أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


كيف خسر بايدن الرّهان بالاحتِفال بهزيمةِ بوتين في الذّكرى الأولى للحرب الأوكرانيّة؟

بقلم : عبدالباري عطوان
21-02-2023 07:02 AM

كيف خسر بايدن الرّهان بالاحتِفال بهزيمةِ بوتين في الذّكرى الأولى للحرب الأوكرانيّة؟ وهل يُعيد هُجوم الرّبيع الروسي رسم خريطة جديدة لأوروبا وربّما العالم؟ ولماذا لم يَزُر الرئيس الأمريكي لندن وباريس وبرلين عواصِم أوروبا القديمة في جولته الحاليّة؟ :


انطِلاق صافرات الإنذار أثناء زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للعاصمة الأوكرانيّة كييف، وتجوّله في شوارعها ربّما تعكس بصُورةٍ جليّةٍ تطوّرات الحرب على الأرض، والوضع المأساوي الذي تعيشه أوكرانيا وشعبها مع اقتِراب هذه الحرب من إكمال عامَها الأوّل ودُخولها العام الثاني بعد بضعة أيّام (24 شباط).

الرئيس بايدن الذي دخل إلى العاصمة الأوكرانيّة مُتسَلّلًا، ودُون أيّ إعلان مُسبق، أرادها حربًا قصيرةً، تنتهي في غُضون أشهر، يركع فلاديمير بوتين عند أقدامه، طالبًا الصّفح والغُفران، ولكنّ هذه الطّموحات والآمال لم تتحقّق وجاءت النّتائج عكسيّةً تمامًا.
في المُؤتمر الصّحافي المُشتَرك كرّر الرئيس فولوديمير زيلينسكي هذه الأُمنيات، عندما قال إنّه سيبحث مع ضيفه، ومُعلّمه بايدن السّبل الكفيلة لكسب الحرب هذه السّنة، ولم يَقُل لنا، ولمُواطنيه الذين يعيشون ظُروفًا صعبةً، كيف، وكُل الأنباء القادمة من شَرق وجنوب أوكرانيا تقول إن هُجوم الرّبيع الروسي يستعيد في الشّتاء المُدُن التي خسرها في الخريف، الواحِدة تِلو الأُخرى.
***
الرئيس بايدن تعهّد لزيلينسكي بدعمه وجيشه بـ700 دبّابة، وآلاف العربات المُدرّعة، وألف مدفع هاوتزر، ومِليونيّ قذيفة، و50 راجمة صواريخ “هيرماس”، ومنظومات مُضادّة للدبّابات والطّائرات، وفوق هذا وذاك 500 مِليون دولار مُساعدات ماليّة، ولكنّه لم يتعهّد بإرسال جندي أمريكي واحد، أو طائرة مُقاتلة واحدة، خَوفًا ورُعبًا من الرّد الروسي، وجرّ أمريكا إلى مُواجهة عسكريّة مُباشرة.
أمريكا وحُلفاؤها راهنوا على حربٍ خاطفةٍ للانتِقال بعدها إلى الهدف الأكبر أيّ الصين، خاصّةً بعد خسائر الجيش الروسي في الخريف، وانسِحابه من خاركوف وخيرسون، واعتقد مُخطئًا أن هذا الجيش على حافّة الانهِيار إن لم يكن في قلبها، ولكنّهم خسروا هذا الرّهان، واكتشفوا أن بوتين يملك رِهانًا مُضادًّا مُختلفًا، وهو الحرب الاستنزافيّة الطّويلة التي تستمرّ ثلاثة أعوام على الأقل، أيّ لِما بعد الانتخابات الرئاسيّة المُقبلة في خريف عام 2024، وبِما قد يُؤدّي إلى إسقاط الرئيس بايدن وحزبه الدّيمقراطي، هذا إذا لم يَسْقُط قبلها.
اللّافت أن الرئيس بايدن حصر جولته الحاليّة بزيارةٍ خاطفة، وغير مُعلنة مُسبَقًا لكييف، ولبضعة ساعات، ليطير بعدها إلى بولندا التي يُريد توريطها في الحرب الأوكرانيّة، وتأمَل قِيادتها أن تستعيد بِناء امبراطوريّتها مجددًا، وتسمينها بأجزاءٍ من روسيا (بعد هزيمتها) ومن أوكرانيا التي احتلّتها بولندا في القرنين السّادس والسّابع عشر، ولكن هذه الطّموحات التوسيعيّة قد تنتهي بكارثةٍ على غِرار ما حدث لها أثناء الحرب العالميّة الثانية عندما انحازت إلى هتلر.
نستغرب الاتّهامات الأمريكيّة الأخيرة بعزم الصين إرسال أسلحة مُتقدّمة لروسيا، وهي التّهمة التي نفتها الأخيرة، مصدر الاستِغراب هو تحشيد أمريكا كُل الدّول الأوروبيّة لدعم زيلينسكي، ويستكثرون على الصين دعمها لحليفها الروسي، أيّ منطق هذا، حلالٌ على أمريكا وحرامٌ على روسيا؟ إنّه قمّة الغباء وسُوء التّقدير والحِساب، فروسيا ليست، ولن تكون وحدها، وسيقف كُل أعداء أمريكا، والمُتضرّرين من غطرستها وما أكثرهم في صفّها، ابتداءً من الصين، ومُرورًا بكوريا الشماليّة، وانتهاءً بإيران التي ستُصبح دولةً نوويّةً قريبًا جدًّا.
عدم زيارة بايدن للدّول الثّلاث الأبرز في أوروبا “القديمة” في جولته الحاليّة، ونقصد بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وتركيزه فقط على بولندا، يُؤكّد أن مُعظم هذه الدّول، وبضَغطٍ من شُعوبها، باتت “مرعوبةً” من الاستِمرار في التورّط في هذه الحرب، لانعِكاساتها السّلبيّة على أمنِها واقتِصادها ورخاءِ شُعوبها التي بدأت تُشارك بمِئاتِ الآلاف في مُظاهراتٍ احتجاجيّة، ويكفي الإشارة إلى أنّ خسائر ألمانيا بلغت 100 مِليار دولار في السّنة الأُولى فقط، والحسّابة تحسب.
هُجوم الرّبيع الروسي الذي يزداد قُوّةً، والهُجوم الأوكراني المُضاد لمُواجهته، قد تَرسُم نتائجهما ليس مصير هذه الحرب، وإنّما أيضًا الخريطة الأوروبيّة الجديدة، اقتصاديًّا، وسياسيًّا، وعسكريًّا، ولا نعتقد أنها ستكون في صالح الولايات المتحدة وحِلف النّاتو.
***
أوكرانيا باتت في طريقها لكيّ تتحوّل إلى قاعدةٍ للفوضى، ومنصّة لانطِلاق الإرهاب، الذي سيَضرُب مُعظم أوروبا وشُعوبها، ويُزعزع أمنها واستِقرارها، فماذا يُمكن أن تتوقّع هذه الدّول التي عاشت في أمن واستِقرار ورخاء لما يَقرُب من 80 عامًا (مُنذ الحرب العالميّة الثانية)، وهي في طريقها للتحوّل من داعمةٍ للإرهاب في الشّرق الأوسط والعالم الثّالث، إلى قاعدةٍ جاذبةٍ ومُصدّرةً له، واسألوا مُقاتلي مجموعة فاغنر، وكتائب الشّيشان، وعناصر الدّولة الإسلاميّة، والجماعات النازيّة اليمينيّة الأوروبيّة المُتطرّفة، التي باتت تتواجد وتتناسل على الأرض الأوكرانيّة.
بايدن كان يتمنّى أن يزور كييف بعد عامٍ من الحرب للاحتِفال بالنّصر، وتركيع موسكو والرئيس بوتين، ولكنّ أُمنيته لم تتحقّق، وزارها كاللّص مُتَسَلّلًا، ودُونَ إعلانٍ مُسبَق، ومن غير المُعتَقد أنّه سيُكرّر هذه الزّيارة مُستَقبلًا كمُنتَصرٍ أيضًا، وقد آنَ الأوان لأبي حنيفة أن يَمُدّ رجله.. والأيّام بيننا.

رأي اليوم

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012