أضف إلى المفضلة
الإثنين , 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
الإثنين , 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


سعداء في شارع السعادة !

بقلم : رشاد ابو داود
16-01-2023 12:50 AM

ما أن تخرج من المخيم وجناعة الى 'البلد' الزرقاء حتى تشعر أنك في عالم جديد . تكتشف أن ثمة حياة أخرى غير تلك التي عشتها . ليست أفضل وليست أسوأ . ليست أقل فقراً ولا أكثر غنىً . كل ما في الأمر أنك تحمل 'كرت المؤن' شهادة أنك لاجىء فيما أنت هناك مواطن بكامل حقوقه وواجباته . لكأن كل الزرقاء تقتسم نفس الرغيف .
في المدرسة الثانوية جارة قصر شبيب التاريخي ، تجدهم من شتى المنابت و الأصول بل ومن مختلف المدن و القرى في الأردن وقد انصهروا في الزرقاء . وأنت ابن الخامسة عشر سنة تكتشف أن المدينة عبارة عن جامعة عربية و اسلامية مصغرة . ولو عدت الى الأصول لوجدت فيها الشيشان والشركس والشوام والفلسطينيين والدروز .المسلمون و المسيحيون.والحمد لله ..لا يهود .
'عمدة' المدينة ،رئيس البلدية لربع قرن ، كان المرحوم قاسم بولاد ، شيشاني وهومن الرعيل الأول كان يحب أهل الزرقاء وهم يحبونه . أما المرحوم الشيخ عبد الباقي جمو وهو أيضاً من أصول شيشانية . انتخب نائباً عن محافظة الزرقاء في برلمان 1956 و 1961 ثم عضواً في مجلس الأعيان ثم وزيراً لمرتين . وهو خريج جامعة الأزهر .
في الصف الأول الثانوي جاء مكاني في المقعد الذي كان الترتيب أن يجلس فيه ثلاثة طلاب بين قاسم الجغبير من السلط وكان أبوه عسكرياً و نشات مطر من معان وأبوه موظفاً كبيراً في البلدية ، وأنا ابن الخضرجي . شكلنا ثلاثياً رائعاً في الدراسة و ما بعد الدراسة حيث كنت أذهب من جناعة مشياً طبعاً الى بيت نشات في ' البلد ' خلف شارع كنا نسميه شارع عمارة السبعين نسبة الى تمثالين لأسدين على باب العمارة ، وهي ليست عمارة بالمفهوم الحالي بل لأنها ربما الوحيدة في المنطقة المكونة من طابقين ولها برندة طويلة تطل على الشارع .
قاسم كان ينضم الينا آتياً من بيته البعيد . والبعيد أيامها كان المنطقة الشمالية الغربية التي تقع قبل الحاووز . وما أدراك ما الحاووز ؟!
خزان ماء من الاسمنت والحديد مقام على أعمدة من الباطون في أعلى موقع في المدينة . قبله بيوت قليلة ولا بيوت بعده . كان وحيداً يسقي مئات البيوت ، يطل على السخنة من الغرب وعلى المصفاة شمالًاً .
نتوجه الى شارع السعادة ، اطول و أوسع شارع في الزرقاء أيامها أعني أواسط الخمسينيات و الستينيات . ' شباب' بسوالف طويلة و شعر يغطي الرقبة والأذنين وبنطلونات شارلستون ضيقة أعلى الساقية وعريضة تحت الركبتين .
ينضم الينا أحياناً زميلنا الشركسي محمد خير مسافر و المسيحي أسامة مدانات . ولم نكن نتوقف ولو للحظة عند أصل أو ديانة أي منا . كنا فقط زرقاويون قلباً و قالباً ، فكراً و شكلاً .
نستعرض ' شبوبيتنا ' في شارع السعادة خاصة عند الفتيات من جيلنا اللواتي كن يرتدين الميني جيب والقمصان الضيقة ، وتلك كانت موضة ذاك الزمن التي كانت تستوحى من نجمات السينما ناديا لطفي وسعاد حسني وشادية وغيرهن .
كنا سعداء في شارع السعادة . لم نكن نهتم بالسياسة ولا السياسيين ، همنا فقط الدراسة وأن نحصل علامات تؤهلنا للنجاح في التوجيهي .
هل كنا مخطئين بعدم اهتمامنا بالسياسة ؟
أعتقد ، لا . فقد كنا صادقين مع انفسنا و مع الحياة . فقد تخرجنا من الجامعة. عملنا بصدق ، أبدعنا في مجالاتنا . ونعيش مرتاحي الضمير .
قالوا أن ' السياسة فن الكذب ' آخرون خففوها الى ' الكذب ملح السياسة ' وفي أحدث تخفيف يقولون ' سياسة تدوير الزوايا ' !!

الدستور

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012