أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


الربيع الفرنسي والأوروبي.. كلما تحالف الشتاء مع موسكو

بقلم : خلدون مدالله المجالي
20-10-2022 06:25 AM

وجدت الشعوب الاوروبية نفسها امام الاستحقاقات المتوقعة لموقفها الداعم لحكوماتها في الملف الاوكراني رغم التحذيرات السابقة للقيادة الروسية لها من مغبة الانجرار وراء العواطف القومية وكذبة الرأي العام السائد في اوروبا بفعل الآلة الاعلامية للناتو، حيث أكد الروس غير مرة ان اوروبا المرتهنة للغاز الروسي هي من ستواجه تبعات العقوبات الاقتصادية ومحاولة عزل روسيا كون المسألة تتعلق بالوقت فقط.
المتتبع لتفاصيل الاحداث وردات الفعل الروسية لا يخفى عليه ان قرار الحرب في اوكرانيا بكافة تبعاته وتوقعاته لم يكن وليد اللحظة او مرتجلاً لدى مطبخ القرار الروسي، خاصةً وان موسكو تدرك ان الانقلاب الديموقراطي ( المرسوم) على حاكم اوكرانيا السابق الموالي لها فيكتور يانوكوفيتش في العام 2014 انقلاب له ما بعده، وان جماهير الشعب حين طالبت بخلعه لم تكن الا مجموعة من الدُمى حركتها عواصم لندن وباريس للوصول الى الاراضي المتاخمة لروسيا سياسياً واقتصادياً بعد عسكرة اوكرانيا في حلف الناتو، والمطلوب الاساسي في تلك المسرحية هي موسكو وقيادة الكرملين، في مقابل ذلك نشطت الجهود الروسية في تفعيل مجموعة البريكس والضخ المكثف للغاز للقارة الاوروبية بشكل مقصود- لفرض الاعتماد والتبعية- وتكديس احتياطي الذهب بشكل غير مسبوق وبناء التحالفات الجديدة مع الصين والهند وايران وتدشين برنامج التسليح السري المرتبط بالرئيس بوتين مع فتح القنوات السرية مع عواصم القرار الخليجي تحضيراً للقادم الاسوأ وللمعركة الوشيكة التي تأكد لموسكو انها على الابواب، التجهيزات الروسية مكنتها من مواجهة أكبر عزلة اقتصادية تعرضت لها عبر التاريخ بدءاً من اخراجها من نظام السويفت مروراً بالعقوبات الاقتصادية وتجميد الاصول ومصادرة الاملاك وغيرها الكثير فكان القرار الروسي الموجع باعتماد الروبل لصفقات الغاز وفتح اسواق الطاقة والبترول للصين ومبادلتها بالعملات الوطنية.
اوروبا التي ما زالت تكابر على موقفها الرافض لاعتماد الروبل في توريد النفط والغاز الروسي جعلت من التهديد الروسي بقطع الامدادات واقعاً برسم التنفيذ، ذلك مؤداه البحث عن مصادر توريد جديدة لتلبية احتياجات غالبية دول القارة في الشتاء حيث وجدت في عقود الغاز الامريكي مخرج طواريء لكنه باهض التكلفة ويفوق السعر الروسي بعشرة اضعاف وربما يزيد، الأمر الذي أدى بالضرورة لرفع كلف التدفئة والصناعة بشكل جنوني والدخول في مشاكل نقص الوقود وارتفاع الاسعار والتضخم وايقاف عمل المصانع وتدني القيمة الشرائية واختلال سعر صرف اليورو، كل ذلك يخدم الموقف الروسي المراهن على الشتاء ( حليف روسيا التقليدي ) ويراهن على نقل المعركة للداخل الاوروبي بين الحكومات والشعوب.

الى الآن فان جميع المراهنات الروسية على الاحداث تصب في صالحها وكما اشارت موسكو وتوعدت بذلك. وهذا من باب الدلالة على توقع الاحداث ورسم السيناريو بدقة في المطبخ الروسي بدءاً من وعوده بان اوروبا هي من سيدفع ثمن العقوبات المفروضة على روسيا وانتهاءً بموقف الروس المتواضع على تفجير خط الغاز باعتبار ذلك يخدم الهدف وان كان بفعل عدو.
اليوم تجد الحكومات الاوروربية نفسها في مواجهة الجماهير الغاضبة في فرنسا بالتحديد وتطالبها بالخروج من حلف الناتو والتهديد بالاضراب العام وشل حركة النقل وقطاع الكهرباء والمدارس والجامعات وقد سبقتها عواصم بروكسيل ولندن وبرلين، الدولة الفرنسية التي ما فتئت من التنظير بحقوق الانسان وكفالة حق الاحتجاج والتجمع والتعبير كلما علقت خارجيتها على احداث دموية حول العالم بين الحكومات والشعوب، فرنسا ذاتها تقمع جمهور المتظاهرين بقسوة مفرطة ضاربةً الحائط بحقوق الانسان بالتعبير والتجمهر عبر اشتباكات دموية يحرص اعلام الناتو على التقليل من شأنها واخفاء تفاصيل مطالب الشعوب المتمثلة: بانهاء التبعية للقرار الامريكي والخروج من الاحلاف لضمان أمن ورفاهية مواطنها الذي يدفع الثمن دوماً بلقمة عيشه ودفء بيته ومستقبل اطفاله.
الاحداث في فرنسا تشبه الى حد كبير ما جرى في عواصم الربيع العربي وبدعم فرنسي مباشر، الربيع الفرنسي شرارة ستجتاح اوروبا بعواصمها المخدوعة بالقطبية الامريكية في غضون الايام القادمة وتشتد دمويتها كلما تحالف الشتاء مع موسكو، اوروبا في مأزق سياسي واقتصادي حقيقي لا ينهيه الا استقلال القرار وضمان رفاهية الشعوب وهذا من المستحيل بالمدى المنظور ولو من باب المكابرة والتعنت المدفوع بالاجبار الامريكي على تنفيذ باقي الخطة المرسومة لاضعاف موسكو واستنزافها تمهيداً للانقضاض عليها.
المواجهة الحتمية مع القطب الروسي الصاعد سيلقي بتبعات نقص الغذاء وتجويع الشعوب الاوروبية بالتحديد وارادة الروس تتجه بذكاء لنقل المعركة بعيداً عنها حيث تواجه شعوب اوروبا ولاول مرة حكوماتها واحلافها لا سيما وأن أرض التمرد خصبة بالبطالة والغلاء والتضخم والخوف من التجمد، اوروبا التي حرصت وما تزال على مص دماء الشعوب المُستعمرة لضمان رفاهية وتفوق العرق الابيض ستُسقى بذات الكأس ولن تجد حكوماتها فائدة من التوسل لشعوبها بترشيد الاستهلاك والصبر وشد الاحزمة، هي تعلم بان استمرارها مضمون برفاهية المواطن وانسياب الحياة الكريمة لديه باي ثمن أو استعمار أومؤامرة ارتكبتها قديماً وحديثاً في سبيل ذلك، والمواطن لديها غير معني ايضاً الا برفاهيته دون التركيز بسياسة وبطش دولته بالشعوب المُستعمَرة، الجوع والبرد والنزوح الاوكراني قادم، وتلك الأيام نداولها بين الناس .
كاتب اردني
Khldounalmajali123@gmail.com

رأي اليوم

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012