أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
الأربعاء , 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


تراب الدموع ومشاريع المياه السيادية

بقلم : رمزي الغزوي
11-11-2021 04:17 AM

ربما أن النصيحة الذهبية، التي تطلبُ منا ألا نقطع وادياً حتى نرى حجارته، هي ذاته النصيحة التي ستصدح بنا ألا نقرب من نهر عميق اضمحل ماؤه، حتى ظهرت أحشاؤه، أو من سدّ كبير تشقق تراب قاعه، بعد أن نضبت مياهه، كي لا نسفح أرواحنا دموعاً ووجعاً وحسرات.

بعد أن أُعلنَ عن جفاف سبعة من سدودنا جفافا عاما طاماً، حتى بان تراب قيعانها بكل ألم؛ ذكّرنا الصديق الدكتور عاصم منصور بما حدث في جمهورية التشيك الأوروبية، قبل ثلاث سنوات، حين اضمحلت مياه نهر 'إلبه'، وظهرت صخور عظيمة في قاعه منقوش عليها باللغة الألمانية: عندما ترونني؛ ستبكون.

التشيكيون يطلقون على هذه الصخور تسمية موجعة، هي صخور الدموع أو الجوع، لا فرق بين المعنيين. تماما كما يحق لنا اليوم، أن نسمي تراب سدودنا، بتراب الدموع أو تراب العطش والجوع. فيا ربنا ارحم أرواحنا، التي تتشقق مثل طين مشموس، حين يغيب غيثك.

وسيبقى السؤال المبكي: كيف وصلنا إلى هذا الحد القاتل المحزن المبكي من شح المياه؟. نحن فقط ظللنا نردد طيلة السنوات الماضية، إننا أفقر بلاد الله ماء، دون أن نعمل على تغيير هذه الحالة، مع أن بلاداً كثيرة كانت بلا تراب مثلاً، ولكنها بالهمة والتصميم زادت مساحتها، وازدهرت كهولندا.

فماذا فعلت الحكومات المتعاقبة لدينا والتي كانت تدير دفة أمورنا وشؤوننا، وكأنها تعمل بالقطعة أو بالمياومة؟. ألم تحسب حسابا لهذا اليوم الجاف ولهذا القحط الذي سيرافقنا مع ظروف التغير المناخي العالمي؟. أين مشاريعنا السيادية في هذا الأمر. المياه لم تكن يوما إلا مشروعا سياديا وأكثر. فأين هي هذه تلك المشاريع؟ أين السدود؟ ولماذا تلكأنا وتراخينا، بحجة قلة التمويل، في تنفيذ مشروع الناقل الوطني لتحليه مياه البحر الأحمر، وإنقاذ البحر الميت، الذي سنرى قاعه متشققا بالملح عما قريب.

كل الدراسات العلمية والمؤشرات المناخية كانت تقول لنا أن علينا أن نستعد استعدادا حقيقيا لهذه الأيام العجاف؟. ولكننا لم نتوسع في الحصاد المائي، ولا في السدود، بل وتركنا المعتدين على المياه الجوفية يسيدون ويميدون، وكأنهم في مزارعهم الخاصة. وظل ترحيل ملف المياه من حكومة إلى أخرى تكتيكنا الوطني الأبرز.

ربما أن القادم أسوأ، وأكثر بؤساً. وربما أننا سننسى تراب الدموع كعادتنا، حين ينزل المطر، ويملأ بعضا من سدودنا، ثم نرحّل الأمر إلى مستقبل لا ينتظرنا فيه إلا جفاف مقيم. اعلنوا حالة طوارئ وطنية دائمة في ملف المياه.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012