أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


المصدر المطلع وأزمة الكتابة الصحفية في الأردن

بقلم : سامح المحاريق
23-06-2021 10:29 PM

يعرف الاقتصاديون مدى خطورة مسألة تفاوت المعلومات، وهي الحالة التي يمتلك فيها أحد الأطراف معلومات لا تتوافر للآخرين، ومع أن الحديث عن تفاوت المعلومات أمر يفترض ألا يجد مكاناً بين الكتاب الصحفيين، لأن المعلومة، وطالما أنها قابلة للنشر، يجب أن تكون متاحة بصورة متساوية للجميع، فهذا تحديداً ما لا يحدث في الأردن، فالبعض يحصل على المعلومة الطازجة تحت مسمى التسريب أو التلميح، ويشير إلى المصدر المطلع الذي لا يمتلك إسماً في العادة، والآخرون لا يجدون سوى معلومات مشتتة ونتفاً مفككة.

سيجادل البعض أن ذلك هو الذي يصنع الفارق بين كاتب وآخر، وهذه المنافسة قائمة في كل مكان ووقت، وبلاط الصحافة يشهد معارك شرسة لاقتناص المعلومة، وهل يصح أن تتساوى كفة من يطارد المعلومة، حارة حارة، وزنقة زنقة، بمن ينتظرها أن تحط على مكتبه مع قهوة الصباح، هذا في السياق المهني، أما في السياق الوطني فالمسألة ليست كذلك، إذ أن المعلومة التي تنتقل بشفافية وصورة واضحة وعلنية هي التي يمكن أن تصبح مادة للاختلاف والتحليل، ويمكن أن تتوزع حولها المواقف، وتنبني على أساسها التوجهات، أما المعلومة العائمة أو الناقصة فهي جزء أساسي في تشكيل الشائعة.

يتحدث المسؤولون الأردنيون كثيراً، ويستخدمون تعبير Off-record والذي يعني غير قابل للنشر، وفي النهاية لن يجد الكاتب الصحفي شيئاً يمكن نشره سوى ما تقدمه وكالات الأنباء من أخبار ليست كافية، وفجأةً يجد الكاتب نفسه مضطراً لاستدعاء وصف المصدر المطلع، وبذلك يصبح جزءاً من بالونات الاختبار حتى تحترق مصداقيته، وكم أحرقت هذه اللعبة من كتاب.

في المقابل يوجد المسؤول الذي لا يستطيع أن يبلور الفكرة ولا أن يوصلها، وملف الطاقة في الأردن هو أحد القصص التي توضح هذه الحالة، ففجأة نجد وزيرة الطاقة تتحدث عن تصدير الكهرباء إلى الدول المجاورة وإلى أوروبا، دون أن تطرق بالشرح والتفصيل السبب في وجود فائض من الكهرباء في بلد يعاني من أزمة الطاقة، ولتكتمل القصة بعد ذلك بالحديث عن اتفاقيات توليد الكهرباء وتفاصيلها التي ولدت مشكلة أخرى.

التقيت قبل بضعة أشهر مع وزير الإعلام، الناطق الرسمي السابق أمجد العضايلة، وكان اللقاء في مكتبه في رئاسة الوزراء، واسترعى انتباهي الحجم الصغير لفريقه مع أن البلاد كانت في حاجة فعلية إلى تواصل بناء مع تصاعد أزمة الكورونا، فالفريق يجب أن يكون عشرة أضعاف الرقم المتوفر لدى رئاسة الوزراء، والمؤسسات الإعلامية تتشكى من وجود فوائض موظفين يثقلون كاهلها وقدرتها على تحقيق الاستدامة والاستمرارية، وبعضها مؤسسات حكومية بالمناسبة.

الجميع يريد من الإعلام أن يؤدي دوره في خدمة الدولة، ومعظم الإعلاميون متحمسون لأداء ذلك الدور، ولكنهم يجدون أنفسهم مضطرين لأن يكونوا بين خيارات صعبة، لاهثين وراء المعلومة وكأنهم يستجدونها، أو مدللين بأن يتلقوا التسريب مقابل اخراجه بالطريقة التي يريدها الطرف المسرب، أو أخيراً ضاربين بالودع وعاكفين على البلورة السحرية ليقرأوا بين السطور.

هذه أجواء غير مشجعة، لا للكاتب المفكر الذي يسعى لأن يقدم النصح، ولا للكاتب الناقد الذي يحاول أن يؤشر للأخطاء لتلافيها، أو الكاتب الذي يمكنه أن يستعرض وجهة نظر الدولة بصورة يفهمها المتلقي، وبما يجعله قادراً على المشاركة في صياغة رأي عام ايجابي، وايجابي هنا تختلف عن مُضلَل.

تراجع الإعلام الأردني وتلقى هزائم كان بالإمكان تجنبها في حالة بناء علاقة صحية بين الدولة والمواطن من خلاله، تارةً أمام بعض القنوات الفضائية، وأخرى بعض المواقع الإلكترونية، ولحقتها مواقع التواصل الاجتماعي، ومؤخراً مجموعات الواتس أب، والعلاقة اليوم عكسية بين المصدر المطلع والكاتب المسؤول، والدولة يمكنها أن تتخير بين مزيد من المطلعين أو المسؤولين.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012