أضف إلى المفضلة
الجمعة , 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
الجمعة , 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


في ذكراك الخامسة عشرة رجل الغاب

بقلم : اسماعيل الشريف
24-01-2023 11:22 PM

«إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها»، حديث شريف.
أبي، كنا نناقش قضيةً ما، كانت وجهة نظري فيها كل الأنانية والسوداوية والسلبية، علقتَ بعبارة واحدة: أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام. رددت عليك مازحًا: وهل تضيء شمعة واحدة الظلام؟
ناولتني مجلة تقرؤها، فتحتها وقلتَ لي: اقرأ هذا الموضوع وبعدها نكمل نقاشنا.
كانت القصة عن رجل هندي بسيط اسمه 'جاداف باينج'، قضى حياته في زراعة الأشجار، وأطلقت عليه المجلة لقب 'رجل الغاب'، فقد زرع وحده أكثر من مليون ونصف المليون شجرة، على مساحة 5800 دونم.
ولد باينج بالقرب من منطقة جيرهان، في طفولته كان يلعب على شاطئ نهر برهموديا وأمامه جزيرة في النهر، ومع مر السنين تصحرت هذه المنطقة فأصبحت جرداء، فقرر وهو في مراهقته أن يزرع كل يوم ولطيلة حياته شجرة واحدة على ساحل النهر والجزيرة.
لم يكن الأمر سهلاً، فقد واجهته مشكلتين؛ توفير بذور الأشجار وتنوعها، ومع مرور الوقت حُلت هاتان المشكلتان، فالأشجار في الغابة أعطت البذور، مما مكنه أيضًا من زيادة عدد الأشجار المزروعة في كل يوم، وبوجود النهر فالسقاية كانت سهلة.
لم يخبر أحدًا عما يقوم به، إلى أن اكتشف الإعلام عمله العظيم بالصدفة عندما ضل مئة فيل بري في الغابة، فأبلغ صاحبنا المؤسسة المسؤولة عن الغابات بوجود القطيع في غابته، تفاجأت المؤسسة بوجود هذه الغابة وعينته طافيًا على غابته، وتحول صديقنا الفقير المنسي بين ليلة وضحاها إلى بطل قومي، حتى وصلت قصته إلى وسائل الإعلام العالمية.
تحولت المنطقة إلى بقعة خضراء تسكنها الحياة البرية من الأرنب حتى النمر، ويعترف صاحبنا بأنه لم يعد بنفس القوة لاستكمال مشروعه، ولكنه غرس في أبنائه هذا الشغف، ويقلق بعد وفاته على غابته لأن بعض الناس قد بدأوا في احتطابها.
عدت لوالدي، ومعي المجلة، قلت له: هذا رجل بطل قام بعمل بسيط كل يوم حتى غدا عمله كبيرًا، لم يسأل أحدًا عن أجر أو مكافأة عن عمله هذا، وهذه القصة فتحت عيني على أشخاص آخرين يعملون بصمت كرسوا حياتهم في أعمال عظيمة لم يلحظها أحد، أعمال صغيرة ستعني لنا الكثير.
ارتسمت على شفتي والدي ابتسامته الساحرة الآسرة، وقال: هذا رجل عظيم يفكر بالمستقبل، يعمل لبلده وبيئته والأجيال القادمة، كم أشمئز من الذين يطفئون شمعتهم ويقولون: لماذا أعمل لمستقبل سأغيب عنه؟ دعني أذكرك بقصة الفلاح العجوز الذي مر عليه كسرى بن شروان وهو يغرس شجرة زيتون، فسأله: هل تطمع أيها الشيخ أن تعيش طويلاً حتى تأكل من ثمر هذه الشجرة؟ فأجابه العجوز الحكيم: لا، ولكن غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون. وأخيرًا أنهى والدي درسه بقول 'وارن بافت': شخصٌ ما يجلس في الظل اليوم لأن شخصًا ما زرع شجرة منذ زمن طويل.
ثم قال: لنكمل نقاشنا. قلت: أسحب كل ما قلته، وأقول: لا تقبع في الظلام، ستلعن الظلمة ونفسك، أشعل شمعتك لنفسك وللآخرين ولأولادك من بعدك!
رحمك الله يا أبي، ما زلتَ حاضرًا ومعلمًا ومُلهمًا.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012