله :
(وسواء بالتدخل الأجنبي أو من دونه، فإن العناصر الجهادية بالمنطقة لديها مجالاً واسعًا للمناورة في سوريا. ويعد أكبر تواجد إقليمي للجهاديين هو القائم عبر الحدود السورية في العراق. وكانت هذه القوى قد استفادت من قرار دمشق دعم المقاومين السنة ما بين عام 2003 إلى 2007. إلا أن تعزيز السلطة الشيعية في العراق أضعف تلك القوى على نحو كبير. أما في الوقت الراهن بينما تتفكك سوريا وتتشكل المقاومة المسلحة المناوئة للنظام، يغير التدفق الجهادي مساره حيث تدخل العناصر الجهادية حاليًا إلى سوريا قادمة من العراق.)
ويضيف : (وسعى تنظيم القاعدة في العراق إلى تكريس حالة الحرمان التي يعانيها العراقيون السنة على أيدي الشيعة، غير أن التنظيم يتطلع في الوقت الراهن إلى مساعدة السوريين السنة على تعزيز أنفسهم على حساب العلويين؛ المدعومين من قبل إيران. وعلى الأرجح تحاول القوى الجهادية التي على مرمى حجر من سوريا استغلال عدم شعبية النظام العلوي بين المسلمين السنة كوسيلة لكسب موطيء قدم لها في سوريا).
من هنا فإن إنزلاق سوريا نحو حرب طائفية هو مطلب للقاعدة أولا وأخيرا , ويمكن أن يمتد الصراع إلى الساحة اللبنانية على الأرجح لتهيئة الجو العام لأدبيات القاعدة بتصفية الحدود بين البلدين وبذلك تكون لبنان وسورية ساحة واحدة في هذه الحرب , ليستفيد التنظيم من الدعم اللوجستي من تنظيمات تحمل فكر القاعدة أو قرية منه تعمل على الساحة اللبنانية ولها خبرة كبيرة في حرب العصابات وحرب الاستنزاف , فضلا عن خبرتها بطبيعة الشعب والأرض , مما يتيح لعناصر التنظيم بالتحرك بحرية بين البلدين إن لزم الأمر , وهو بهذا يشاكل الحالة الباكستانية الأفغانية الآن .
فانهيار الدولة السورية من شأنه أن يتيح للعناصر الجهادية مساحة واسعة للعمل فيها تمتد من لبنان وحتى العراق، كما يضعهم على مسافة قريبة جدًا من الأردن وفلسطين وهو أفضل مسرح عمليات يمكن أن يأمله الجهاديون. بالرغم من ذلك، فإن طبيعة قدراتهم- والتي يمكن على أساسها تحديد مدى الضرر الذي يمكنهم إلحاقه بالشام والمنطقة المحيطة بها- لا تزال غير واضحة.
تعقيدات المشهد على الساحة السورية من الجانب الدولي وتصارع الأقطاب فيها فيلخصها التقرير السابق كما يلي :
تأتي الاضطرابات السورية في وقت تتزايد فيه حدة التوترات الجيو سياسية والطائفية في المنطقة، فيما تسعي إيران وحلفائها من الشيعة العرب إلى تحقيق امتيازات في البلدان العربية ذات الغالبية السنية.
أما بالنسبة لطهران ووكيلها غير الرسمي، المتمثل في جماعة "حزب الله" الشيعية اللبنانية، فإن بقاء النظام العلوي في سوريا- والذي يدين في بقائه حتى الآن إلى إيران- أمر بالغ الأهمية. فكلٍ من إيران و"حزب الله" لديه تواجد عسكري داخل سوريا يعمل على مساندة دمشق في محاولاتها لاحتواء الانتفاضة الشعبية. وهو ما يشكل مصدر قلق كبير لأصحاب المصالح بالخارج، لاسيما المملكة العربية السعودية. حيث تعتبر الرياض هي اللاعب الإقليمي الأكثر حماسًا لرؤية تغيير النظام في سوريا من أجل تقويض التهديد الذي تمثله إيران.
من جانبها، تجد حكومة العراق الموالية لإيران حافزًا قويًا للتأكد من عدم قدرة العناصر الجهادية في العراق على نقل تمركزهم إلى سوريا. فبغداد تعرف جيدًا أن انهيار النظام السوري من شأنه أن يؤدي إلى إحياء المقاومة السنية ضد الشيعة؛ وهو آخر شيء يرغب شيعة العراق في رؤيته.
وترغب كلاً من الولايات المتحدة وتركيا في ضمان عجز القاعدة عن اختطاف الانتفاضة السورية. لكن واشنطن وأنقرة ليس لديهما الأدوات اللازمة لضمان ألا يشق الجهاديون طريقهم عبر الحدود السورية مع العراق، والأردن، ولبنان.
ويتفق السعوديون مع هذه الرؤية؛ غير أنه نظرًا لكونهم بعيدين إلى حد ما فإنهم ربما لن يمانعوا في حدوث ما يكفي من الفوضى لإسقاط النظام السوري؛ الذي هو أقرب حليف عربي لإيران.
ويخشى الأردن بشدة من تداعيات الوضع في سوريا في الوقت الذي يتعاطى فيه مع اضطرابات متصاعدة داخليًا، كما أن لديه اهتمام قوي للتأكد من أن العناصر الميليشية الإسلامية على أرضه غير راغبة في دخول الصراع السوري. في الوقت نفسه، فإن لبنان قد تنزلق إلى صراع طائفي، لاسيما مع تضاؤل قدرة سوريا على الاحتفاظ بنفوذها هناك، فيما يرى السعوديون فرصة سانحة ويشعر الإيرانيون بأن موقفهم بات معرض للخطر.
فبالنظر إلى موقع سوريا الإستراتيجي على مفترق طرق العديد من خطوط الفصل الجيوسياسية، فإن انهيار الدولة السورية قد يؤدي ببساطة إلى صراع إقليمي. ويعارض معظم أصحاب المصالح فكرة التدخل العسكري الأجنبي في سوريا لهذا السبب على الأخص. وتضع العديد من الدول نصب عينها الهدف الإستراتيجي المتمثل في إضعاف إيران من الناحية الجيوسياسية من خلال الإطاحة بالنظام العلوي في سوريا، غير أن حتى ذلك الاحتمال قد لا يكون كافيًا للتعويض عن التكاليف المحتملة.