أضف إلى المفضلة
الخميس , 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
الخميس , 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


فوز حزب ( السلطة) في روسيا. ماذا يعني ؟!

بقلم : د.حسام العتوم
25-09-2021 05:39 PM

عندما زرت روسيا الاتحادية الصديقة لبلدي الأردن مؤخراً، وقبل فترة وجيزة كان الجدال ساخناً في البيوت الروسية حول حاضر ومستقبل الانتخابات البرلمانية الروسية لمجلس 'الدوما' الغرفة الثانية بعد الأعيان، وشريحة منهم لديها اعتقاد بأن النتيجة جاهزة سواء شارك في الانتخابات أم لم يشارك، ومنهم الشيوعيين وغيرهم ممن امتهن المعارضة مهنة له.

وشخصياً، كمراقب سياسي ومحلل إعلامي، كانت النتيجة في خطوطها العريضة معروفة لي، وتحدثت بها علناً وكتبتها مسبقاً على صفحتي على الفيسبوك. وكنت أتابع الصحافة الروسية عن قرب، الموالية منها والمحسوبة على المعارضة، وحتى على اللون الأصفر.

ولايوجد ساذجٌ في السياسة كان بإمكانه أن يتوقع نتيجة كبيرة لا يفوز فيها حزب روسيا الموحدة - حزب السلطة - حزب قصر الكرملين الرئاسي المحسوب على سلطات الرئيس فلاديمير بوتين الفولاذية، وهو الشخصية السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية، التي يحسب لها ألف حساب في روسيا، وتمكنت فعلاً - أي شخصية بوتين- من الإنتقال من شخص رئيس دولة عملاقة فوق نووية إلى زعيمٍ وطنيٍ وقوميٍ قل نظيره، وإلى شخصية سياسية عالمية دولية من طراز رفيع المستوى.

وفي المقابل يسهل ملاحظة ورصد من ينتقد الرئيس بوتين داخل روسيا، وخلف جدران البيوت والمزارع، وجلهم من الشيوعيين والمعارضة، ومن الغلابة خاصة في القرى النائية، ولا ضير في ذلك حقا، والأصل فيه أن لا يُغضب السلطة، فلا إصلاح حقيقي في الداخل الروسي من دون نقد بناء وطرحٍ للبديل، والمدح وحده لا يبني، ولقد ثبت صحة ما أقول وأعطى مؤشراً على تراجع اسم حزب 'السلطة' في محافظات روسيا. ومعلومة جديدة إعلامية تفيد باحتمال إقالة خمسة محافظين روس- حسب وكالة m.ura.news - تسببوا في ذلك، رغم الفوز الساحق للحزب والذي تم إسناده بترشيح وزيري الخارجية سيرجي لافروف و الدفاع سيرجي شايغو في الانتخابات البرلمانية مؤخراً.

وفوز الحزب الشيوعي الروسي بقيادة غينادي زوغانوف برلمانيا بالمرتبة الثانية رغم انقسامه، يمكن تصنيفه في الإطار الطبيعي، وهو المعروف بأن الشيوعيين هم بناة روسيا السوفيتية والاتحاد السوفيتي أيضا، منذ زمن المفكر الشيوعي المشهور والخالد لديهم فلاديمير لينين، أي منذ اندلاع ثورة البلاشفة عام 1917، وبعد ذلك عند الشروع بالبناء السوفيتي عام 1924، ومواصلة البناء في أتون الحرب العالمية الثانية 'العظمى' 1945، وعبر المساهمة في تأسيس الأمم المتحدة إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وحتى يوم انهيار الاتحاد السوفيتي نفسه بعد تآمر الصهيونية عليه والعالم الغربي التابع للقطب الأمريكي.

وحزبهم الشيوعي المعروف بمعارضته ونقده الشديد لسياسة واقتصاد 'الكرملين' وقربه من الشارع الروسي، وهو الموالي للقصر الرئاسي نفسه ذات الوقت، لدرجة فقدان الثقة بين قيادته وقاعدته الشعبية بنسبة مئوية معروفة لديهم. فمطالب الحزب الشيوعي الروسي في الغالب هي مطالب الشارع الروسي، الذي عاش حياة الاتحاد السوفيتي بكل ما فيها من صعوبات وتحديات، ولا زال يعيش الحياة الروسية بالصعوبة ذاتها وتحدياتها، فأسعار المحروقات مرتفعة عليه رغم أن بلاده روسيا تتفوق عالمياً في انتاجها من بنزين وغاز، والرواتب الحكومية والتقاعدات أيضا ضعيفة ولا ترتقي لمستوى الدول العظمى المتفوقة سياسياً وعسكريا، وعلى مستوى الفضاء واقتصاديا مثل روسيا، وشوارع المدن من الدرجة الثالثة تعاني من غياب تعبيدها بنسب مئوية مرتفعة، ومن عدم انتشار الأنفاق وإشارات المرور الكافية فيها، وهي التي لا تبعد عن العاصمة موسكو سوى 800 كلم أو أقل، وقرى روسية أخرى لم تصلها إمدادات مادة الغاز بعد، والمواصلات فيها ضعيفة، والمستشفيات بحاجة للتطوير ولإمدادها بطواقم الأطباء بشكل دائم وبالتقنيات الطبية الحديثة أيضا في مختلف المدن.

والحزب البرلماني الثالث الفائز هو الليبرالي الديموقراطي، برئاسة فلاديمير جيرينوفسكي، وهو حزب منافس للحزب الشيوعي ومحسوب أكثر منه على سلطة الكرملين، ويبدو أن لموسكو مصلحة في استمراره البرلماني، لمحاصرة المد الشيوعي حامل رسالة الشعب الروسي، والأكثر تغنياً بأمجاد الاتحاد السوفيتي، ومع هذا وذاك، فإن الحزب الليبرالي ناهض ولا زال، انهيار الاتحاد السوفيتي، وفاز مرتين في الانتخابات البرلمانية سابقا عامي 1993 و 2012، وزعيمه جيرينوفسكي ساخرٌ وناقدٌ وحكيمٌ، إلا أن موسكو لا تأخذ أقواله على محمل الجد.

والمقاعد البرلمانية الروسية موزعة وتتضمن في مجملها 450 مقعداً، منها 225 للأحزاب، و225 للأفراد، وشرط أساسي نسبته 5% لحصول الحزب على مقعد برلماني، ومجموع الأحزاب المتنافسة هي 14 حزباً، وارتفاع عدد الأحزاب الناجحة من 4 إلى 5 أحزاب (حزب روسيا الموحدة 49% من الأصوات، الحزب الشيوعي 20.44% من الأصوات، الحزب الليبرالي الديمقراطي 7.75% من الأصوات، حزب روسيا العادلة من أجل الحقيقة 7.45% من الأصوات، وحزب الناس الجدد 5.60% من الأصوات)، ولها برامج تعكس هموم الروس والوطن الروسي العملاق جغرافيا.

والأهم هنا والممكن ذكره هو أن انتخابات 2021 تؤسس للأنتخابات الرئاسية لعام 2024، و تتزامن مع انتهاء المدد الزمنية الدستورية لولايات الرئيس فلاديمير بوتين، واحتمال عودة رئيس الوزراء دميتري ميدفيديف للحكومة وارد، وهو الذي ينسجم معه الرئيس بوتين بينما الشارع الروسي لايميل لشخصه كثيرا، ولا يحظى بشعبية ترتقي لشعبية بوتين مثلا في زمن فيه أداء رئيس الحكومة الروسي الحالي ميخائيل ميشوستين جيد ومريح لقصر الكرملين. والطريق إلى كرسي موسكو الرئاسي رقم واحد، ستكون سالكة أمام بوتين من جديد، عبر استفتاء شعبي يتجاوز الحقب الزمنية التي حددها الدستور الروسي، بحيث يتم انتخاب رئيس البلاد لجولتين كل منها ستة سنوات، ويترك بعدها إجباريا حقبة زمنية واحدة ستة سنوات ثم يكرر نفسه.

وبوتين شخصية رئاسية نادرة، وهو ظاهرة ورقم صعب، وليس سهلا ولا متوقعا تكراره في القريب العاجل، وكما نقول في شرقنا لكل زمان دولة ورجال. ويقابل هذه المعادلة، تفكير عميق طويل المدى، من قبل قصر الكرملين في موسكو، ووسط النخبة السياسية الحاكمة، بالبحث عن بديل مستقبلي للرئيس بوتين، ولكن ليس الآن ولا في القريب العاجل، وإنما إلى الأمام في عمق الزمن القادم.


التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012