أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


ماذا سيكون الفلسطيني؟ ماذا يريد الإسرائيلي؟

بقلم : مالك العثامة
23-08-2022 11:15 PM

(سنكون يوما ما نريد، لا الرحلة ابتدأت ولا الدرب انتهى ) – محمود درويش.

في خضم كل هذا الإرباك التاريخي عند نقطة 'تحارج' في القضية الفلسطينية التي انتهت إلى طريق 'الدولة الفلسطينية' المسدود، وقد انتهت إلى مسخ بائس لا يرقى إلى 'سلطة حكم' ومستعص على هذا المسخ في رام الله أن يدفن نفسه، يبدو أن الحلول 'الواقعية المباشرة' انتهت.

بدأت المقال بتلك الجملة الدرويشية التي تأملت فيها حلم شاعر فلسطيني كان الأقرب لعقل 'الثورة' التي تحولت إلى 'سلطة' كان درويش شاعرها أيضا، وبين الثورة التي بدأتها بتغذية 'قومية شعبوية' ثبت أنها الفخ القاتل لها، وانتهاءها بسلطة ميتة الضرب فيها عبث وليس حراما، لأتخيل حجم التفاؤل الذي ينادي به درويش بأن يكون الفلسطيني 'يوما ما يريد' وبلعبة بلاغية يقرر أن الرحلة لم تبتدئ ولا الدرب انتهى!

لفترة طويلة، كنت ضمن تيار 'ضئيل الحجم' ينادي بوحدة الضفتين كآخر حل واقعي للقضية الفلسطينية، وحدة بين ضفتي نهر صغير تم تكريسه سرا للخيبة بين شرقه وغربه.

وكنت دوما أحاول تجنب الطوباوية الإنشائية في الطرح الوحدوي، متمسكا بالقانون الدولي المتمثل بقرارات الأمم المتحدة التي أعقبت حرب حزيران عام 1967، مذكرا دوما بالواقع التاريخي أن الضفة الغربية تم احتلالها 'مع أراض لدول عربية أخرى' وأن القرارات الدولية ثبتت في إجماع دولي استثنائي الحدث كاحتلال عسكري مطالب بالانسحاب إلى حدود ما قبل السادس من حزيران عام 1967.

كانت فكرة منظمة التحرير الفلسطينية فكرة 'أميركية – كيسنجرية' لئيمة لتسحب البساط من تحت 'الدولة الأردنية' كصاحبة حق شرعي قانوني للضفة الغربية التي كانت تحت سيادتها الدستورية والقانونية.

الفلسطينيون تفرقوا فصائل 'متناحرة غالبا' تحت مظلة كبسولة تلك المنظمة التي لم يكن ممكنا تصنيفها ككيان مقبول دوليا للمطالبة بالحقوق، لكن هذا الكيان الهلامي 'غير المتجانس بفصائله المكونة له' أصر على أن يكون الممثل الشرعي والوحيد للقضية الفلسطينية، وكان زعيمه ياسر عرفات قادرا على أن يكون 'بمهارات شخصية فذة بلا شك' الصمغ الذي يجمع ما لا يجتمع من مكونات وعناصر، وبرحيله 'الأكثر غموضا' تفكك الصمغ اللاصق وانتهت المنظمة إلى سلطة لا يراها الإسرائيلي شريكا في السلام.

وتراكمت على سياجاتها البوليسية 'المتقلصة باستمرار' التوسعات الاستيطانية على أراضي الضفة الغربية ليصبح حل الدولتين الذي بدأ بخدعة 'غزة- أريحا' حلا مستحيلا، وما بين غزة وأريحا اليوم وعلى أرض الواقع أسوار من المستحيل.

فكرة وحدة الضفتين، وهي تعني إعادة الأمور لنصابها الجغرافي والسياسي والقانوني كما تصور المجتمع الدولي، تم اختراقها على أكثر من مستوى.

كان الاختراق الأول عدم الإقرار بها عربيا 'بتأثير القومجيين العرب ومصر عبدالناصر' وخلق مفهوم التمثيل الشرعي والوحيد ووضعه في حضن كيان 'شعبوي' متنقل وفصائلي قابل ذاتيا للتناحر والتشرذم.

أما الاختراق الثاني المستمر قادم من لدن اليمين الإسرائيلي كفكرة قديمة متجددة منذ بدايات دولة إسرائيل، بما تم تسميته بالحل الأردني للقضية، وملخصه باختصار تفريغ الضفة الغربية من مكونها الفلسطيني وتوطين كافة الفلسطينيين في الأردن والترويج لفكرة أن الأردن هو الوطن الفلسطيني.

هذه الفكرة، التي تبناها حتى ناشطون وكتاب عرب وتسللوا إليها من فكرة 'الوحدة بين الضفتين' مشوهين المفهوم الأساسي للوحدة مكتفين بالحل الديمغرافي دون الجغرافي، لا تزال تحاول الحضور بإطلالات موسمية مدعومة باليمين الصهيوني المتشدد في إسرائيل.

طبعا الفكرة مرفوضة أردنيا وعلى كل المستويات، وحضورها يثير استفزاز الجميع، وهذا طبيعي، لأنه يهدد فكرة وجود الدولة الأردنية التي دخلت مئويتها الثانية وقد كسبت وجودها بامتياز وجدارة رغم كل ما تعرضت له تلك الدولة تاريخيا من استهداف لم يتوقف لتقويضها وتمرير فكرة 'الوطن البديل' لتحل مكانها، وتلك الحساسية، الطبيعية كما المفرطة جدا، جعلت الحديث عن الفكرة الأصلية بوحدة الضفتين مثل المشي في حقل ألغام.

واليوم، وأمام انسداد الأفق في مشروع 'الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني' بحل الدولتين، وهو حل مستحيل أمام وقائع الجغرافيا والسياسة على الأرض، فإن القضية المركزية في الشرق الأوسط تتحول بالتدريج وبالضرورة إلى قضية حقوق وحريات إنسانية، حقوق فلسطينيين في العيش والعمل بكرامة ضمن سلطة إسرائيل، في داخل الدولة، الخط الأخضر، أو في الأراضي المحتلة التي تخضع فعليا لإدارة الاحتلال الإسرائيلي.

إسرائيل ملزمة بإدارة هذا الاحتلال، وإدارة عيش تلك الكثافة السكانية التي تعاني من أسوأ ظروف معيشة وحياة بسبب هذا الاحتلال ذاته، وهذه الكثافة السكانية لها حقوق إنسانية تلزم المجتمع الدولي أن يطالب بها.

وبصراحة أمام انسداد كل الحلول والذي تتحمل حكومات اليمين الإسرائيلي مسؤوليته، فإنني لا أرى منتهى درب كالذي تحدث عنه درويش إلا الدولة الواحدة لشعبين في إسرائيل، وهو ما تعتبره إسرائيل نفسها 'تهديدا وجوديا' ليهودية الدولة الذي تسعى لترسيخه في سابقة خطيرة غير مأمونة العواقب في منطقة ملتهبة بالحساسيات القومية والدينية والمذهبية.

هل سيكون الفلسطيني والإسرائيلي ما يريد كل منهما؟ هي جدلية 'التكوين' و'الإرادة' في عالم يعيد تكوين ذاته.

الحرة

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012