أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


نصيحة الملك الحسين لشاه ايران .. كيف نستفيد من دروس التاريخ ؟!

بقلم : باسل العكور
03-07-2021 10:46 AM

كتب باسل العكور - يبدو ان الدعوة للاصلاح في بلادنا تفضي دائما الى نتائج عكسية تماما ، لا سيما ان المنتدين في اللجنة الملكية التي شُكلت لاصلاح المنظومة السياسية ، ينتمون لمشارب فكرية لا يمكن التوفيق بينها ، ولا توجد ارضية مشتركة يلتقون عليها عندما تنشب الخلافات في الرأي ، و يتمترس كلٌّ خلف قناعاته الخاصة !!

هناك من يظن اصلا ان اعضاء كثر في اللجنة لا يعرفون مكامن الخلل في المنظومة السياسية ، حتى يُكلَفوا بتعديلها واصلاحها و عصرنتها ! .. لا نظنهم قرأوا ما كُتب ويُكتب في هذا الشأن ، ولا اطلعوا على الاختلالات وعرفوا كيف يجري تصويبها ، و استبدال النصوص الشائهة ، باخرى تنهي عهود استحواذ البعض و هيمنتهم وانقضاضهم على السلطة و اختطافهم لها .

لن نعود للاسئلة الكبيرة المتعلقة باليات اختيار الاعضاء و طبيعة المحاور و الاولويات التي كان يفترض ان تجري مناقشتها في هذه اللجنة اذا كان الهدف فعلا هو الاصلاح ، ولكننا بنفس الوقت سنظل نكرر و في كل مناسبة مخاوفنا من اضاعة الوقت ، والتفريط بهذه الفرصة ايضا ، كمال جرى التفريط بغيرها ..

لسنا مهووسين بالنقد كما يتهمنا البعض ، و لكنها اسئلة مشروعة وقلق له ما يبرره ، و ذلك في ظل اتساع فجوة الثقة بين الناس والسلطات ، و التشكيك الملازم لكل ما يصدر عن السطات من افكار و لجان و برامج فشلت كلها في تحقيق المراد والمنشود.

سقنا هذه التوطئة لنؤكد على اهمية ان يجري وضع اعضاء لجنة اصلاح المنظومة السياسية -اولا وقبل كل شئ - في صورة التطور الطبيعي للديمقراطيات و الانظمة السياسية ، و كيف ان عودة السلطة ، كل السلطة للشعب حتمية تاريخية ، و كيف ان الانظمة التي استمرت في تحدي ارادة شعوبها خسرت كل شئ ..
هذه بدهيات كان يفترض ان ينطلق منها اي جهد اصلاحي في بلادنا ونحن ندخل مئويتنا الثانية ، فلا بد ان يتم التوافق على ارضية فكرية قيمية مرجعية صلبة ينطلق منها الحوار ، ويعود اليها كلما تعمق الخلاف والتباين في وجهات النظر بين اعضاء اللجنة الملكية المكلفة باصلاح المنظومة السياسية .

وهنا نجد انفسنا ملزمين بالعودة الى واحدة من اهم و اشمل و ادق المراجع العلمية التي تناولت هذا الملف- الاصلاح السياسي - بكل تفاصيله و حيثياته ، وهنا نتحدث عن كتاب المفكر والفقيه الدستوري الاستاذ الدكتور محمد الحموري ( المتطلبات الدستورية و القانونية لاصلاح سياسي حقيقي ، لماذا … و كيف ؟ ) الذي صدر بطبعته الاولى عن دار وائل للنشر والتوزيع في العام ٢٠١٥ ، وهو المرجع المحكّم الاهم الذي عالج كل ما يتعلق بالاصلاح السياسي ، و ما يتطلبه ذلك من تعديلات في الدستور والتشريعات النافذة ، المرجع الذي حدد النصوص الملتبِسة و غير الاصلاحية ، و وضع البدائل التي تحولُها الى نصوص اصلاحية تضعنا في مصاف الدول الناهضة و القادرة و المتمكنة من اصلاح نفسها دون كلف سياسية وامنية باهضة ..

المؤلف الحموري في مقدمة كتابه الهام نقل قصة عن الملك الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه ، عن تلك النصيحة التاريخية التي اسداها لشاه ايران ، قبيل سقوط حكمه بعد اندلاع الثورة الايرانية في العام ١٩٧٩ ، و هنا نقتبس من كتابه دون تصرف :

' قال لي احد الاشخاص ما سمعه عندما كان حاضرا عن نصيحة الملك حسين رحمه الله للشاه و موقف الشاه من تلك النصيحة و بدوري اعيد روايتها لتعلم الاجيال جانبا من ذهنية أولئك الذين يعتقدون انهم اقوى من شعوبهم وان السوط وحده كفيل بحمايتهم ، وانه لا قيمة لارادة الشعب عندهم .

فقد حضر احد الاشخاص الى مكتبي بشأن قانوني، وقد كنت اسمع كثيرا عن قربه وملازمته لملكنا الراحل في حله وترحاله ، ولم اكن قد اجتمعت به او قابلته سابقا ، وفي حديثنا عن الشأن العام في وطننا كما هو حال الاردنيين في جلساتهم ، قال الرجل : كنت مع المرحوم الملك حسين في اخر زياره له الى شاه ايران ، وعرض الملك في اجتماعه مع الشاه ، ما يتناهى الى علمه عن الاحوال في ايران ، وعن اثر خطابات اية الله الخميني التي تصل تسجيلاتها الى الشعب الايراني ، ناصحا بان يقوم الشاه بزيارة ايات الله في قم ، لمساهمة و الوصول الى تسوية معهم ، مؤكدا له انه على استعداد ان يصحبه اليهم ، لما بينه وبينهم من صلة قربى ورحم ، كأبناء عمومة له ( اذ ان الملك الحسين من احفاد الحسن بن علي بن ابي طالب ، و هم من احفاد الحسين بن علي بن ابي طالب ) . وما ان انتهى الملك من حديثه ، حتى هز الشاه رأسه مبتسما وقال : لا داعي لان اعطي ساكني قم اكبر من حجمهم ، فانا اعرف جيدا حجمهم ومحدودية اثرهم ، ولن يستطيعوا فعل ما يؤذي ، ثم من هو هذا الخميني الذي تتناقل بعض الاخبار انه يمكن ان يحرك شعبي ضدي وهو في باريس ، اطمئن يا جلالة الملك فاجهزة الدولة قادرة عليهم ان تمادوا . و زاد ضيف مكتبي ، حاول الملك بادب جم بزحزحة عناد الشاه الا انه لم يستطع ، وعندما غادرنا ، قال الملك امامي : ليس هناك من حاكم يسلك طريق تحدي شعبه او يتجاهله ، يمكن ان يستمر في الحكم ، فقد وصل الشاه اخر الطريق وامره مسألة وقت .

ويتطابق مع القصة السابقة ، ما يرويه فريدون هويدا في كتابه سقوط الشاه (the fall of the shah) عن كيفية انفصال شاه ايران عن شعبه ودور بطانته في هذا الانفصال . والكاتب فريدون هو دبلوماسي ايراني وروائي وباحث ، والده كان في الاصل خبازا ، ولكنه عشق العلم وعلم نفسه بنفسه ، وصعد في المناصب ، وتزوج اميره من عائلة القاجار المالكة ، وتم منحه لقب ' عين الملك '. و مع حلول اسرة الشاه بهلوي في السلطة ، استمر بالعمل والصعود معها ، وقد اشتهر له ولدان . فولده الاكبر الامير عباس هويدا الذي اصبح رئيسا لوزراء الشاه ورئيسا لديوانه ، ثم اعدمته الثورة الايراني عام ١٩٧٩، اما ولده الثاني فهو فريدون الذي امضى اغلب حياته في الخارج دبلوماسيا وباحثا يكتب بالفرنسية والانجليزية . يروي فريدون هويدا في كتابه سقوط الشاه نيويورك ١٩٨٠ ، ان الشاه وصل الى مرحلة اصبح يعتقد فيها انه فوق مستوى البشر ، وان رجال الدولة امامه مجرد تلاميذ صغار ، يسهب في حديثه لهم من باب تعليمهم . وفي مقابل ذلك استقر الحال في جلوسهم معه وسماحه لهم بالحديث ، على تسابقهم في مدحه واختلاق القصص التي يتحدث بها الناس عن عظمته وقدراته الخارقة . ويضيف فريدون هويدا ، وتدريجيا تفاقمت الحالة عند الشاه ، فقد اصبح يتحدث في الاستراتيجية السياسية والعسكرية في المنطقة امام من يحملون اعلى المؤهلات المتخصصة ، ولا يستطيع اي منهم الا ان يعلن امام الشاه ، انه يتعلم منه كتلميذ ، رغم انه عند خروجه يؤكد انه لم يكن يعتقد ان الشاه على هذه الدرجة من الجهل والسطحية بما يقول . و مما اورده فريدون ، ان الشاه لم يكن يؤمن بالاحزاب السياسية ، ومع ذلك كان يتحدث مع زواره من رجال السياسة الغربيين عن اهميتها ، وكان اكثر ما يعتمد عليه الشاه هو جهاز مخابراته 'السافاك” حتى اصبح هذا الجهاز يمسك بكل مفاتيح واعصاب الدولة وحركتها ، ومع ذلك كان يتحدث عن الديمقراطية التي يعيش في بحبوحتها شعبه ! ويبين فريدون ان التقاليد عند السلطات والبطانة في قصر الشاه ، كانت تستوجب عدم ابلاغه اخبارا او معلومات تشكك في ولاء الشعب الايراني له ، حتى لا ينزعج او يكدر خاطره ، وعذرهم عند الاقتضاء ان مخابرات الشاه السافاك والاجهزة الاستخباراتية والامنية كفيلة بالاجهاز على من تظهر عدم موالاته للشاه ، وبالتالي لا داعي من ازعاج الشاه بمثل هكذا اخبار .

وعندما كان بعض السفراء يلمحون للشاه بمثل هذه الامور ويسأل البطانة عنها ، يكون الجواب ، بان هناك اعدادا قليلة من المشاغبين الذين يشكلون حفنة مارقة ، ولا داعي لان يشغل نفسه بهم ، فهم صوت نشاز يظهر ويختفي كما في جميع الدول ، ولا قيمة لهذا الصوت امام الحب العارم له من الشعب الايراني الذي يفتديه بدمه ، ويعلن ذلك في مسيراته وتحشداته .

ويؤكد فريدون هويدا في كتابه ، انه في اواخر عهده طاف الشاه بالهليكوبتر ، يقودها بنفسه في سماء طهران ، حيث كانت المظاهرات المعادية تملأ الشوارع استجابة لنداءات الخميني من باريس ، لكن الشاه كان قانعا انها جموع الموالين ، وعاد فرحا ليقول لرئيس ديوانه ومن خف لاستقباله في القصر ، لقد رأيت بام عيني شعبي في الشوارع والميادين وهو يعبر عن حبه لي ، وهو الرد العملي على الدول والجهات التي لديها شك في ولاء هذا الشعب العظيم لي ! والتزم الجميع الصمت! ' وهنا انتهى الاقتباس ..

وللحديث بقية ….

جو 24

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012