أضف إلى المفضلة
الجمعة , 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
الجمعة , 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


حرية التعبير

بقلم : اسماعيل الشريف
26-12-2022 01:24 AM

{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1].
على مدى أعوام طويلة من الكتابة المنتظمة؛ في صحف ومواقع إخبارية، أو 'بوستات' على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض المقابلات هنا وهناك، لم تتحدث معي أية جهة أمنية، سواء سلبًا أو إيجابًا. قد يُرَد على ذلك بأن كتاباتي 'مدجنة' ومجاملة، في معظمها نعم، ولكن أحيانًا كانت جريئة للغاية، لم تُنشَر في الصحف فنشرتُها على مواقع إخبارية.
هنالك التباس كبير في حرية التعبير، ففَهْمُنا لها أن يقول الشخص ما يريده لمن يريده، ونتيجة لهذا الالتباس نسمع ونرى ونقرأ خطاب الكراهية، واغتيال الشخصية، والكذب والتدليس. أجزم بأن هذا لم يكن المقصود عندما أطلق ثم نُظِّر لهذا المصطلح، بل كان المقصود منه صون حق الإنسان في التعبير عن نفسه وانتقاده البنّاء للحكومة والسلوك والأفكار.
أُفرغت حرية التعبير من محتواها، وأصبح لا معنى لها عند مشاهدة أصحاب الفيديوهات والكتاب يكذبون ويُنكرون إنجازات الوطن ومكتسباته، ورجاله ونسوته الذين يخدمونه بصمت وإخلاص، أو على النقيض الذين يجاملون ويُجمِّلون المسؤولين لأجل المجاملة أو الحصول على المكتسبات، فقد يكون الاثنان متساويين في اختطاف حرية التعبير وتزييف الوعي.
كثير من الأكاذيب وأنصاف الحقائق تصبح مع تكرارها حقائق، وهذا له خطورة وجودية على الأوطان، ألم تُدمَّر العراق بسبب أكاذيب عن امتلاكها لأسلحة دمار شامل؟ وفي عام 1967 كان صوت أحمد سعيد يصدح بأن القوات المصرية أسقطت ألف طائرة ودخلت تل أبيب! ورقص الناس فرحًا ليصحوا في اليوم التالي على احتلال القدس وسيناء والجولان، وغيرها الكثير من الأكاذيب.
في الثلاثينيات كانت شركات التبغ تكذب وتنشر إعلانات بأن التبغ مفيد للصحة، وحتى وقت قريب أنكرت شركات البترول تغير المناخ الناتج عن ثاني أكسيد الكربون، وروّج بعض الأطباء بأن كورونا كذبة... كم فقد الملايين حياتهم بسبب هذه الأكاذيب؟
إذن قد تكون حرية الرأي بنفس سوء مصادرة الرأي، فعندما يموت الناس أو تسقط الأوطان، كيف نبرر لشخص أن يقول ما يريده بغض النظر عن النتائج؟!
علينا أن نعيد مرة أخرى تعريف حرية التعبير، بحيث تصبح أن كل شخص يستطيع قول ما يريده طالما أن ذلك صحيحًا وبعيدًا عن التعرض للخصوصيات، والأعراض، وخطاب الكراهية، وهدم الأديان.
خطورة انتهاك حرية الرأي أنها لا تُعكِّر المياه فقط، وإنما تؤثر على مراكز اتخاذ القرار، والأخطر أنها تختطف الرأي العام وتفسح مجالاً للشعبوية!
الشفافية وحرية الإعلام المسؤولة وبناء قيم مجتمعية ترفض الكذب والتهويل والتطاول على الرموز وإنكار الجهود وخطاب الكراهية والإشاعات وتحقيق العدالة الاجتماعية، كلها عوامل أساسية لعلاج هذه المشكلة، فإذا تحدثنا بشفافية بعيدًا عن الكذب ستختفي عشرات الفيديوهات والمنشورات والمقالات.
لا أقول أبدًا أن لدينا حرية تعبير عالية، ولكن برأيي الشخصي ليست سيئة، وكأنك تمشي على حقل من الألغام، عليك أن تختار كلماتك بعناية، أن تنتقد انتقادًا بناءً لا يتناول خصوصيات الناس، وأن تبتعد عن خطابات الكراهية وانتقاد الأديان.
إذا تقيّدت بهذه الوصفة فأنت في بَر الأمان، فاسأل المجرب قبل أن تسأل الطبيب.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012