أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


المهندس هاشم الزيادات العبادي يكتب : أمنية العمر !

بقلم : المهندس هاشم الزيادات العبادي
30-11-2022 11:27 PM

وأتمنى أن تتحقق بكل رجاء ودعاء ، أن أجلس على مقعد خيزراني في مقهى شعبي رخيص في الزاوية اليمنى البعيدة ، وأجد شخصاً يقابلني على ذات الطاولة ، أكتشف أنه ضرير ، أصرخ عليه ولا يجيب فأستنتج أنه أطرش ، أضربه على يده فلا يصرخ وأجزم عندها أنه أخرس ٠
أشكو له ستين عاماً من الوجع الدائم ، ستين عاماً من الحزن القاتم المغلّف بضحكة إنطلت على الجميع ، ستين عاماً من التوهان ، ستين عاماً من الالتزام بمبادئ انحرفت هي ولم أنحرف ، ستين عاماً أمضيتها وأنا أعطي ولم آخذ حتى شكراً لك التي ما إنتظرتها أبداً ، ستين عاماً من اللعاب السائل دون أن أصل الي المذاق ، ستين عاماً من الحزن رغم فواصل قصيرة من الفرح الذي يلبس السراب ٠
سأكشف له ظهري ليحصي بحدسه عدد الطعنات التي تلقيتها من أحبة وغرباء على السواء ، وسأكشف له صدري ليحصي بفراسته عدد النصال الي تلقاها الصدر والقلب وكلها كانت أثناء عناق طويل سالت دموع التماسيح مدرارا من المعانقين ٠
سأحدثه عن وجع بحجم وطن كنت أشتهيه وأحب ثلجه وبؤسه وسوسنته السوداء وكل ما فيه من دحنون وشيوخ وعجائز وأطفال وطرق وبيوت طينية وحكايات ما قبل النوم أرضاً ، ذاك الوطن الذي ذهب في طريق لا عودة فيه ، ليقفز في وجهي وطن كوحش كاسر له الف يد ويد وكل يد فيها الف خنجر وله فمٌ لا تخرج منه الا رائحة الجيفة ، وأنف يشم رائحة طرائده التي تسكنه ، وطن له أنياب كل الأفاعي ، ومخالب كل الغربان ، وذيل جمع كل ذيول العقارب ٠
سأحدثه عن رحلة الستين عاماً التي التهمت آلامها كل أمالها ، سأحدثه عن حبيباتي اللواتي لم التقيهن ولا أعرفهن ، وعن المواعيد التي لم أذهب اليها ، وعن الحفلات الخيالية التي لم أرقص فيها ، والولائم الشهية التي لم آكلها ، وعن طعم النبيذ الذي لم أشربه ، وعن الأحضان الدافئة التي خطرت ببالي ، وعن رحلات بعيدة وكثيرة ذهبتها وانا في فراشي ، وعن معارك خضتها ببسالة دون بندقية ، وعن دموع ذرفتها ترفاً ، وعن إغفائة فائقة اللذة غفوتها على حجر صوّان ٠
سأحدثه بأكثر مما تحتمل رواية طولها ستون عاماً من وجعٍ بدأ لاهثاً وسيبقى يلهث
سيقفز ضيفي العزيز من على كرسي الخيزران وبعيون جاحظة وصوتٍ أجشّ وجملة واحدة ' أغرب عن وجهي'
وهاهي الأمنية تكبر بل انها تسرطنت٠

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
01-12-2022 07:22 AM

زفرات قلم رسمت قطعة من الادب الهادف !
تزاحمت الافكار وانطلقت كما دخان كان حبيسا فحولت الانين لكلمات وصلت مبتغاها .
تحيه لهذا الكاتب ذو الوجه الاردني .

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012