أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


...مزيف ومغشوش!

بقلم : د . عبدالله الطوالبة
04-03-2022 12:08 PM

هذا 'الضمير الانساني' الذي استيقظ فجأة، وطفق يتباكى على سيادة أوكرانيا وأطفالها، هو ذاته ساند أميركا بفرض حصار اجرامي على عراق ما قبل 2003 تسبب بموت مليون ونصف مليون طفل عراقي. وعندما وُوجهت بذلك وزيرة خارجية أميركا آنذاك، مادلين أولبرايت، ردت بغطرسة اجرامية متوحشة:'إنها الحرب'!!!
انه 'الضمير' ذاته، الذي فوض أميركا ووقع لها على بياض لاستباحة العراق واحتلاله وتدميره واعدام رئيسه صباح عيد الأضحى، بناء على مسلسل أكاذيب كما اعترف أميركيون بذلك وأقروا. هل يتذكر خرفان أميركا العرب ذلك؟!!!
إنه 'الضمير' ذاته، الذي يتعامى عن مأساة الشعب العربي الفلسطيني المتصلة منذ 74 عاماً، ويسكت عن ارتكابات متوحشة يقترفها جنود يهوه بحق أبنائه كل يوم.
هذا 'الضمير' يعلم جيداً أنه لا يوجد رئيس روسي واحد، حتى لو كان السكّير التافه يلتسين، يقبل بانضمام أوكرانيا الى النيتو ونصب صواريخ نووية على مرمى خمس دقائق من الكرملين في قلب موسكو. حصول ذلك، يعني باختصار إلغاء وجود روسيا كدولة وشل حركتها وتقييدها. من هنا، نفهم نحن الذين درسنا هناك لماذا تحرك بوتين في الوقت المناسب. الروس من أطيب شعوب العالم، وهم بطبيعتهم يكرهون الحروب التي جربوها كثيرا وعانوا منها وما يزالون. شعب مسالم ولديه نخوة. يحب الخير للآخرين ولا يتردد في مساعدتهم. لقد أتيح لكاتب هذه السطور الاختلاط بالقوم كثيرا، خلال أعوام الدراسة الأجمل في حياتي. كنت أحياناً أتأملهم وأصفن خلال الجلسات معهم. يلمحون ذلك ولا يسمحون لصمتي أن يطول، فتباغتني إحداهن أو أحدهم بسؤال خاطف: لماذا أنت صامت، وبماذا تفكر أبْدُالّلا(هكذا كانوا يلفظون اسمي بأحرف اللغة الروسية)، فكنت أرد أحياناً: أنتم بهذه الطيبة وحب الحياة والبساطة، كيف امتلكتم هذه القوة الضاربة...وأضيف بصمت بيني وبين نفسي:'ونحن يا حسرة... ملطشة'. كانوا يردون علي بابتسامة محببة ما يزال رسمها يتلألأ في خيالي: 'دعنا من السياسة وشؤونها...'. وإذا صدف وكان في الجلسة رجال من كبار السن، وبخاصة المحاربون القُدامى، فقد كان منهم من يرد على سؤالي بسؤال: أنتم العرب أمة عريقة ومترامية الأطراف، واسرائيل بالكاد تُرى على الخارطة، فكيف تسمحون لها بالتمادي وفعل ما تفعل بكم؟!'.
هذا 'الضمير' يعلم جيدا أن نظام زيلينسكي دمية أميركية يحركها العم سام بالريموت عن بعد، لاستفزاز روسيا. ويعلم أكثر، أن أميركا افتعلت الأزمة لفرض عقوبات على روسيا، وأن أميركا لا مكان للأخلاق والقيم والاعتبارات الانسانية في سياساتها الخارجية. في السياق، نسبة الفقر في أوكرانيا تصل الى 50%، والبطالة من أعلى النسب في أوروبا. وعلى صعيد الخدمات المقدمة للمواطنين، فإنها الأسوأ في القارة الأوروبية. وبدلا من الالتفات لذلك وتحسين مستوى حياة مواطنيه، قَبِل زيلينسكي ونظامه دور الدمية تحركها أميركا عن بعد في صراعها مع القوة الروسية العملاقة، في مسعى يائس وورقة أخيرة لعرقلة تبلور نظام دولي متعدد الأقطاب. ولعل الذين تابعوا تصريحات البيت الأبيض الأخيرة، لا بد التقطوا بداية النزوع الى ايجاد مخرج يرضي روسيا ويمهد للقبول بالأمر الواقع الجديد. مساء أمس قال البيت الأبيض بالحرف:'لن نكون في مواجهة عسكرية مع الروس ونحرص على ابقاء خيار الحل الدبلوماسي مطروحاً على الطاولة'. أوروبا بدأت تضيق ذرعا بالعقوبات قبل سريانها(خسائر بريطانيا لوحدها تقدر ب 8 مليارات دولار شهريا) والصين اعلنت أنها غير معنية بتطبيقها. نظام زيلينسكي سوف يذهب 'فرق عملة'، والروس سوف يحققون كل ما يريدون.
هذا 'الضمير' يلاحق أيقونات أدبية خالدة ومنارات ثقافية سامقة، مثل دستويفسكي وبوشكين وتشايكوفسكي، لمجرد أنهم روس. أهناك بعد هذا المستوى من الانحطاط انحطاط؟!!!
ألا ترون معي أن هذا الضمير مزيف ومغشوش، ولم يتحرر من التوحش بعد؟!!!

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012