أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


النفاق الدولي

بقلم : علي زعتري
13-12-2022 03:17 PM

منح تأشيرات الدخول هو حق تمارسهُ الدول، وهناك العشرات من أشكال التأشيرات التي تصدرها الدول كافةً و لعشرات أغراض السفر من بلدٍ لبلد، وهناك من الدول من لا يشترط التأشيرة المسبقة قبل الوصول فتكون التأشيرة ختماً في المطار، وبغض النظر فإن أي مسافرٍ لبلدٍ غير موطنه مُطالبٌ بإبراز ما يثبت هويته، والتأشيرة إن كانت شرطاً مسبقا وإن لم تكن، ينوب عنها ختم جواز السفر ليدخل المسافر تلك البلد للزيارة أو العمل وهو ملتزمٌ بالقوانين المحلية التي سمحت بالعمل أو الزيارة.

لأشهر طويلة دارت مفاوضاتٌ بين الكويت والاتحاد الأوروبي لإعفاء الكويتيين من تأشيرة الشنغن الأوروبية، والشنغن لم تكن صعبة المنال عموماً للكويتيين لكن إعفائهم منها سيعني سفراً سريعاً واختفاء إجراءاتٍ في السفارات الأوروبية، الفائدة متبادلة بالقطع وتنم عن عمق الصداقة، لكن القانون الكويتي لا يزال ينص على الحكم بالإعدام على مرتكبي بعض الجرائم، ومن يعرف القانون يدرك أن صدور حكمٍ بالإعدام مسألةٌ ذات مسؤوليةٍ عالية مضنية ولا يكون إلا في فادح الجرائم وأن تنفيذ الحكم يتبع كذلك فترة انتظار فلربما يظهر ما يخفف الحكم، لكنه حكمٌ في النهاية عادلٌ وعندما يُنفذُ فهو جزاءٌ يساوي في شدتهِ قُبحَ الجرم ويواسي أهلَ الضحية ويعاقب المجرم و يردعُ القادم 'ولكم في القصاص حياةٌ يا أولي الألباب'، أتت الأخبار أن الاتحاد الأوروبي يوافق علي إعفاء الكويتيين من الشنغن ولكن بشرط إلغاء عقوبة الإعدام لبلدٍ يسمح للأوروبيين بدخول الكويت عبر تأشيرةٍ تُمنحُ بسهولة في مطار الكويت، ولم تشترط الكويت لمنحها على الأوروبيين وقف دعمهم مثلاً للصهيونية والشذوذ فهي معاملةٌ ليست بالمثل وتحمل أوروبياً تلك النظرة المتعالية أنهم من سيقرر ما هو عدلٌ ببيوت غيرهم لكنه نفاقٌ ظاهر لا يحتاج دليلاً.

وخلال عملي في سوريا ما بعد الأزمة كانت عقيرة الاحتجاج عاليةً بين المانحين وبعض موظفي الأمم المتحدة على رفض الحكومة السورية منح تأشيراتٍ لبعض الموظفين أو الوفود، وكان الموضوع هذا ماثلاً بيننا وبين الحكومة في لقاءاتنا لتجاوز الصعوبات وتوضيح ماهية الطلبات ومهمات الموظفين والوفود، وفي الغالب كانت التأشيرات تُمنح ولو بعد وقت، لكن المانحون وبعض المؤيدين كانوا يطالبون الحكومة السورية برفع يدها عن قرار منح ورفض التأشيرات والسماح لمن يريد أن يدخل سوريا، رأيتُ في منطقهم هذا استهجاناً و استهانةً، استهانةٌ بسيادة دولة واستهجانٌ متعالٍ، فكيف تتجرأ سوريا وهي المتلقية للمساعدات أن تعرقل عمل الأمم المتحدة؟، لم أكن بالطبع أتبنى هذه النظرة السقيمة وجادلتُ أن سيادة الدولة تقرر من يدخلها ومن يبقى خارجها وأثْبَتنا عبر الأرقام أن نسبة الحصول علي التأشيرات تزيد عن ٩٠٪؜ من الطلبات شهريا، وقلتُ كذلك إن سوريا ليست تحت الوصاية وهي مثل الدول الأخرى تمارس حقها السيادي و ليس من العرف أن نفرض عليها قراراً خاصةً ونحن نناقش مع مسؤوليها حلولاً ونصل لها، لكن هذا لم يُرضِ المانحين ولا الأمم المتحدة، و بقيتْ المسألة مثار شكوك وشكاوى تتردد في العواصم وداخل مجلس الأمن، وبالطبع كانت الملامةُ القاسية و الاتهامات تلاحق سوريا بشأنها و تلاحقنا حين اتهمنا البعض أننا لا نبذل الجهد الكافي لا لنيل كل التأشيرات ولا بانتقاد الحكومة السورية.

اليوم ترفض 'إسرائيل' منح تأشيرات دخول لموظفي الأمم المتحدة لأنها تراهم معادين لها، فماذا فعل المانحون؟ وهذه البغيضة دأبت تهزأ من الأمم المتحدة وترفض قراراتها، فهل نسمعُ الانتقادات الجارحة و الشكوى في العواصم و مجلس الأمن؟، هل خرج مسؤولٌ كبيرٌ في الأمم المتحدة لينتقد ويطالب برفع اليد عن التأشيرات كما كانوا يطالبون سوريا؟، لا يجرؤون للأسف لأن اليد الباطشة المناصرة للصهيونية تقضي على الحاضر والمستقبل المهني لمن يتجرأ.

حكايةً رابعة، في بداية التسعينات تم تعيين الراحل الدكتور علي عتيقة أميناً عاماً مساعداً و رئيساً للمكتب الإقليمي للدول العربية ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في نيويورك الدكتور عتيقة كان ليبياً ورأس لسنوات المنظمة العربية للدول المصدرة للبترول (أوابك) ولم يكن له من علاقةٍ مع الحكم الليبي آنذاك، لكن الولايات المتحدة الأمريكية وهي الدولة المضيفة، لم تكن تسمح له بالتجوال خارج قطر خمسين كيلومتراً من مركز الأمم المتحدة وكلما أراد ذلك كان عليه أن يطلب الإذن المسبق وينتظر قبوله أم رفضه وكان يُطلبُ منه كلما غادر أمريكا بمهمات للأمم المتحدة وبمنصبه كانت كثيرةً أن يتقدم بطلب تأشيرةِ دخول جديدة للولايات المتحدة وهو أمرٌ كان شاقاً و مِضياعاً للوقت و الجهد، لكنها الدولة المضيف وهي تمارس سيادتها وهي التي عادت ليبيا وعادت الليبيين رغم التزامها باحترام موظفي و زوار الأمم المتحدة حتى رعايا من تعاديهم من دول. و تكرر الأمر حينما لم تمنح التأشيرة لوزيرٍ ليبي تقني دعوناهُ لاجتماعٍ للمكتب العربي لنيويورك وألغينا الاجتماع احتجاجا وخاطبنا الأمين العام بشكوانا، وكان حظر التجوال خارج دائرة الخمسين كيلومتراً سارياً على رعايا دولِ مختلفة ومنهم موظفين عاديين في الأمم المتحدة، ولم تتوقف الشكاوى عن إيقاف بعض موظفي الأمم المتحدة لساعات في مطارات الوصول للتحقيق معهم، ولم تستطع الأمم المتحدة أن تفعل أكثر من إرسال مذكراتٍ دبلوماسية للحكومة الأمريكية تذكرها فيها بما التزمت به تجاه المنظمة وموظفيها، وكان من يوقف باستمرار سيدة أوروبية بمركز أمين عام مساعد وكان ذنبها أن زوجها فلسطيني كان ناشطا في الدعوة للحقوق الفلسطينية، ولليوم وللغد ستمارس الولايات المتحدة أسلوب الرفض لمنح التأشيرات أو منحها في اللحظات الأخيرة ، مما يعرقل سفر الوفود لحضور اجتماعاتٍ مرتبطةٍ بتوقيتٍ معين، كل هذا ينافي اتفاقية المقر كما هو معروف، فهل من معترضٍ؟.

تُستخدمُ التأشيرات كوسيلةِ صداقة ومنعها كوسيلة انتقام وتتفاوت في الحساسية بين حالةٍ وحالة، هي باختصار وسيلةٌ لغاية قد تكون سياحة وتجارة، ولكنها لا تخلو أبداً من سياسة وفي ظلالها نفاق يزيدان عنفاً واستخفافاً كلما تباينت القوى والمصالح، يكاد رفض منح التأشيرة لأحدٍ ما أن يجرح الكرامة. إنه يساوي الرفض الشخصي، وهو كذلك الرفض مقصودٌ فيه الإيذاء الشخصي، كوصمة ذنب شخصيا لن أذهب إلا لمن يقبلني دون تأشيرة، فالتأشيرة اليوم أصبحت مدعاة إذلال تبدأ من رصيف باب السفارة وتمر بالمقابلة التحقيقية وبالتحرِّي و الانتظار، وما دام هناك من يقبلنا دون هذا العناء فلهُ نتوجه ولا لغيره، من دون نفاق.

ali.alzatari@gmail.com


التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012