أضف إلى المفضلة
الخميس , 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
الخميس , 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


جبال تتكسّر فوقها الإمبراطوريات

بقلم : رمزي الغزوي
09-08-2021 05:36 AM

في هذه الأثناء تخوض القوات الأفغانية ومقاتلو حركة طالبان معارك ضارية في ولاية قندوز، التي لن تصمد حتى تسقط، كما سقطت ولايات كثيرة قبلها، وصولاً إلى سقوط كامل البلاد في أحضان الحركة من جديد، حتى قبل أن يلملم الأمريكان بقايا انسحابهم منها.

تحزنني هذه البلاد الحبيسة المرهونة للوعورة والجفاف والصخور. وتحزنني جموع اللاجئين إذ تتهيأ لتتدفق إلى فيافي ومنافي العالم محملة بأوجاع لم تزدد إلا تقرحا وجروحا. تحزنني هذه البلاد التي لم تخرج يوما من أتون الحروب والكروب، ولم يصدف أن عاد السلام إليها حتى بعد أن تنتهي معركة أو تخمد حرب، بل يبقى الموت طائفا في أرجائها، وكأنها أدمنت عيش الجنازات.

لربما تطرد أفغانستان من تسميهم الغزاة أو المحتلين، أو قد تضطرهم للانسحاب منها؛ تطردهم لا لتهنأ بعيش السلام، بل تجنح لتتفرغ لحروبها الأهلية الشرسة، وهذا ما يقوله التاريخ بعيده وقريبه. فطالما كانت ساحة حرب بين الإخوة، وهدفا لغازة وفاتحين منذ الإسكندر الأكبر ومروراً بالفتوحات الإسلامية وحكم المغول والسوفييت وصولا إلى الأمريكان الذين ينسحبوا برجل مكسورة بعد دفع أكثر من ألفي قتيل وعشرين ألف جريح.

قبل أشهر حدّد الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطاب له نهاية هذا الشهر موعدا رسميا لنهاية الحرب هناك بعد احتلال استمر 20 سنة. وهو يقصد موعد الانسحاب أو الانهزام ولا يقصد نهاية الحرب التي لا يقدر احد على كتم صوتها.

تعجّل جورج بوش الابن بعد فورة دمه من هجمات 11 ايلول 2001 وغزا أفغانستان للانتقام من طالبان، التي احتوت القاعدة وحمتها، فأسقط بلاده في خطأ لا يقل عن خطيئة الرئيس السوفييتي يونيد بريجنيف قبل 42 عاما حين أرسل جيشه إلى تلك البلاد التي يصعب تطويعها، بحرب ليس من السهولة كسبها.

يتذكر العالم مشهد الجيش الأميركي حين فرّ من «سايغون» عاصمة فيتنام؛ ليترك ذلك البلد الموجوع؛ ليواجه وحده مصيره الأحمر. وها نحن اليوم نرى ذات الجيش يترك أفغانستان تتمرغ في حربها ودمائها وعبثية مشوارها.

حين تدقق في التاريخ؛ ستجد أن إمبراطوريات وجيوشا جرارة تكسرت على صخور جبال تلك البلاد، التي لا ترحم غزاتها، تماما كما لا ترأف بأبنائها.

الدستور

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012