أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


فلسطين انطلاقة جديدة

بقلم : د . محمود عبابنة
17-05-2021 05:03 PM

ما يجري هذه الأيام على أرض فلسطين العربية قلبَ كل المعادلات والموازين، لم يخطر ببالِ الملايين من العرب المهزومين والمحبطين وفاقدي الأمل بأن يشهدوا أياماً كهذه، فأهل القدس والشيخ جراح وغزة النضال مع إخوانهم الفلسطينيين داخل الخط الاخضر يسطرون أنصع صفحات التاريخ المعاصر لهذه الأمة التي استمرأت الهزائم والنكبات، انها ليست جولة تخرج بها المقاومة الفلسطينية منتشية بمواجهة محدودة يخرج بها الكيان الغاصب مستاءً ومنزعجاً، بل هي أكبر من ذلك، هي معركة مشرفة في خانة معاركنا التي خسرناها مع دولة الاحتلال منذ ان نشأت ، قد يعلق البعض على ذلك بأنها نوعاً من المبالغة، والبعض الآخر سيذكرنا بالدمار الذي حل بغزة وبنيتها التحتية وتدمير أبراجها وقتل أطفالها ونسائها، لكن ملاحم التحرر باهظة الثمن ووقودها الدماء والدمار، فقد جرى تدمير ستالينغراد ولكنها انتصرت، وفقدَ الشعب الجزائري أكثر من مليون شهيد، ولكنه حقق حلم استقلاله.

الانتفاضة الفلسطينية الشاملة أعادت جذوة الأمل لمئات الملايين من العرب بأن هذه الأمة لم تلفظ أنفاسها الأخيرة رغم ما عانته من الهوان والذل، وأن هناك عصباً حياً ما زال فاعلاً بجسدها، وأن اسطورة اسرائيل التي لا تُقهر، اسطورة مشروخة كما هي قبتهم الحديدية، وأن الانسان العربي ليس كله مكبّلاً بالعجز والفشل والتواكل، وربما هذا هو أهم إنجاز لهذه الإنتفاضة المسلحة والمعمدة بالدم، لقد أعاد إلينا شباب القدس وغزة الكبرياء والعزة التي كادت ان تغيب وعزفوا لنا على أنغام صواريخهم نشيد الوحدة العربية.
نتفهم حجم الخسارة في الأرواح والممتلكات في غزة وما يصيب أهل فلسطين مقارنةً مع خسائر في الأرواح والممتلكات أقل في جانب دولة مسلحة حتى الاسنان من قوى الهيمنة الاستعمارية، ولكن الخسائر لا تتوقف على ذلك وأهداف المعارك الاستراتيجية قد تُفضي الى خسائر أفدح من المباني والأنفس، فجردة حساب بسيطة تؤكد لنا أن اسطورة الدولة التي لا تُقهر قد سقطت، وأن الدولة القلعة لم تعد حصينة، وأن شريان حياتها الذي يقوم على تجميع يهود الأرض وزرعهم على أراضي الشعب الفلسطيني قد أصيب في مقتل، فلنا أن نتخيل مئات الألوف الذين بدأو يفكرون بالرحيل من هذه الدولة الهجينة غير المحصنة، ولنا أن نتخيل مئات الألوف الذين كانوا يفكرون بالقدوم الى فلسطين وقد عدلوا عن ذلك.

كما أن حجة التفوق التكنولوجي وأسطورة سلاح الجو الاسرائيلي والقبة الحديدية فقد أسقطتها صواريخ القسام وسرايا القدس، ولنا أن نتخيل أن هناك بديلاً لم يكن يخطر لنا على بال بأنه قادر على اخضاع جميع سكان اسرائيل للترويع والخوف الذي عانى منه الشعب الفلسطيني لعشرات من السنين بسبب الكراهية والحقد الصهيوني والتواطؤ الغربي.

لا بد لقادة دولة الاحتلال ومفكريهم أن يعيدوا حساباتهم بأن افناء شعب يعيش منذ الآف السنين على ارضه او تهجيره او التنكيل به هو ضرب من المستحيل، وعليهم أن يعيدوا التفكير بأن هذه الدولة ليست عظيمة كما يتخيلون، وأنها دولة قد تعيش دون مطار وينام سكانها في الملاجئ، وأن القنابل النووية التي تملكها لن تحميها، وأنها قارب يتأرجح في بحرٍ عربيّ هائج لم يبقى مكبلاً بسلاسل حكامه وأمريكا من ورائهم.

على الصعيد الدولي، فبعد أن غابت القضية الفلسطينية في خانة التهميش والسكون، أعاد شباب غزة لهذه القضية ألقها ووهجها وعنفوانها وخطورتها على أجندة أولويات الشعوب العربية والعالم أجمع، الذي عليه أن يدرك أنه دون حل عادل لهذه القضية فإن بركان هذه الثورة الذي يزداد سخونة لن يخبو أو يخمد.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012