أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


من خارج الصندوق .. قليلاً

بقلم : مالك العثامنة
22-04-2021 12:46 AM

قبل زمن «كورونا»، كثيراً ما نسافر كأسرة بالسيارة من بلجيكا إلى هنغاريا، ومن مدينتي إلى بودابست نمر في هولندا وألمانيا والنمسا قبل أن ندخل الحدود المجرية في رحلة تأخذ منا يوماً كاملاً مع محطات توقف ونوم أينما أردنا وبحرية.

زوجتي غالباً تتولى قيادة السيارة، وأنا أقضي الوقت بالحديث أو القراءة، وحين نمر بجانب مدينة ما مثل نورمبرج مثلاً في ألمانيا، أبدأ باستعراض معلوماتي التي أسندها بما يتيسر من «العم جوجل» عن تاريخ المدينة وأحداث الزمن المهمة فيها، ونورمبرج مثلاً، شهدت المحاكمات الشهيرة للنازيين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

حينها أدخل في تأمل بصوت مرتفع، عن الحرب والسلام، وكيف استطاعت أوروبا أن تصل إلى قيمة السلام المطلق كفكرة للعيش المشترك ضمن منظومة قيم إنسانية تفوقت في النهاية على لغة الدم والموت، نراقب في الطريق تلك المساحات الجميلة الخضراء والتي تغطيها الجسور أو أعمدة مراوح توليد الطاقة أو مباني المصانع النظيفة بيئياً، وكم شهدت تلك المساحات نفسها حروباً دموية طاحنة، وكم شرب ترابها من دم الإنسان.

في زيارتي للدنمارك قبل سنوات، حدثني مضيفي الدنماركي في كوبنهاجن عن أنهار الدم التي ملأت الطرقات في عام 1500 ميلادي، في حروب بشعة ومجازر لا توصف مع جيرانهم السويديين.

ذهلت طبعاً، من يصدق أن هذه الشعوب المسالمة جداً حد الوداعة كانت لا ترتوي إلا بالدم، ولا ارتواء.

لقد دفعت أوروباً أثماناً باهظة في حروب بينية ودموية سالت فيها الكثير من الدماء، وتصاعد فيها دخان الحرائق والغضب، وكان ضحيتها دوماً الأبرياء من الناس حتى وصلت إلى معادلة الإنسان والعيش المشترك ضمن منظومة قيم أخلاقية تحترم الإنسانية بمعناها الأسمى، وجعلت الكرامة الإنسانية حقاً يولد مع أي شخص مثله مثل حق التنفس.

أعيش هذا كله في مهجري كأوطان جديدة وأتلفت خلفي إلى مشرقنا المتعوس بالأزمات والمتطرفين والشيطنة. وأتساءل كثيراً عن تلك التكاليف التي لا يزال الأبرياء والمغفلون قادرين على تحمل دفعها من حياتهم في حروب ونزاعات يمكن لها أن تتوقف لو تم تعميم الوعي بالإنسان.

هناك إرث ضخم وهائل وتراكمي من التاريخ «المقروء بزاوية واحدة دوماً» والعادات والتقاليد والموروثات التي تم إقحامها في خانة المقدس، كلها تجعل الرؤية معدومة، وهي رؤية مطلوبة لتفتح الوعي الإنساني على الكرامة الإنسانية والإنسان المطلق بإنسانيته، ذات الإنسان «بمطلقه» الذي جعله الله في الأرض خليفة، لا خلافة «عصبوية» دموية ضيقة.

العالم الآن يتغير من جديد، والعلاقات الدولية تعيد تموضعها من جديد في كتل تعاون إنساني مشترك وحّدتها جائحة كورونا على حقائق لم يكن يراها أحد، والطبيعة الأم ترسل رسائلها التحذيرية، والبشرية قد تغيرت أنماط سلوكها والشرق الأوسط المأزوم أمام فرصة ليصبح شرق متوسط خالٍ من الأزمات، عنوانه تقاطع المصالح لا تضاربها.

ربما نحن في ذلك المشرق بحاجة إلى تفكير استثنائي من خارج الصندوق. فحين تكون أسيراً داخل الصندوق، فتلك ليست مشكلة الصندوق أبداً.

(الاتحاد الاماراتية)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012