أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


عن "الأردن" بضفتيه الشرقية والغربية

بقلم : مالك العثامة
27-10-2021 10:40 PM

قبل أيام كنت في أبوظبي، مدعوا لحضور منتدى 'الاتحاد' السنوي الذي تقيمه جريدة الاتحاد، في الطريق إلى أبوظبي كان هناك ضجيج إعلامي على مقال كتبه رجل أعمال 'مجرد رجل أعمال!!' اسمه حسن إسميك، وأهمية المقال ليست في صاحبه ولا في فحواه، لكن من نشر المقال كان مجلة 'فورين بوليسي' التي يفترض أنها محكمة وشديدة الالتزام بمعايير خاصة بها.

مقال السيد إسميك وهو، حسب المعلومات في الانترنت، رجل شديد الثراء، يتحدث عن حل 'ضم الضفة الغربية'، وهو حل من الحلول القديمة والمطروحة منذ زمن طويل وازداد الحديث فيه بعد انتهاء صلاحية السلطة الفلسطينية وثبوت قناعة يقينية بأنها أسوأ ما واجهه الفلسطينيون منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948.

شخصيا، وهذا مثبت في مقالات سابقة لي في موقع الحرة، أنا من أكبر مؤيدي 'وحدة الضفتين' لا 'ضم الضفة' من منطلق كنت دوما أنادي به وهو أن منطق الجغرافيا نفسه يقول إنه لا وجود لنهر في العالم كله يملك ضفة واحدة.

لكن، وعلى الدوام كنت حذرا في طروحاتي ودقيقا بأن الوحدة بين الضفتين يجب أن يكون عودة للأصول الصحيحة والصحية لا أن تكون ورقة تضليلية تنتهي إلى أن يكون الأردن وكيلا أمنيا عن إسرائيل في إدارة الأراضي المحتلة عام 1967، وعليه فالوحدة بين الضفتين لا تكون إلا بالجغرافيا والديموغرافيا معا ودوما معا وبالتوازي والتزامن المتطابقين.

ما يقوله السيد 'إسميك' في مقاله ينتهي به إلى أنه يبحث عن مصلحة إسرائيل الأمنية في تلك الوحدة التي ينادي بها، بل ويزيد 'مجتهدا اجتهادا غريبا' أن المستوطنين الإسرائيليين يمكن لهم أن يحملوا الجنسية الأردنية أيضا في تلك الصيغة 'الملتبسة' التي يطرحها.

في أبوظبي، تواصلت مع من أعرف وحصلت على رقم هاتف السيد 'إسميك' وراسلته بإيجاز لعلي أقابله ككاتب صحفي معني بل ومتخصص بالموضوع منذ سنوات، وها قد عدت إلى وطني البلجيكي ولم أتلق منه ردا، وخيرا حصل.

في وحدة الضفتين، كلام كثير يمكن أن يقال، لكن سبكه بعناية ودقة مهم، حتى لا نخوض في حقول ألغام وكمائن السياسة التي تراكمت عبر عقود طويلة من حلول مستحيلة تم طرحها والاحتفال بها وانتهينا بأوسلو التي أفرزت البؤس الأخير الذي يعاني منه الفلسطينيون.

سأعود إلى ما كتبته سابقا على مدار سنوات لتوضيح فكرة 'وحدة الضفتين' كمصلحة أردنية وفلسطينية مشتركة أمام حالة سياسية معلقة ومفتوحة على احتمالات سيئة، مثل ما حدث في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من مقترحات 'سوريالية' استطاع الأردن تخطيها وللإنصاف بشجاعة.

فعليا، وعلى أرض الواقع، كانت الضفة الغربية لنهر الأردن، نصف جغرافيا المملكة الأردنية الهاشمية، والحديث عن 'ضم' أو 'وحدة' لن يغير من واقع التاريخ والجغرافيا منذ تاريخ 24 إبريل عام 1950. وهو العام الذي أصبحت فيه الضفة الغربية بسكانها جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية، بعد عامين من قيام دولة إسرائيل عام 1948، وقد حصل سكان الضفة الغربية بالفعل على الحق في المطالبة بالمواطنة الأردنية في ديسمبر 1949.

المناكفة العربية – الأردنية بدأت منذ ذلك الوقت، ولم يكن هناك فداحة على الفلسطينيين أكثر من رهاناتهم الخاسرة على المدى الطويل في مغامرات تلك الأنظمة العربية ومتاجرتها بقضيتهم باسم القومية والتضامن العربي المشترك، والذي انتهى اليوم إلى خلاصة مفادها ' اذهبوا أنتم وربكم أو بدونه فقاتلوا وتحرروا'.

رفضت الجامعة العربية وحدة الضفتين، بل وطالبت السعودية ولبنان وسوريا ومصر بطرد الأردن من الجامعة العربية.

ومع انضمام الأردن إلى الأمم المتحدة عام 1955 والتي أقرت وحدة الضفتين (أو ضم الضفة الغربية)، كانت الجامعة العربية قد أعلنت سابقا في 12 يونيو 1950، أن الضم كان إجراءً مؤقتاً وعملياً وأن الأردن كان يحتفظ بالإقليم كـ 'أمين' عليها في انتظار تسوية مستقبلية، وهو تفسير ساذج وسخيف يحاول الحفاظ على ماء وجه المعترضين أمام واقع موجود.

تلك الأنظمة التي قادتها مصر عبدالناصر حينها، بهوس قومي جارف وأوهام البطولة الكاذبة، هي التي قادها عبدالناصر نفسه فيما بعد في حزيران 1967 إلى مغامرة عسكرية غير محسوبة، بعد أن قرر من طرف واحد إغلاق مضائق تيران، مما تسبب بحرب حزيران التي انهارت فيها أوهام القوة بهزيمة عسكرية ثلاثية انتصرت فيها إسرائيل بامتياز (ويكذب على نفسه من لا يرى ذلك)، واحتلت احتلالا عسكريا أراض من ثلاث دول: سيناء من مصر، والجولان من سوريا، والضفة الغربية من الأردن.

الأردن الذي تثبت كل يوميات ووثائق حرب حزيران أنه كان آخر المنسحبين بقرار القيادة العربية الموحدة، التي تقودها مصر عبدالناصر.

الهزيمة تحولت في أدبيات العرب إلى 'نكسة'، ونتج عنها من زاوية أردنية خسارة نصف جغرافيا المملكة في الضفة الغربية للدولة التي تحمل اسم النهر الذي يفصل بين الضفتين.

وهو ما جعل الأردن الطرفَ المقصود بقرارات المجتمع الدولي ذات الفاعلية القانونية خصوصا في قراري 242 و338، وفيهما أن تنسحب إسرائيل من أراض محتلة (أو الأراضي المحتلة)، وكانت الضفة الغربية، ولا تزال حسب القرارات الدولية حتى اليوم، أراض تم احتلالها وكانت تحت السيادة الأردنية.

كان هناك أكثر من اختراق 'خبيث' للوقائع التاريخية والجغرافية المدعمة بالشرعية الدولية، وأول تلك الاختراقات كان القبول العربي الساذج في فترة المد القومي الكاذب لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.

وحسب يوميات السيد عدنان أبوعودة وهو أحد شهود ذلك العصر ومن دائرة صناعة قرار الملك الأردني الراحل حسين، فإن كبسولة 'المنظمة ممثِّلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني' كانت بوصفة كيسنجرية تم تمريرها من تحت الطاولة للقيادة المصرية أيام الرئيس الراحل، أنور السادات، وانتهت إلى تجييش عربي برعاية الجامعة العربية في قمة الرباط عام 1974، حيث ضغط الجميع على الملك حسين لقبول تلك الشرعية الوحيدة بديلا عن شرعية سيادته على الضفة الغربية والتي خسرها هو لا غيره في حرب الـ67.

حضور وولادة 'منظمة التحرير الفلسطينية' كان أكبر خطيئة في حق الفلسطينيين أنفسهم، لأن قيادات تلك المنظمة استطاعت تفريغ القضية من قيادات محلية من داخل الأرض المحتلة 'وتخوين بعضها أحيانا' لحساب مناضلي الفنادق الذين عادوا على ظهر 'أوسلو' بعد سنوات كنخب حاكمة لشعب استبدل إدارة الاحتلال بوكيل عن إدارة الاحتلال نفسه لكن بقسوة أمنية أكثر ضراوة.

اليوم، يتحدث الجميع عن نية إسرائيل ضم أجزاء من الضفة الغربية، في سياق خطة أكبر لضم كامل الضفة الغربية إلى إسرائيل، مع خطة أكبر خبثا بترحيل ديموغرافي لفلسطينيي الضفة الغربية إلى شرق النهر، وهو ما يحقق مصلحة إسرائيلية لا أراها بعيدة عن مقال السيد إسميك فيما ذهب إليه من أفكار.

وفي طرف آخر، لا يزال هناك من يتحدث عن مشروع 'الدولتين' الذي سقط فعليا بسقوط اتفاق 'أوسلو' الذي لم تعد إسرائيل تعترف به، والمشكلة أنه لا يزال جوهر الخطاب الرسمي الأردني نفسه.

في فبراير عام 2019، قمت باستغلال فرصة حوار مباشر مع الملك عبدالله الثاني في قصر الحسينية في عمان، وطرحت أمامه فكرة 'وحدة الضفتين' بإيجاز كحل أردني فلسطيني مشترك يواجه كل الحلول التي تستهدف الأردن والقضية الفلسطينية على حد سواء.

الملك بدبلوماسية شديدة رد أن إسرائيل هي الملزمة بتحمل كلف احتلالها إما بقبول دولة واحدة ديمقراطية لشعبين (وبمزاح لا يخلو من معان كثيرة قال الملك إن إسرائيل حينها ستواجه رئيس وزراء من أصل فلسطيني يوما ما)، أو، كما أضاف الملك، دفع إسرائيل بقوة الدبلوماسية الدولية إلى القبول بحل الدولتين !!

العلاقة الأردنية الفلسطينية شابها كثير من التشويه والمسخ، وكان تعظيم الهويتين حد الشوفينية الواهمة، على كلا الجانبين مهزلة تاريخية هدفها توسيع عرض النهر آلاف الكيلومترات وهو الذي لا يتجاوز عرضه 30 مترا، ولكن كل الأحداث والخطايا التي ارتكبها الجميع جعلت النهر فضاءات واسعة من العزل.

آن الأوان أن يتحدث المؤمنون بمنطق الجغرافيا والتاريخ والسكان، بوحدة الضفتين.

ولا أخفي سرا حين أقول إن هناك تيارا بدأ يتصاعد في بعض العواصم الأوروبية يتحدث عن العودة إلى قرارات الشرعية الدولية ما قبل مدريد ومشتقاتها، تلك الشرعية التي تتحدث عن قرارات دولية، تبحث عن أشخاصها القانونيين الحقيقيين، لتفعيلها والعمل بها وبدون كل فائض المزاودات أو متاهات الالتباس.

سيناريو الوحدة بين الضفتين يجب أن يبدأ بفهم واضح لمعنى الضم، وأتفق مع الملك في سؤاله عام 2018 : (كونفيدرالية مع مين؟). وهو سؤال من وجهة نظري يسقط من الحسابات وإلى الأبد حضور كذبة 'السلطة الوطنية الفلسطينية'، بدلا من الاستمرار بتزويدها جرعات أوكسجين تزيد من وجودها 'الاصطناعي'.

إن الأهم حاليا، أن يكون هناك طرف فلسطيني 'حقيقي وفاعل' يمكن الحديث عنه ومعه، لأي سيناريو وحدة بين الضفتين، وهو ما لن يتأتى بدون حوارات حقيقية 'لا تخوينية' أولا بين الضفتين، ولتحقيق مصلحة أردنية - فلسطينية على نسق واحد، لا لتمرير سيناريو إسرائيلي جديد مليء بالكمائن وحقول الألغام، وأهمها وأخبثها إزاحة ديمغرافية من غرب النهر إلى شرقه! وهو ما يجب محاربته بكل الوسائل بأفكار جادة متوازنة وموضوعية، لا بعصبوية متطرفة.

وعليه، فمن وجهة نظر أحملها ويحملها معي كثيرون، فالأردن 'رسميا' مدعو للتحرك بهذا الاتجاه، وبعيدا عن العبث التاريخي 'لمناضلي تحرير الأرض والإنسان' القابعين في رام الله، ومزايدات 'الترف الفكري المتعصب' لمن يطالبون في شرق النهر بتكريس فصل الضفة الغربية عن المملكة، فإن الأردن واقعيا وفعليا خسر ضفته الغربية في حرب حزيران 1967، ومطالب باستعادة سيادته 'الدستورية' عليها ضمن القانون الدولي، ولا تملك أي حكومة إسرائيلية، مهما كانت متطرفة، حينها أن تقول للمجتمع الدولي إن المملكة الأردنية الهاشمية ليست شريك سلام.

نحن أمام قرارات دولية لا تزال صالحة وفاعلة ولم يتم تنفيذها، وأمام دستور مملكة لم يتم تغيير أساسه الذي قام كيان الدولة عليه، وجغرافيا محتلة بسكانها، والأمر كذلك يصبح المطالبة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ما بعد حرب حزيران 1967 حقا للدولة الأردنية فيما يتعلق بالضفة الغربية، أما حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني، فهذا حق مقدس لكنه واجب التنفيذ بعد تحرير 'الأرض والإنسان' فعليا وعلى أرض الواقع وضمن شرعية دولية لا تتحمل ترف الإنشاء الزائف.

الحرة

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012