أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


حرب غزة .. ماذا بعد

بقلم : ا.د. أنيس خصاونة
23-05-2021 12:11 AM

توقف القتال في غزة ولكن الحرب لم تضع أوزارها بعد ،والصراع ما زال قائما وأسبابه لم يتغير عليها شيئ .حماس انتفضت هذه المرة ليس بسبب الحصار الخانق عليها ولكنها انتفضت للأقصى والقدس والشيخ جراح ،وقد قادت حماس والجهاد الإسلامي انتفاضة شعبية عارمة في الضفة الغربية وكامل فلسطين التاريخية والشتات ،لا بل فقد حظيت الفصائل المقاتلة في غزة بحجم واسع من التعاطف العربي والاسلامي والدولي ،ربما لم تحظى به من قبل.نتائج الحروب والمعارك لا تقاس بحجم الدمار أو عدد الشهداء بقدر ما تقاس بإجبار الخصم على الإذعان والإستسلام وإخضاع إرادته لشروط المنتصر ،وهذا كله لم يتحقق في حرب غزة .إسرائيل دولة قوية لديها ترسانة من أكثر الأسلحة تطورا في حين أن حماس ليست دولة، ولا جزء من دولة، وإنما هي جزء من سلطة منزوعة السلطة لا يتجاوز دورها دور مجلس بلدي يقدم خدمات مدنية كانت ملقاة على عاتق العدو المحتل، كما أن هذه السلطة تقدم خدمات أمنية لإسرائيل لم تنقطع حتى إبان الأحد عشر يوما من الحرب.

يا ترى ماذا بعد هذه الحرب وإلى أين تتجه الأمور؟.نعتقد أن الإجابة على هذا السؤال المشروع تتركز حول ثلاثة محاور الأول منها هو بروز حماس على الساحة الفلسطينية والدولية كلاعب رئيسي وربما اللاعب الرئيسي في القضية الفلسطينية لما لهذه الحركة من شرعية جماهيرية واسعة في أوساط الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها. شعبية حماس والفصائل المقاومة في غزة تجاوزت شعبية السلطة الفلسطينية المتآكلة نتيجة تحولها إلى كيان مستكين وخاضع لإسرائيل ولا حول له ولا قوة ولا تأثير ولا قيمة سياسية. حماس التي تنتفض للأقصى والقدس ،وتنمي قدراتها الدفاعية والهجومية رغم الحصار الخانق عليها من إسرائيل وحلفائها الغربيين والعرب، أصبحت مهوى أفئدة شعبها الفلسطيني ومعظم الجماهير العربية والإسلامية من الرباط إلى بغداد ومن نواكشوط إلى إزمير.لذلك فإن تغيرموازين القوى في الحرب الأخير أظهرت أن الحل والعقد لم يعد بيد السلطة الفلسطينية وانما بيد حماس التي تقدم مئات الشهداء وآلاف الجرحى. ولعلنا نؤكد هنا أن الموقف الأمريكي وحتى الإسرائيلي والعالمي من حماس سيتغير تبعا لهذا الزخم الجماهيري الذي أنتجته هذه الحرب لصالح حماس والمقاومة.

أما المحور الثاني فيتعلق بمستقبل القدس حيث أن المد العربي والإسلامي والدولي، والإحتجاجات والمظاهرات على ما تقوم به إسرائيل من تهويد للمدينة المقدسة ،سيجعل إسرائيل تدرك أن القدس ليست كأي أرض، والأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة هي جوهر الصراع وأن السيطرة عليها وضمها لإسرائيل قضية مستحيلة ،وأن كل أمن اسرائيل ووجودها سيبقى معلقا لا بل ومهددا ما لم تعود القدس والسيادة عليها لدولة فلسطين المستقبلية. نحن نعتقد أن من أبرز إفرازات حرب غزة هي قضية القدس وأن الإسرائيليين ربما سيدركون أن ترديدهم وإصرارهم على أن القدس 'عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل' هي أضغاث أحلام وأن أقصى ما يمكن أن يحققوه هو ضمان حرية الوصول لحائط البراق لينتحبوا ويجهشوا بالبكاء كما يريدون.

المحور الثالث يتصل بترتيب البيت الداخلي الفلسطيني إذ لم تعد السلطة الفلسطينية تتمتع بالشرعية الجماهيرية في أوساط الفلسطينيين ذاتهم. حقا كان موقفا شاذا وفريدا وغريبا أن السلطة الفلسطينة ومؤسساتها الكرتونية وقياداتها كانت متفرجة على ما تقوم به حماس وفصائل المقاومة في غزة من أعمال بطولية تذود من خلالها عن شرف الأمة ومقدساتها في الوقت الذي يصرح فيه أحد أبرز مسئولي السلطة بأن التنسيق الأمني مستمر مع إسرائيل ،وأن هذا التنسيق فيه مصلحة وطنية واعجبي! . في هذا السياق فقد وردت أنباء عن بعض المداهمات الإسرائيلية لمنازل بعض المتظاهرين نتيجة تعاون استخباري مع العدو. كيف يمكن أن نتحدث عن سلطة فلسطينة شرعية وممثلة للفلسطينيين في الوقت الذي لم تكن فيه السلطة على علم بأن حماس قررت شن ضربات صاروخية على إسرائيل دون حتى التنسيق مع هذه السلطة البائسة. والمفارقة الأبرز هنا هي أن المحادثات الدولية وبايدن والأوروبيين كلها كانت تتواصل مع رئيس السلطة الفلسطينية لوقف إطلاق النار في الوقت الذي لا يملك عباس مثل هذا القرار ولا يستطيع التأثير فيه ،كما أن نسبة عالية من شعبه لم تعد تثق فيه وبالسلطة التي يترأسها. نحن نعتقد بأن ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي لن يتم من خلال الوصول الى قواسم مشتركة بين حماس وفتح حيث أن هناك اختلافات منهجية وإيدولوجية ومبدأية عميقة بين منطلقات حماس وفصائل المقاومة من جهة وبين منطلقات فتح والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى .ولذلك نتوقع أن تشكل الانتخابات التشريعية والرئاسية المستحقة منذ زمن مدخلا للوصول للتمثيل الفلسطيني الحقيقي بحيث تشكل إفرازات هذه الانتخابات قيادة فلسطينية شرعية مدعومة بأغلبية ساحقة أو نسبية من الشعب الفلسطيني مما يزيل عن كاهل هذا الشعب حالة الثنائية والإنقسام السياسي .

المحور الرابع يتعلق بالدروس المستفادة من هذه الحرب ونتائجها فحماس والجهاد الإسلامي سيعملان بالتأكيد على تطوير نوعي لقدراتهم ليست فقط الصاروخية ،ولكن في قدراتهما في مجال الدفاعات الجوية ومواجهة القبة الحديدية التي شكلت تحدي كبير لصواريخ القسام وغيرها.أجواء غزة كانت مستباحة لمئات من طائرات العدو الزنانة وغير الزنانة، وعليه لا بد من أن تشمل إبداعات المقاومين جوانب متعلقة بتطوير صورايخ ارض جو ومدفعية .من جانب آخر فإن قضية المتعاونين مع العدو ما زالت قضية مؤرقة ومؤذية للمقاومة وقد لا حظنا كيف تلاحق غارات العدو شخوص وأهداف بعينها ما كان يمكن رصدها لولا تعاون الجواسيس ،وعليه فإنه سيكون لزاما على فصائل المقاومة مراجعة استراتيجيات الأجهزة المعنية بضبط هذه الموضوع.إسرائيل نفسها أيضا ستستفيد من نتائج هذه الحرب لتطوير قدراتها وعلى فصائل المقاومة أن تدرك أن الصراع القادم سيكون وفق ضوابط وإمكانات نوعية مختلفة.

المحور الخامس هو ذا صلة بالدور الأردني في القضية الفلسطينية فالاردن الذي ينتمي نصف مواطنية لأصول فلسطينية، وهو البلد الذي احتلت الضفة الغربية والقدس عندما كانتا جزء من الدولة الأردنية ،والأردن الذي له الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ،والأردن الأكثر قربا وارتباطا بفلسطين ،كان ينبغي أن يكون أكثر حضورا وأكثر تأثيرا في لعب دور التواصل مع فصائل المقاومة في غزة.الدور الأردني كان ليس بمستوى الحدث حيث اقتصر على الدعم الصحي والإغاثي لأهل غزة وهذا الدور مقدر بالتأكيد ولكنه لم يرتقي للدور السياسي الذي يتناسب وقرب الأردن من القضية الفلسطينينة وتضحياته وصلاته مع غزة هاشم وأهلها.معظم التركيز كان على مصر وقطر ،لكن الدور الأردني لم يكن جوهريا على مستوى التواصل الأمريكي والأروروبي.من هنا نعتقد أن السياسات الأردنية السابقة نحو حماس والجهاد الإسلامي والجمود وشبه المقاطعة التي كانت تتسم بها العلاقة مع هذين الفصيلين لم تكن سليمة من الناحيتين السياسية والإستراتيجية .الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا اعتمدت على مصر وقطر للوصول إلى وقف إطلاق النار ،وقد شكر الرئيس الأمريكي وعدد من القادة الأوروبيين هاتين الدولتين على دورهما الفاعل في الوصول لوقف إطلاق النار، وهذا بالتأكيد يعطي أهمية سياسية إضافية للدور الإقليمي لمصر وقطر، ونعتقد أنه كان من الأجدر أن يكون الأردن لاعبا أساسيا في حل مثل هذه الأزمة .الأردن مدعو لإعادة النظر في علاقاته مع حماس والجهاد الإسلامي ،ويجب أن لا يضع كامل خياراته في سلة السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس المنتهية ولايته.اسطوانة الإرهاب ووسم حماس وفصائل المقاومة بمنظمات إرهابية ينبغي أن لا تنطلي على الأردن وتجعله يتخذ مواقف في ضوء أوصاف غربية ووغير غربية لفصائل المقاومة والدليل على ذلك أن أمريكا والغرب قدرت وشكرت مصر وقطرعلى رعايتها وتوسطها لدى حماس لوقف إطلاق النار...

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012