أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


بالأمس مُريد ..والقمر..والنجمات..ساروا إلى رضوى

بقلم : الاعلامية دعاء العبادي
17-02-2021 05:47 AM

من سيقول للجيل القادم بأن الأساطير ليست بالضرورة خرافة... وأنها من الممكن أن تقترن ببعضها البعض لتنجب أديباً لا تتحمل كلماته قوافي الشعر وبحوره ..وأنه ذات يوم عاش بيننا أديب بحجم مريد البرغوثي وزوجته رضوى عاشور لينجبا للعالم تميماً حسناً خلقاً وخُلقاً وشعراً ونثراً وأدباً.
مريد البرغوثي الذي أضاء الكون بصوته الدافئ، ساعياً من صفا المعمورة إلى مروها قاطفاً من رياض المفردات أعذبها، مرتحلاً بقصائده وحكاياته بين رام الله والقاهرة وبيروت وإيطاليا، بنبرة حانية ولغة دقيقة تتجنب المشاعر المصطنعة وردات الفعل المتوقعة.
مريد البرغوثي الذي فارقنا عن عمر يناهز 12 ديواناً شعرياً ونصّين نثريّين ..‎أُعلن قبل أيامٍ في عمان عن وفاته شاعراً فلسطينياً وقومياً عربياً
‎لا أعرف على وجه اليقين ما الحكمة القدرية في رحيله يوم عيد الحب ...
ربما لملاقاة حبيبة له استبقت الرحيل بأعوام.. فما أعرفه يقينا أن قصة مريد وزوجته الأديبة رضوى عاشور تكاد تكون أعظم قصة حب عرفناها يقيناً واقعاً لا خيالاً مسترسلاً.
‎تلك القصة التي كبرت على سلالم كلية الآداب بجامعة القاهرة بين جبلين من أعظم ما سيراه الأدب العربى ..حين أتى ُمريد قادماً من قرية دير غسانة قرب رام الله بالضفة الغربية، ليلتقي بزوجته الناقدة والأديبة والأستاذة الجامعية والسياسية المصرية رضوى عاشور صاحبة «ثلاثية غرناطة» التي فارقتنا في نوفمبر 2014، ويكون ابنهما الشاعر تميم البرغوثي نتاجاً غير طبيعي وعبقرية الخلق الإلهي لقصة حب امتدت ?? عاماً.
في بيروت تعرف مريد البرغوثي على غسان كنفاني الذي لم يمهله الإسرائيليون كثيراً ليغتالوه عام 1972م ليكتب فيه رثاءاً عذباً وحزناً حقيقياً....
(يتتابعون على جسور الحلم، أجدادي، وجوه أحبّتي، وتناقضُ الكلمات والمِرآةِ، مدّي لي يديكِ ، وأَرْجِعي «غسّـانَ».. لا فالموت لن يرضى وأحياءٌ كِثار ).
«لم أكن ذات يوم مغرما بالجدال النظري حول من له الحق في فلسطين... فنحن لم نخسر فلسطين في مباراة للمنطق! لقد خسرناها بالإكراه و بالقوة».
هذا ما كتبه الراحل في روايته «رأيت رام الله» فقد كان يراها بعين خياله كل يوم وساعة ..وهو الذي أُكره على الرحيل منها قسراً لا رضاً لم يعد بعدها إلى مسقط رأسه لمدة 30 عاما....واصفاً إحساسه بعدها بالاقتلاع من بلده.. هذه الرواية أكسبته جمهوراً عريضاً يليق بما يكتب كما وصفت بأنها واحدة من أفضل الروايات الوجودية عن تهجير الفلسطينيين.
‎» أتلمَّس أحوالي منذ وُلدتُ إلى اليوم، وفي يأسي أتذكر، أن هناك حياة بعد الموت، هناك حياة بعد الموت، ولا مشكلة لدي»
‎هذا النص الذي قرأته أنت في إحدى أمسياتك مودعاً ووادعاً مستقبلاً الموت ومسلماً به.. نقرأه اليوم على روحك ..مؤمنين بقضاء الله فلكل شئ اذا ما تم نقصان...وقد عرفت أنت بذلك مبكراً لقد فهمت اليوم بأن المشكلة برحيلك ستكون عندنا تماماً مثلما ستكون عند ابنك تميم..فالحزن مكتمل..والفقد مُجتزء..والوجع واحد..
اليوم واليوم فقط.. عرفت مقصد تميم البرغوثي عندما قال : «عاد الحر للحرة»، اليوم واليوم فقط وجد مريد الذي احترف الغياب مأواه الأخير ، اليوم لن يردد مريد : « أنا لا سرير يدوم لي، لا سقفَ يألفني طويلًا، أما الأحبة لست ألمسهم، وإن قالوا (الإقامةَ)قلت بل قصدو (الرحيل) «
اليوم لن تستطيع أي سلطة دنيوية من إصدار قرار الترحيل ، رحلت منا إلى رضوى ُمعرضًا عنّا.. فاستقبلي يا رضوى مريدك.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012