أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


وداعا نهاد الموسى ..

بقلم : د. محمد ناجي عمايرة
05-07-2022 12:41 AM

ما أصعب فقد الكبار وما اقسى رحيل الأحبة الأعزاء!

أنا من جيل تعاظمت عليه المصائب وتكاثرت النكبات الفردية منها والجمعية وعلى المستوى الوطني والقومي والإنساني.

وجيلنا كان لا يجد إلا الشعر مفزعا وغير البلاغة والبيان ملجأ، يلوذ بها من شدة الحزن ولفح حرارة الفقد .

وما اصعب الدعوة إلى الصبر في مثل هذه الأحوال لولا الوعد الإلهي واليقين به: (وبشر الصابرين الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ).

ثمة نزوع انساني إلى محاولة التآبي على الجراح، ولا نجد له مثيلا إلا لدى المتنبي عظيم الشعر في زمانه وملاذ المكلومين، في كل زمان ومكان امتدت إليه العربية الشريفة لغة قول وكتابة وفكر.

قبل ايام نظمت قصيدة لم اكتب مثلها من قبل، تقطر أسى وإلتياعا وتفيض سوداوية وتشاؤما، وهي غريبة عن نهجي وحياتي ولغتي.

وخلال الاسابيع الأخيرة فقدت العديد من الأعزاء من ذوي القربى والزملاء والأصدقاء، وبالأمس فقدنا استاذا كبيرا من اساتذة العربية وسدنتها واعلامها، إنه الأستاذ الدكتور العلامة نهاد الموسى احد رموزنا العلمية والثقافية الذين لا يشق لهم غبار.

وقد جال في خاطري كل ما بينته اعلاه وانا أتلقى خبر وفاته.

وكعادتي وجدتني أفزع إلى المتنبي حيث يقول:

رماني الدهر بالأرزاء حتى
كأني في غشاء من نبال
فصرت إذا اصابتني سهام
تكسرت النصال على النصال

وإذ أتحدث عن المرحوم بإذن الله أستاذي العزيز نهاد الموسى، أجد كل خصاله الحميدة وقدراته الفريدة وفكره العميق وذهنه المتوقد ومعرفته الواسعة باللغةالعربية وآدابها ونحوها وصرفها، وتمكنه منها تمكنا يجعله الأقدر على عرضها وإيصالها إلى الأجيال المتجددة بيسر وسهولة و وضوح.

لم يكن أستاذنا معلما عابرا في حياتنا، ففي حين كنا نلتقي به على مقاعد الدرس الجامعي أواخر الستينات كان في الجامعة من هم أكثر منه تحصيلا ومعرفة وخبرة، وهم من أساتذته وأساتذتنا العلماء الأخيار، لكننا كنا مشدودين إليه دائما منذ أن يدخل إلى قاعة المحاضرات حتى يخرج منها، وقد ستر غبار الطباشير جزءا من بذلته الأنيقة، وغطى أصابع يديه.

وما كان الدكتور نهاد إلا فارسا مجليا في ميدانه، وما كان أصعب درس النحو على من سواه.

نفقده، ونحن نعرف أن المرض قد أنهكه، وأن الألم قد أمضه وأنه في أواخر أيامه كان يغيب عن الوعي فلا يدرك ما حوله.

لقد غيب الموت صاحب اللغة الأنيقة والابتسامة الشفيقة والطلعة البهية والعلم الغزير، وفقدنا نهاد الموسى الأستاذ الزميل الصديق المفكر الباحث اللغوي العلامة سادن اللغة العربية نحوا وصرفا وتركيبا وأصواتا واشتقاقات تدريسا وتأليفا وتحقيقا، وذلك كله كان بعضا مما حبب إلينا لغتنا وأعاننا على فهم معانيها وإدراك جمالها واصالتها وحضورها بين اللغات.

نهاد الموسى، رحمك الله وعفا عنك وغفر لك وجزاك عنا كل الخير.

كنت كما يقال: (أمة في رجل)

وعزاؤنا بك وبأمثالك من القامات العالية أن أمتنا ولادة وإن لكل جيل أعلامه وتميزه ونهجه وابداعاته.

أستاذنا الجليل، نم قرير العين ولتخلد روحك إلى السكينة والسلام.

نحتسبك عند الله فقيدا للوطن والأمة.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012