أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


سلامات يا حج

بقلم : د.صبري الربيحات
12-06-2021 05:27 AM

حتى نهاية الستينيات من القرن الماضي وفي معظم القرى والارياف والبوادي الاردنية كانت الحياة تختلف كثيرا عن ما نشهده اليوم... فقد كان الناس اكثر حاجة واشد عوزا الا انهم اكثر ايمانا بقدراتهم واخلاصا في الاصرار على العمل ويقينا بقدرتهم على تجاوز الصعاب.
لم يكن غالبية الناس قد اعتادوا على تلقى الرعاية الخاصة والخدمات التي اصبحت اساسية للجميع وقد كان الكسب مرتبط بالعمل والانجاز بالجهد وكان الناس اكثر امتنانا واقل تذمرا وتطلبا.

في مجتمعاتنا الاسلامية والمسيحية وبين كافة المكونات العرقية والجهوية كانت اللحمة الاجتماعية اكثر قوة وكان الناس اكثر احتراما لغيرهم وحرصا على السلم المجتمعي. في الفضاء العام كان التفاعل مقتضبا والود محفوظا فلا احد يرغب او يجرؤ على اقتحام خصوصيات الاخرين او يعرض لما لا يريدون ان يعرف عنهم.
في تلك الايام كان الناس يصدقوا غالبية الانباء والروايات ويتفاعلوا مع الاحداث ويشاركوا في المناسبات.
لم يكن بين الناس من لا يكترث غير النساك والعابدين الذي اختاروا ان يزهدوا بكل ما يتدافع عليه الناس وفضلوا تكريس اعمارهم للتأمل والذكر والعبادة.

كانت العلاقات بين الناس دافئة ومؤنسة.. فلم تكن التكنولوجيا قد تغلغلت فلا يوجد في كثير من القرى غير هاتف عمومي واحد ولم يكن بمقدور الناس امتلاك السيارات الخصوصية. كان الناس اكثر اقبالا على التفاعل مع اقاربهم وجيرانهم واكثر اهتماما بما يدور حولهم من احداث ومشاركة في المناسبات والشؤون العامة.

الدعوات التي يتلقاها صناع الخير لاتعدوا التمنيات لهم بان يتمكنوا من الحج 'ربنا ينولك اياها' فقد كانت غاية المنى للكثير من الرجال والنساء الذين اصبحوا على مشارف الاربعينات واصبحوا يغيروا في تقاسيم وخرائط اللحى استعدادا وتهيئة لهذا الحدث الاهم ان ياتي موسم الحج ويحجزوا مقاعدهم علي الرواحل او في الشاحنات التي كانت تتحول الي حافلات نقل حجاج بعد تركيب مقاعد في صندوقها وتضليلها بشادر وتزيينها باكاليل الدفلى.

تأدية الحج فريضة دينية مهمة لكنها مرتبة اجتماعية تكسب من يؤديها صورة يجتمع فيها الثقة والاستقامة والامانة والعدل والحكمة والاتزان.. فالحج يعني تحول في مكانة الفرد من شخص عادي يصيب ويخطي وغير معروف الخصال ولا الطبائع الى شخص مؤمن موثوق مستقيم لا يخالف القيم ولا الشرائع.
الصورة الذهنية لشخصية الحج.. 'الحاج' تبدلت كثيرا بعدما تبدلت الظروف التي نشأت فيها الصورة الاولى عندما كانت رحلة الحج طويلة ومكلفة وشاقة في ظروف اقتصادية امنية صعبة.
في كثير من المواقف يلجا البعض لمخاطبة من لا يعرفوهم بصيغة يا حج او يا حجة..... احيانا يكون المخاطب غير مسلم او غير متدين مما يحدث ارباكا للطرفين. يتم ذلك في المؤسسات الخدمية وغير الخدمية وفي الشارع وعبر الهاتف..... الاسباب التي تدفع الاشخاص لهذا الاستخدام متباينة لكن البعض ينفر عند مخاطبته او مناداته بالحج فيعتقد ان ذلك تعبير عن تجاهل الشخص له او اعتباره كهل او غبر عصري.
من المهم ان تعمل المؤسسات علي تدريب كوادرها علي استخدام لغة مهنية موحدة في التخاطب وعدم اسقاط صفات وصور على اشخاص لا يملكوها.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012