أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
الأربعاء , 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


بؤس المؤسسة الدينية الرسمية

بقلم : محمد حسن التل
07-11-2021 10:58 PM

تعاني المؤسسة الدينية الرسمية من بؤس الخطاب وركاكته على مستوى الوطن العربي، وفوق ذلك فقدانها لثقة الجماهير؛ لأنها تخلت عن دورها الحقيقي وأصرت على أن تكون في معظم مساحة أدائها جزءا من المؤسسة الرسمية الحاكمة، الأمر الذي جعلها تدور في فلك هذه المؤسسة ولا تخرج عن أطرها، وبالتالي كان عليها أن تجامل بالحد الأقصى في إزاء دورها وأدائها المطلوبين، مما أضعفها وأفقدها أهمية دورها وكما قلت ثقة الناس. وراحت تركز هذه المؤسسة على البديهيات والأمور السطحية للدين، وتتجنب أن تخوض في الأمور الأساسية والمجالات الحقيقية للعقيدة، ودوره في مختلف نواحي حياة الناس، وبعضها بل قل أكثرها أوغل في المجاملات للمؤسسة الرسمية وأخذ مواقف تصب في توجهات هذه الأخيرة.

نتج هذا الواقع عن عوامل كثيرة منها أن المؤسسة الرسمية في معظم العالم العربي، لا تريد للمؤسسات الدينية لديها أن تأخذ دورها الحقيقي في المشاركة في تسيير أمور الناس، والاقتناع بأن للدين دورا أساسيا في حياتهم، ثم إن اختيار الشخوص القيادية في مؤسسات الشؤون الدينية يخضع لشروط ومواصفات محددة لدى الحكومات حتى يكونوا 'مطيعين' لتوجهاتها ولا يشكلون أي عقبة في طريق نهجها في تسيير الأمور كما تراها هي.

المعالجات التي تقوم بها المؤسسات الدينية الرسمية لقضايا الناس المرتبطة بالعقيدة ركيكة وبها قدر كبيرة من المجاملات التي تبتعد كثيرا عن عمق الفكرة الإسلامية، بل ذهبت بعض قيادات هذه المؤسسات أحيانا إلى محاولة لي عنق النص حتى يمنحوا المسؤولين فسحة للولوج إلى غاياتهم التي تكون في العموم غير مسلحة بالرأي الصحيح من الناحية العقدية، كما أن المؤسسة الدينية تحاول دائما تبسيط المفاهيم الإسلامية وإخراجها عن غاياتها الحقيقية.

انظر مثلا كيف تعالج وتتحدث هذه المؤسسة عن المناسبات التاريخية والمفصلية في الإسلام التي جُعلت أصلا وأرادها الله تعالى أن تكون محفزا للناس لتعمقهم في عقيدتهم وأخذ العبر من أسباب وغايات هذه الأحداث. لكن هؤلاء بالمؤسسات الدينية يصرون على التفسير الركيك الذي يشبه ' تفسير العجائز' وذلك حتى يظل الفكر الإسلامي الحقيقي طي الكتب والمراجع، ولا يسمح للأجيال أن تطلع على هذا الفكر الذي يبني عقل الإنسان بناء حقيقيا يرتكز على المهمة الأساسية له في بناء مجتمعه، وكأن المؤسسة الدينية تحاول أن يظل الدين عند الناس فقط عبادات من خلال العادة الفارغة من أي مضمون، المضمون الذي يحرر الإنسان ويجعله في الواقع خليفة الله تعالى في الأرض، ويكون ركنا أساسيا في بناء الحياة، المهمة التي كلفه الله تعالى بها.

هذا الواقع الأليم فسح مجالا للأفكار المتطرفة ولأصحاب التفسيرات الناقصة المشبوهة أن يتصدروا المشهد وأن يزاودوا على الناس في أفكارهم في ظل غياب كبير لمفاهيم الإسلام الحقيقية في الوسطية والاعتدال والتعايش مع الآخر، الأمر الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من حالة فوضى حقيقية يتصدرها أرباب الإرهاب الأسود الذين لعبوا الدور الأساسي في تشويه الإسلام ودفع الآخرين إلى محاربته وجعله عدوهم الأول تجب محاربته والقضاء عليه وعلى أصحابه.

إزاء هذه الصورة القاتمة التي يعيشها المسلمون في كافة أنحاء العالم نتيجة الفكرة الخاطئة التي كونها الآخر عن الإسلام، لا بد للمؤسسة الدينية على مساحة العالم الإسلامي أن تعيد النظر بدورها الحقيقي لإظهار الصورة الواقعية للإسلام في أذهان من يتصورون أن هذا الدين عدو للحياة، وأنه يدعو للقتل والتدمير، وأن يبتعدوا عن التفسيرات الركيكة لمفاهيم الإسلام الحقيقية التي تدعو إلى تعايش الخلق جميعا، وتشاركهم بنهر الحياة، ارتكازا على القاعدة القرآنية 'لكم دينكم ولي دين'، وأن ينتبه قادة المؤسسة الدينية في الوطن العربي والعالم الإسلامي بل وتلك المتواجدة في بلاد الغرب إلى خطورة هذا الواقع لأن الأمور تسير إلى هاوية محتمة نتيجة إفساح المجال لأولئك الذين يدعون تمثيلهم للإسلام بفكر إرهابي أسود بدون وجه حق وراحوا يضربون يمنة وشمالا في الأرض باسم الإسلام الأمر الذي جعل منه في أذهان العالم خطرا يجب التخلص منه والقضاء عليه في عقول أبنائه أولا، ثم محاصرته على مستوى العالم، وهذه الغاية الحقيقية لأعداء الأمة على كل المستويات، لذلك يجب أن ينهض العلماء نهضة صادقة لمواجهة هذا الواقع وإزالة الفكرة المشوهة من عقول الآخرين عن الإسلام وفضح أولئك الذين يمارسون القتل والتدمير وإزهاق الأرواح باسمه، وإلا ستكون النتيجة كارثية على الجميع.



التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012