أضف إلى المفضلة
الخميس , 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
الخميس , 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


هل يتراجع مرتكبو الخطأ التاريخي في فلسطين؟
22-05-2021 10:38 PM
كل الاردن -

كنا نظن نحن العرب والمسلمون أن بريطانيا هي التي ارتكبت وحدها جريمة إنشاء إسرائيل، بسبب وعد بلفور، ثم جاءت الولايات المتحدة لاحقاً لترعى هذا الكيان. لكن الحقيقة أن الدولتين ساهمتا معاً في إنشاء إسرائيل على أرض فلسطين. فلندن وواشنطن هما المتهمتان الرئيسيتان في هذه الجريمة النكراء وتتحملان كامل المسئولية التاريخية، مع من شاركهما، من دول الغرب أو الشرق.

المعاهدة الانجلو – أمريكية لعام 1924
فقد عثرت مؤخراً على وثيقة مغمورة جدا، ومنتشرة على نطاق ضيق في مواقع الانترنت، وغير معروفة في أوساط المهتمين بالقضية الفلسطينية، وهي عبارة عن معاهدة بين كل من بريطانيا وأمريكا تعود إلى نهاية سنة 1924. كان الهدف الجوهري منها هو تفاهم بريطانيا وأمريكا على أن يكون (الانتداب البريطاني) على فلسطين هو تمهيد لتهيئة الظروف من أجل (إقامة وطن قومي لليهود)، تنفيذاً لوعد بلفور.

ربما يكون السبب أن المعاهدة ظلت غير معروفة أنها أُعتبرت منتهية بمجرد قيام اسرائيل سنة 1948. إلا أن أثرها الباقي، إلى يومنا هذا، أن أمريكا حصلت بموجب المعاهدة على حق التدخل في فلسطين، وذلك كثمن دفعته بريطانيا لها مقابل نصرة الأمريكيين للحلفاء في الحرب العالمية الأولى. مع أن واشنطن لم تكن عضوا في عصبة الأمم التي منحت بريطانيا صك الانتداب على فلسطين آنذاك.

سنوات من التفاوض للتوصل للمعاهدة
المعاهدة ليست طويلة وتقع في 9 صفحات، لكنها تشتمل على أدق تفاصيل إدارة البلاد، من قبل سلطات الانتداب، حتى يضمن الطرفان تحقيق هدفهما المشترك في إقامة إسرائيل، وكان لهما بالطبع ما أرادا، فكان الإنجليز والأمريكان شركاء في جريمة إغتصاب فلسطين وزرع اليهود فيها.

لقد استغرق التوصل للمعاهدة الانجلو أمريكية عدة سنوات حتى استكملت المرور بجميع مراحلها القانونية في كلا البلدين، وتمت المصادقة النهائية عليها آخر أيام سنة 1924، وحملت توقيع ملك بريطانيا جورج الخامس، والرئيس الأمريكي كالفين كوليدج.

اعتراف بحقوق العرب والمسلمين دون رعايتها
تتكون المعاهدة من 28 مادة، وتؤكد أن بريطانيا، كسلطة انتداب، ستتولى وضع فلسطين (في ظل ظروف سياسية وإدارية واقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي)، وفي ذات الوقت تعترف بوجوب (حماية الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين، بغض النظر عن العرق والدين)، وأنه (لا ينبغي المساس بالحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين). وهذا بالطبع إعتراف بالحقوق العربية الإسلامية في فلسطين، وتعهد برعايتها، الأمر الذي لم يحدث لا من قبل ولا من بعد إقامة إسرائيل.

المقدسات والأراضي
وتؤكد المعاهدة على الحفاظ على (الأماكن المقدسة والأبنية والمواقع الدينية في فلسطين .... وعلى الحقوق القائمة وتأمين حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة والأبنية والمواقع الدينية وحرية ممارسة العبادة). ويشير البند السادس إلى موضوع الأراضي في فلسطين على وجوب (توطين اليهود على الأراضي الأميرية، والأراضي غير المستغلة للمرافق العامة)، مع ضمان (عدم المساس بحقوق وأوضاع قطاعات أخرى من السكان). لكن ما حصل فعلاً هو عكس ذلك تماماً.

خطأ تاريخي ام جريمة تاريخية؟
خلال الإجتياح الإسرائيلي للبنان، عام 1982، بذلت إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان جهوداً مضنية لوقف العدوان الاسرائيلي، وكان مناحيم بيغن رئيس وزراء العدو دائم التملص من وعوده بوقف الهجوم. وفي تلك الأثناء خرج وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتز بتصريح قال فيه أن (إنشاء إسرائيل كان خطأً تاريخيا). وكانت تلك هي المرة الأولى التي تصل فيها إحدى الدولتين اللتين أقامتا إسرائيل إلى هذه النتيجة.
والآن توصلت بريطانيا، بعد أربعين عاماً، إلى نفس النتيجة. فها هي جريدة (الغارديان)، الناطقة باسم المؤسسة البريطانية الحاكمة، تعتذر للقراء، قبيل أيام من العدوان الأخير على غزة، وتعترف بأنها ارتكبت (خطأً تاريخياً) عندما أيدت وعد بلفور لدى صدوره عام 1917، واعتبرت الجريدة ذلك من أفدح الأخطاء التي ارتكبتها خلال مسيرتها الصحفية التي تمتد إلى قرنين. وذكرت (الغارديان) في تبرير ذلك أن الوعد غيَّر وجه العالم حينما سهَّل إنشاء (وطن قومي لليهود في فلسطين)، فكان خطأً لأنه كان منحازاً إلى الحركة الصهيونية.

خلاصة القول: كيف يصحح المستعمرون الأخطاء؟
كان الهدف من إقامة إسرائيل هو إيجاد قلعة متقدمة للغرب في فلسطين، لتحقيق أغراضه الاستعمارية في المنطقة من خلالها. لكن النتيجة كانت أن هذا الكيان الذي اصطنعوه تنكر لمصالح أسياده، ويحاول التمرد عليهم، والشواهد على ذلك كثيرة أهمها اتفاق الكيان مع الصين لتأجيرها ميناء حيفا، ثم طموحاته التوسعية، التي ظهرت للعلن بتشجيع من إدارة ترامب، ثم رفض الكيان تسوية القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، الذي يطالب به الرئيس بايدن ليلاً نهاراً. هذه النقاط وغيرها أصبحت تضر بمصالح الغرب في المنطقة، مما أفقد الكيان الصهيوني تأييد الأوساط الحاكمة في كل من بريطانيا وأمريكا، خاصة بين اليهود الأمريكيين، الأمر الذي يهدد مستقبل الكيان. وما يجري الآن هي مساعيٍ لتأديب إسرائيل وتحجيمها ثم إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود 1967. وفي حال فشلت هذه المساعي لا يبقى أمام بريطانيا وأمريكا إلا خيار واحد إلا وهو التراجع عن الخطأ التاريخي، بإعادة الحقوق إلى أصحابها.
التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012