أضف إلى المفضلة
الخميس , 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
شريط الاخبار
بحث
الخميس , 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


حروب المياه ( 2 )

بقلم : اسماعيل الشريف
09-05-2021 02:26 AM

«يسرقون رغيفك ثم يعطونك منه كسرة ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم، يا لوقاحتهم»، غسان كنفاني.
إن أدبيات «الرجل الأبيض» قائمة على إشباع الرغبات بدون أي ضمير، ولتحقيق ذلك سُرِقت موارد وخيرات الدول الضعيفة، وهنالك مِن علماء الاجتماع مَن يقولون بأن الثورة الصناعية لم تكن لتتحقق لولا الرخاء الذي ساد أوروبا بعد أن قامت باستعمار وسرقة خيرات العالم.
ثم أخذ الاستعمار أشكالًا جديدة، اقتصادية وثقافية واجتماعية، وسُمي بالاستعمار الناعم، ولكن إذا ما فشل الاستعمار الناعم في تحقيق أهدافه، فسيأتي دور بساطير الجنود التي سوف تدوس على الدول المتمردة. في القرن العشرين كان محور الاستعمار هو النفط، فسيطرت القوى الاستعمارية - وعلى رأسها الولايات المتحدة - على الدول المنتجة للنفط وطرق شحنه، وخاضت حروبًا شرسة من أجله.
ثم بدأت أهمية هذه السلعة بالضمور، فالولايات المتحدة أصبحت أكبر منتج للنفط في العالم، وتم اكتشاف تريلونات الأمتار المكعبة من الغاز، وأصبحت الطاقة الأحفورية عبئًا على البيئة، وساهمت في التغير المناخي الذي نشهده، وانتعشت الطاقة البديلة، وجاءت الثورة التكنولوجية الرابعة التي أدت وستؤدي إلى زيادة البطالة كلما احتلت الآلة وظيفة أخرى للإنسان، فكان لابد من إيجاد سلعة جديدة بديلة عن النفط ليدور حولها الاستعمار، وقد حددتها الولايات المتحدة، ألا وهي المياه.
سرّبت - بقصد أو بدون قصد - نائبة الرئيس الأمريكي «كامالا هاريس» هذه المعلومة عندما قالت: لسنوات طويلة ولأجيال خضنا حروبًا للسيطرة على النفط، وفي الآونة الأخيرة حضرت اجتماعات كثيرة للسياسة الخارجية، وأقول لكم بأننا في وقت قصير سنحارب من أجل المياه، وستساهم هذه الحروب في بناء اقتصادنا وبنيتنا التحتية وتوفير الوظائف.
بعدها بدأت صحيفة «وول ستريت جورنال» اعتبار المياه سلعة شأنها شأن السلع النفيسة كالذهب!
سنرى في المستقبل فرض خصخصة شركات المياه والزراعة والمراعي والكهرباء، ولفرض هذه السيطرة على الدول التي تقاوم إملاءات الولايات المتحدة في مسألة المياه، سيتم تنفيذ سياسة الصدمة Shock Doctrine أي استغلال كارثة كبيرة سواء أكانت ثورة أو حرب أو عملية إرهابية، من أجل تمرير سياسات اقتصادية اجتماعية تحقق مصلحة الليبرالية الجديدة، مثل هذه السياسات يرفضها السكان في الظروف العادية، والعراق مثال واضح على ما أقول، قد يكون الحدث هذه المرة هو الكوارث المناخية، وسيصبح هدف الجميع حيازة المياه.
وبالطبع سينشط مجمع الصناعات العسكرية المكون من شركات صناعة الأسلحة ووسائل الإعلام ومؤسسات الدراسات والأبحاث لتسويق هذه الحروب، وسنرى البلاد تنتهب بمساعدة الشركات العسكرية الخاصة، وبالنتيجة سيتحقق المستقبل المزدهر للولايات المتحدة الذي تحدثت عنه السيدة هاريس.
هذه الحرب قد اشتعلت مبكرًا في منطقتنا من أجل الليطاني والرافدين واليرموك والمياه الجوفية الفلسطينية، وسد النهضة هو أحد فصول هذه الحرب، وسد جزء من العجز المائي المتوقع هذا الصيف هو نذير حرب، وجفاف فرات سوريا هو نذير حرب، هذه الحروب هي حروب وجودية قد تغير من خريطة المنطقة والتجمعات السكانية فيها.
فهل نحن مستعدون؟
(انتهى)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012